آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:56م

أدب وثقافة


د. قاسم المحبشي يكتب لـ عدن الغد : في تذكار الاستاذ الراحل عبدالله فاضل رحمة الله تغشاه

الإثنين - 14 أبريل 2014 - 10:49 م بتوقيت عدن

د. قاسم المحبشي يكتب لـ عدن الغد :  في تذكار الاستاذ الراحل عبدالله فاضل رحمة الله تغشاه
الأستاذ الأكاديمي المثقف الأديب المرحوم عبدالله فاضل

عدن(عدن الغد)خاص:

"ليست حياة الانسان الا سلسلة من  الافعال والانفعالات والتفاعلات والاحداث والمواقف والذكريات والصور يختزنها العقل ويستمد منها حياته المتجددة على الدوام  "

 كتب / د. قاسم المحبشي 

 

 16 عام  مضت منذ ان تغمد الله سبحانه وتعالى روح الأستاذ الأكاديمي المثقف الأديب المرحوم عبدالله فاضل  في مثل هذا اليوم الموافق 14 ابريل 2008م ورغم ذلك نشعر بأنه مازال حاضر بيننا يرقب الأحداث  والعبث بصمت وغضب ساخر ، من مكتبه الأثير في الدور الثالث من ديوان جامعة عدن الذي كان أشبه بالواحة الوارفة الظلال وسط الصحراء.

 وأتذكر اليوم إنني كنت أزوره في مكتبه معظم الأيام وفي كل مرة أزوره فيها كنت اخرج أفضل وأكثر مما كنته حينما دخلت معرفة وفهما ومزاجا ، فضلا عن زيارتي له في منزله المكتبة العامرة بما لذ وطاب من مختلف صنوف العلم والأدب  والمعرفة والثقافة  أكثر من خمسة ألف كتاب .

 ربما كانت المكتبة الموسوعية الخاصة الوحيدة في عدن التي تحوى هذا الكم من الكتب والدوريات والدراسات والأبحاث المنتقاة بعناية  بعدد اللغات ، وكنت اغبط صديقي العزيز الأديب سعيد عبدالله سعيد الذي كان من جلسا الأستاذ المرحوم وموضع ثقته مثله مثل الزميل  الدكتور سالم السلفي أستاذ الأدب والنقد الأدبي في جامعة عدن .

 وطالما حدثاني عن ندوتهم الأسبوعية التي كنت تعقد في منزل الأستاذ كل اثنين بدون قات !  وقد تشرفت بزيارته  في منزله أربع مرات على فترات متقطعة ، في احدها أهديته نسخة من كتابي ، فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر ، ارنولد توينبي موضوعا .

 

وكم سعدت حينما  زرته  بعد أسبوع في مكتبه بالجامعة فإذا به يفاجئني بأنه  قرأ الكتاب باهتمام فاخذ يناقشني في بعض الأمور التفصيلية الدقيقة التي  تضمنها الفصل الأخير منه لاسيما موقف توينبي من فلسطين ، فضلا عن ملاحظاته النقدية  الأخرى التي استفدت منها وظلت  عندي موضع اعتزاز .

وفي مقام تذكار الأستاذ  تحضرني الذاكرة ان اتحاد الأدباء والكتاب _عدن قد نظم احتفائية خاصة بالأستاذ عبدالله في أمسية خميسية  رمضانية في 16 _ 12_ 1999م إي قبل تسعة سنوات من وفاته ، في ذكرى ميلاده 73 ،  ومما أتذكره  الان  انه  في مساء تلك  الليلة  الرمضانية ومنذ التاسعة أخذ  بيت الاتحاد يعج بالحيوية والبهجة واكتظت القاعة بالأدباء والكتاب من الجنسين الذين أتوا للاستماع إلى الأستاذ عبدالله فاضل وسيرة حياته بشغف .

 

 بدأ المثقف السبعيني يروي حكاية طفولته ببساطة وسلاسة  وعفوية مدهشة وذاكرة متقدة وحضور حميم أثارت وجذبت اهتمام ومشاعر الحضور بل جعلهم ببراعة أسلوبه يندمجون معه في حكاية رحلة العمر التي بدأت انطلاقتها في ثلاثينيات القرن العشرين ، حينما كان يحكي حياته لم نكن نستمع فقط بل كنا نعيش معه الأحداث وننفعل بها تماما مثلما نكون عند مشاهدتنا فيلم سينمائي جميل ومثير ، شهدنا  الطفل الصغير الذي كأنه الكهل المتحدث الان .

 

 كيف كان يلعب ويدرس وينام  ويفرح ويغضب ، كيف شعر حينما أهداه والده أول كتاب صغير بحجم 16 صفحة ليقرءاه  ، شاهدناه وهو يقف كل يوم منذ الصباح الباكر امام بقالة الشحاري لكي يقراء ورقة التقويم  اليومية ويحفظ الحكمة المكتوبة على ظهرها ! وتجولنا معه في أزقة وحارات الشيخ عثمان وهو يسترق السمع للاغاني المنبعثة من منازل الجيران ، وينصت لحكايات العجائز ويحفظ أغاني الماضي  .... الخ مما كان في تلك الليلة التي لاتنسى .

 

وأتذكر إنني كتبت في ذلك مقال بعنوان (الأستاذ عبدالله فاضل في حديث الذكريات ) نشر في صحيفة أكتوبر حينها ، وقد أعطيت نسخة منه للأخ سعيد عبدالله سعيد لنشره في كتاب التأبين  ، وعلى كل حال  مما أتذكره إنني سألت الأستاذ ليلتها بشأن تجربته في كتابة اليوميات والسيرة الذاتية؟  وكانت المفاجئة  حينما أجاب :  (بأنه لم يكن يحب الكتابة والنشر ولم يجرب تدوين اليوميات ) ، وربما يكون بذلك يسير على منهج سقراط في النظر والموقف من الكتابة والتدوين ، إذ كان سقراط وتلميذه أفلاطون ينعتا الكتابة ب ( الفورماكون ) بمعنى السم والترياق  بلغة أهل اليونان في ذلك الزمان بل ان سقراط ظل وفيا لموقفه الرافض للتدوين والكتابة بعدها مفسدة وخراب للذاكرة .

 

 في هذا السياق أوضح أفلاطون أوجه التناقض بين  وظيفة كل من الكتابة والكلام إلى كون الأولى غريبة عن النفس، فهي شيء طارئ وخارجي ومجرد اصطلاح تقني، فيما الكلام صادر عن النفس ذاتها باعتبارها مستوطنته الأصلية، فقدرته على التعبير عن الحقيقة، مبنية على قربه من مصدر الحقيقة. وبذلك فهو يحمل طابع الحيوية الذي تتصف به النفس، أما الكتابة فهي وسيلة جامدة وميتة، ولاتصافهما بالحياة والموت، فإنّ الكلام له القدرة على التواصل مع الآخرين، والتعبير عما في النفس من حقائق لأن الحياة حاضرة فيه ومنبثة في تضاعيفه، فيما الكتابة آلة ميتة ومنقطعة عن النفس. الكلام وحده القادر على تداول الحقيقة والتفاعل معها، أما الكتابة فعاجزة عن كل هذا لأسباب كامنة فيها، أنها شيء لا حياة فيه. وبهذا فهي عاجزة عن الإفصاح عمّا تدّعي حمله، وتنطوي عليه، في حين أنّ الكلام هو وسيلة الإفصاح عمّا يريد الإفصاح عنه .

 

 وحينما أتذكر الان المدى المثير للدهشة والاحترام الذي بدت عليه ذاكرة الأستاذ عبدالله فاضل تلك الليلة بما سرده علينا من وقائع وتفاصيل دقيقة  وبعيدة من الصعب حفظها وتذكرها ان لم يكن من المستحيل بالنسبة لشخص مثلي على اقل تقدير ! حينما أتذكر ذلك وبعد ان قراءة كتب الفرنسي جاك دريدا  الكتابة والاختلاف وصيدلية أفلاطون والجنولوجيا ، الكتابة ، وتعرفت على نظرة  أفلاطون السلبية إلى  الكتابة  والتدوين ومخاطرهما على الذاكرة وصحتها ، أدركت الان سر قوة ذاكرة الأستاذ الفاضل الراحل  عبدالله فاضل  وديمومة  حضورها واتقادها حتى أخر العمر وقد بلغ الثمانيين ، انه حسب قوله لم يكن يحب كتابة  اليوميات وتدوينها ، بل قال لم يكن يحب الكتابة والنشر بشكل عام  ومع ذلك ترك الكثير من الأعمال والنصوص الإبداعية  التي تستحق الجمع والفهرسة وإعادة النشر .  وماذا لو انه بثقافته ومواهبه وقدراته الإبداعية المتعددة كان يحب الكتابة  والنشر والتدوين ؟!

وإذا كانت جامعة عدن قد أحسنت صنعا في تأسيس مركز ترجمة ودراسات يحمل اسم الأستاذ عبدالله فاضل  بادرة الأستاذ د. مسعود عمشوش الذي بادر مشكورا إلى الاحتفاء بالذكرى السادسة لوفاته  فمن المهم ان يعطي المركز أهمية خاصة لجمع أعماله والبحث عن كل ما أبدعه في حياته نصوصا وشفاهة ، وخير وسيلة لتكريم الأسلاف تكمن في إبقاء الشعلة  التي أوقدوها متوهجة باستمرار . ألف نور ورحمة تغشاك أستاذ عبدالله