آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-09:27ص

الدكتور عبدالله أحمد صالح (التختر) رمزا للقيم الإنسانية النبيلة التي نحتاجها اليوم

الجمعة - 10 يونيو 2016 - الساعة 09:49 م

صالح عبدالله مثنى
بقلم: صالح عبدالله مثنى
- ارشيف الكاتب


أود بداية ان اشكر دعوة الأخ العزيز وضاح الأحمدي لي من أجل مشاركة لجنة اعداد كتاب عن حياة  فقيد الضالع الكبير عبدالله احمد " التختر " وقد اسعدتني  كثيراً هذه الدعوة لأن الدكتور عبدالله يستحق ذلك ، وثانياً لأن فكرة الكتاب بعثت لدي ذكريات عن الزمن الجميل .

 

 وأخيراً اصبح لدينا شباب من هذا الجيل يخلدون مآثر الآباء والأجداد ، والذين يعرفون الماضي يستطيعون بناء المستقبل.

 

تمتد معرفتي بالدكتور عبد الله أحمد صالح التختر إلى منتصف الستينات من القرن الماضي عندما التحقت بالمدرسة الابتدائية بالضالع ، وخلال عقود بحالها قلما رأيت شخصا مثله جعل خدمة المجتمع ومعافاته كل هدفه وغايته ، ومنحها كل وقته وحياته وكان يجد فيها راحته وسعادته، وشكلت هويته وهوايته، وقام عليها فخره ومجده، وأنا هنا لا ارثيه نثرا أو شعرا، أو أرد له جميلا أو أقل فيه مجاملة فقد رحل عنا بعيدا ولكن ذلك هو ما رأيته فيه بالتجربة والمعايشة والمشاهدة كمريض وصديق وإنسان ، واظن ذلك ما ادركه فيه الكثير من أبناء جيله ومعاصريه.

ينتمي الدكتور عبدالله أحمد صالح إلى أسرة فاضله امتهنت خدمت الطب، وكان مع أخيه حمود ووالده يشكلون فريقا متكاملا يجولون الضالع طولاً بعرض لتأمين أفضل الرعاية الصحية للناس فيها أينما كانوا بحاجة لها ، ولهما يعودالفضل والشرف بتأسيس الخدمات الصحية بالضالع ، وكلمة "التختر "هي التعريب البلدي للقب الدكتور، ورغم أنه لم يجد الفرصة لاستكمال التعليم الجامعي إلا أنه طور معارفه العلمية التي كان يتلقاها في الدورات الطبية التخصصية ومعها اكتسب بالتجربة العملية الخبرات والمهارات التي فاقت مستوى الطب العام للذين تخرجوا من بعده وهم الذين كانوا يعملون تحت إدارته بكل احترام وتقدير، وحين كان البعض يطمح بموقع الإدارة منهم في وقت لاحق من الخدمه كان يمنحهم الفرصة بكل رحابة صدر حتى ينسحبون بطواعية من انفسهم عندما يدركون أنه ليس من السهل الوصول إلى مكانته وأنه ظل يشكل فارقا بينهم في إدارته للعمل وعلاقته بالمجتمع ومؤسسات الدولة.

وعدا ذلك فقد تميز الدكتور عبد الله عن الآخرين في أنه لم يكن يضع للعمل في خدمة الناس حدودا من الوقت ، كان يستقبلهم في منزله ليل نهار وحتى عندما كانوا يوقضونه فجرا يستجيب لهم بكل سرور ويذهب معهم إلى أبعد قرية أو أعلى قمة جبل لإسعاف مريض أو إنقاذ حياة ، يحمل حقيبته وينطلق كأنه وحدة صحية متنقله، لم تكن هناك قرية في الضالع لم يزورها أو يعالج مرضى منها ، كل ذلك دون أن ينتظر مقابلا ، لامال أو جاه أو ترقية، ويكفيه أنه كان ينال إحترام الناس وحبهم و يكسب  تقديرهم وثقتهم، وعادةً ماكان ذلك على حساب علاقته بعائلته ، ولكن عزائه في أنه كان يرى في كل الضالع أسرته الكبيرة.

وغير ذلك إنشاء الدكتور عبد الله نظام الرعاية الصحية ، فكان يشكل فرق متكاملة لمكافحة الأوبئة برش المبيدات الحشرية على المياه الراكدة والمستنقعات الناتجة عن السيول والغيول وما كان أكثرها والمنتشرة في مختلف مناطق الضالع وخاصة في منطقتي حجر والازارق التي كانت تشكل ملتقى تدفق السيول من مختلف جبال المنطقة ، فعلى عكس هذا الزمن كانت الضالع تحضى بنصيب وافر من هطول الأمطار على مدار الصيف واحيانا من اواخر الربيع وحتى بدايات الخريف وتبقى الشلالات والينابيع تجري في جبالها ومنحدراتها والغيول في وديانها والمياه تنضح من آبارها والخضرة تكسو أرضها على طول العام  مع ما تسببه بانتشار الاوبئة في المياه الراكدة الناتجة عنها، وظلت كذلك حتى منتصف الثمانينات تقريبا قبل أن يحل بها الجفاف وتشحب صورتها ويستنزف القات مخزونها من المياه الجوفية التي تراكمت على مدى قرون طويلة من الزمن.

وتولى الدكور عبدالله أحمد التختر متابعة انشاء مستشفى النصر والوحدات الصحية بالضالع وتأمين تزويدها بالعلاجات الكافية والحرص والإشراف على تأديتها الخدمة للجميع وبالمجان ،واعتماد السلطات الحكومية سيارات الإسعاف لمستشفى الضالع ووحداتها الصحية لتتمكن من نقل المرضى واسعافهم إلى عدن للذين يتعذر علاجهم في الضالع وطلب نقل الحالات المتعسرة بطائرات الهيلوكبتر العسكرية.

لقد كنت واحدا من الذين شملتهم رعاية الدكتور عبد الله وعلاجه ويعود الفضل له بعد الله بإنقاذه حياتي ثلاث مرات على الأقل من أمراض البلهارسيا والبرون كايتس والملاريا، جئت إليه من قرية تستوطن في غيولها المحيطة المياه الراكده  التي تنمو فيها الفيروسات الحاملة لمرض البلهارسيا وتتحول في بعض الحالات الى مرض السرطان ، وظل لمرات عديده يعالجني من مرض السعلة المزمنة وتضخم اللوزتين التي تؤدي إلى إلتهابات البرون كايتس والانتقال إلى الرئة وتسبب الوفاة إذا تركت دون علاج ،وقد كانت تعاودني بين فترة واخرى بتاثير تيارت الرياح  الباردة شتاء والممطرة صيفا على قريتنا الواقعةعلى رهوة بين الجبال على مهب الريح ، ثم عالجني من مرض الملاريا الحاده التي يمكن أن ترتفع إلى لدماغ فتسبب مضاعفاة خطيرة على الإنسان إذا لم تعالج في وقتها .وهذا ما كان يفعله الدكتور عبد الله مع المئات وربما الآلاف غيري من أبناء الضالع  الذي كان يتولى علاجهم دون كلل أو ملل.

وحتى قبل الوحدة المغدوره كانت المنضومة الصحيةالتي بناها الدكتور عبدالله أحمد تؤمن لكل الضالع رعاية صحية لائقة عاش معها سعيدا ، وكان يتسم بالحيوية والنشاط الدائم ويتحلى بأخلاق عالية، كان يوحد الناس حوله ويحيط نفسه بشبكة صداقات من مختلف فئات المجتمع، حيث كنا نراه على وجبات الغداء في مطعم صديقه صالح محمد الشاعري واستراحته مع مجموعات منهم بينهم العقيد أحمد صالح شائف والرائد صالح حويشان من ضباط الشرطة المحترمين والذين لم نكن نسمع لهم أذية للمواطنين ومهندس السيارات الدعري والجبني لاعب كرة القدم وحتى صاحبنا الضريف حوات ، كان يحب تبادل المزاح والنكات معهم كلما التقوا.

وحين نخلد ذكراه اليوم فإننا نستحضر فيه كل القيم الإنسانية النبيلة التي حملها فما احوجنا لها اليوم في زمن انهارت فيه كل القيم وأصبحت مجتمعاتنا تعود إلى الخلف ويجري تدمير كل مقومات الحياة فيها بل الحياة بأسرها ، واستنهض فيه قدوة حسنه ونموذجا يحتذى به.

كان الدكتور عبدالله بالنسبة لي مثلا أعلى وكنت أتمنى أن أخدم الناس مثله، وظلت قيمه الإنسانية تلك حافزا لي في مراحل حياتي المختلفة ، ومنذ البدء وأنا اعترض على المعاناة التي أحاقت بشباب المدينة بعد الإستقلال مع بداية الصراعات الداخلية وعلى تأميم أراضي الفلاحين في لحج ، وبرغم إني كدت أفقد حياتي في كلا الحالتين، إلا إني واصلت الاقتداء بما كان يفعله الدكتور عبدالله بخدمة الضالع ولكن من موقع آخر ،وتابعت بالقدر الذي استطعت اعتماد مشاريع الضالع مع رئيس الحكومه وزملائي الوزراء فيها بدءاً  بطريق الحبيلين الضالع ومشروع الكهرباء والتنمية الريفية وغيرها ولاحقا استخدمت علاقتي مع الوزير عبد الله عبد الولي ناشر باعتماد مستشفى السرافي واستكمال طريق الضالع الشعيب ومشروعات طريق جحاف وذخارمع الوزير الكرشمي  ومشروع المجمع الثانوي مع الشيخ علي محمد سعيد انعم ومشاريع أخرى للمياه والزراعة ، وطبعا كل ذلك بمشاركة العديد من قيادات وكوادر الضالع ومسؤلي السلطات المحلية فيها الذين واصلوا متابعة إنجاز تلك المشاريع.

كنت أرد على اتهامي بالمناطقية من قبل البعض بأن عليهم الكف عن مواصلة الابتزاز كما كانو يمارسونه مع المسؤلين السابقين من أبناء الضالع ، فنحن لانطلب لها إلا ما تستحق  وعلى الأقل أسوة بالمناطق الأخرى، لم أكن أتحدث عن ذلك في الماضي كثيرا ، أما وقد وصلنا سن التقاعد فمن حقنا أن نسجل تلك الذكريات لنشير على الأقل إلى فضل الناس الذي الهمونا وكانوا قدوة لنا أمثال الدكتور عبد الله أحمد صالح رحمة الله تغشاه ،ولكي أشير على أبناء الضالع ممن تتاح. لهم فرص تحمل المسؤلية أن يبقوا دوما في خدمتها ولايخشون في ذلك لومة لائم ، وكما يقول المثل الذي لا يستطيع أن ينفع أمه لن يستطيع أن ينفع خالته مع فارق الحالة تقريبا.

إن أعلى قيمة لاحياء ذكرى الخالدين من الناس هوا السير على خطاهم في خدمة المجتمع والوطن، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك في الظروف الراهنه ان تعمل قيادات المقاومة والحراك في الضالع لتوحيد جهود القوى الثورية والسياسية والمجتمعية فيها من خلال المبادرة بتشكيل هيئة تنسيق تشمل ممثلين لمختلف فصائل المقاومة والحراك والقوى السياسية ومنضمات المجتمع المدني والوجاهات الاجتماعية على مستوى المحافضة والمديرياة الخمس، بهدف مشترك لضمان حماية امن ومصالح المجتمع ، ومساعدة السلطات المحلية في تطبيع الأوضاع العامة وتأمين عودة الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والاشغال والبلدية والكهرباء والمياه بالحدود المتاحة، وعودة القضاء والنيابة والشرطة ومساعدتها لتأدية خدماتها للمواطنين بنزاهة وإخلاص.

لا تسمحوا لأي ظواهر سلبية تسئ إلى سمعتكم وإلى تضحيات شهدائكم ، قفوا إلى جانب بعضكم فهناك من يتربص بكم جميعا باختلاف انتماءاتكم السياسية والفكرية سعيا لإضعاف وإلغاء دور الضالع ومكانتها الوطنية، وفقط  بوحدتكم تحمون أنفسكم وتحافضون على انجازاتكم وتمضون إلى الأمام، برهنو كما في المعركة بأنكم معا قادرون على المشاركة السياسية لبناء دولة ووطن آمن ومزدهر ووضعه على طريق  التحول الديمقراطي والتنمية الشاملة، وبذلك فقط نخلد مآثر الفقيد عبد الله أحمد صالح "التختر " وكل الشهداء والأخيار ممن سبقوه ، وعزائنا لهم أن نسير على دربهم، لتبقى الضالع قلعة للحرية ونموذجا للأمن والاستقرار والسلام ورافعة أبدية للجنوب .

 

* بقلم: الوزير السابق صالح عبدالله مثنى