آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:27م

ملفات وتحقيقات


خطر التلوث الناتج عن صناعة الإسمنت في عدن

السبت - 19 يوليه 2014 - 07:43 م بتوقيت عدن

خطر التلوث الناتج عن صناعة الإسمنت في عدن
ادخنة مصانع الإسمنت

عدن ((عدن الغد)) خاص:

كتب / د. عبيد البري

 

أعلن يوم الجمعة 18 يوليو عن مشروع إنشاء مصنع للإسمنت على مساحة 60 ألف متر مربع من المساحة المخصصة للمنطقة الحرة في محافظة عدن ذات المساحة الصغيرة والكثافة السكانية العالية - بالمقارنة مع أخواتها من المحافظات المجاورة - رغم أن العادة جرت بأن مصانع الإسمنت تنشأ بالقرب من مصادر المواد الأولية – خاصة الحجر الجيري - لتخفيض كلفة نقل هذه المواد ، إلا أن اختيار موقع المشروع في عدن هو نذير شؤم جديد يضاف لسكان عدن الذين صاروا يجهلون مستقبلهم في كل جانب من جوانب الحياة .

 

وكون صناعة الإسمنت هي أكثر انتشاراً بين الصناعات الثقيلة الخطرة ، تتخوف العديد من المنظومات الدولية المختصة بشؤون البيئة من مخاطر التأثيرات البيئية والصحية الناتجة عن تلوث الهواء نتيجة تلك الصناعات ، خصوصا عندما تكون صناعة الإسمنت بالقرب من المناطق السكنية . لهذا وضعت الحكومات تعريفات خاصة بالعوامل الرئيسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند إعداد دراسة تقييم الأثر البيئي لمصانع الإسمنت بالإضافة إلى القوانين والإرشادات الخاصة بهذه الصناعة الخطرة . وتعتبر صناعة الإسمنت من أهم ملوثات البيئة خلال عملية التصنيع التي تمر بالمراحل التالية :

 

(1) تستخرج المواد الأولية - ذات الخواص القلوية - من المحجر ثم تنقل إلى المصنع بالشاحنات . ويعتبر مرور تلك الناقلات بما تحدثه من التزاحم في حركة السير في المدن وكذلك تناثر المواد من الشاحنات إلى الطرق أول الأضرار التي يمكن تجنبها بحظر إنشاء مصانع للإسمنت في المدن، (2) تطحن تلك المواد الأولية في أفران دوارة وتتحول إلى كلنكر، (3) تحرق المواد الأولية بعد طحنها باستعمال مشتقات النفط والفحم البترولي أو الوقود الكربوني، (4) تعبئة الإسمنت بالأكياس .

 

أنواع الملوثات الناتجة عن صناعة الإسمنت :

يختلف تأثير الملوثات على البيئة وحياة الإنسان والحيوان والنبات ، بالإضافة إلى تلوث مياه الآبار السطحية والعميقة ، وعلى المسطحات المائية، وعلى المباني والأدوات المعدنية وشبكات تصريف المياه ، تبعاً للاختلاف في خواص الملوثات وأنواعها :

 

(أ) ملوثات صلبة :

وهي عبارة عن الغبار المكون من الجزيئات والدقائق الصلبة التي تنتج عن  مراحل تنعيم المواد ونقلها ؛ بالإضافة إلى كميات الغبار المنطلقة من مداخن مصانع الإسمنت إلى الجو المحيط ، ويشكل الغبار المتطاير بعد عملية الحرق 70 - 80% من الغبار الناتج .

 

والغبار الناتج ينقسم إلى نوعين :

1- الغبار المتراكم : يتكون من ذرات ثقيلة تترسب في المناطق المجاورة لأماكن انبعاثها، وقد تؤثر على الجهاز التنفسي ، لكن تأثيرها الأكثر على العيون والمنشآت والأبنية والأشجار.

2- الغبار المعلق : يتكون من ذرات خفيفة تبقى معلقة في الهواء لفترات طويلة ، وهذا يسبب تلف كبير في الجهاز التنفسي (أمراض الربو والتهاب الشعب الهوائية والسعال المزمن) وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي ، بالإضافة إلى حساسية الجلد والعيون نتيجة ملامسة ذرات الغبار .

 

(ب) ملوثات غازية :

تنتج الغازات عن عمليات احتراق الوقود في الأفران . ومن أهم الغازات الناتجة  وتأثيراتها على البيئة هي :

1- غاز ثاني أكسيد الكربون : له تأثير رئيسي على المناخ حيث يؤدي إلى رفع حرارة الجو.

2- غاز ثاني أكسيد الكبريت : من أخطر ملوثات الهواء ، حيث يتحول إلى أحماض الكبريت . وبوجود الرطوبة العالية (كما هي في عدن) يؤدي إلى تشكيل معلقات ثانوية في الهواء تضر بالجهاز التنفسي  وتقلل من الرؤية .

3- أكاسيد النيتروجين : تضر بالجهاز التنفسي وتؤثر على الرؤية وتسبب حساسية جلدية.

4- غاز أول أكسيد الكربون : غاز شديد السمية على الإنسان والحيوان ، وتتراوح أعراض الإصابة به حسب تركيز الغاز في الهواء ما بين ألم في الرأس مع ضيق في الصدر وحرارة وقيء ، إلى خلل في الحركة واختناق وانخفاض الإحساس والإدراك ، أو يؤدي إلى الموت بعد ساعة من التعرض للغاز بتركيز 2ملغ/لتر ، أو بعد خمس دقائق عندما يكون التركيز 5ملغ/لتر .

(5) أكاسيد الكبريت : تؤثر في الحيوانات والنباتات والمباني , وذلك لأن الأمطار الحمضية تتسبب في  تآكل المعادن والحجر الجيري وغيرها من المواد . ويعتبر ثاني أكسيد الكبريت العامل الأكثر تأثيراً على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي  .

 

وبحسب دراسة أجريت لمعرفة تأثير مصنع للإسمنت في إحدى الدول العربية ، أمكن قياس معدل انبعاث بعض من تلك الغازات من مدخنة مصنع للإسمنت بالـ(كجم/ساعة) كالتالي : (أكاسيد النيتروجين = ٣٣٠٨٣٦.٣)، و(ثاني أكسيد الكبريت = ٣٢.١٩٢) و(ثاني أكسيد الكربون = ٩٣٤١٤.٢٨٨)، و(بخار ماء = ٣٦٦٢٢.٦٥)

 

(ج) التأثير البيئي الناتج عن النفايات السائلة :

1- قد يؤدي تراب الأفران إلى انسداد مواسير الصرف الصحي في حاله وصوله إليها.

2- تشكل الزيوت و مواد التشحيم  الناتجة من الجراجات و وورش العمل خطرا كبيرا في حاله تصريفها في شبكة الصرف الصحي ، حيث تلتصق بالمواسير فتؤدي إلى صعوبات في عمليات الصيانة .

3- إذا تم تصريف تلك النفايات في المسطحات المائية, فإنها تتعارض مع الحياة المائية في هذا المسطح المائي فتكون بقع زيتيه كبيرة تؤدي إلى تلوث كبير للبيئة المحيطة به .

 

(د) التلوث والتأثير البيئي بالضجيج :

وتتأثر البيئة المحيطة بمصانع الاسمنت بالضجيج الناتج عن العمليات التالية:

1- ضجيج تفجير الحجر الجيري الذي تصل نسبته إلى 80% من الخلطة الخام ، حيث يصدر ضجيج مرتفع يزعج القاطنين في المناطق القريبة من المصانع ، وتزداد الخطورة إذا ترافق ذلك مع وجود اهتزازات مؤثرة قد تحدث ضرر في المباني السكنية القريبة.

2- الضجيج المرتفع الصادر من المعدات والآلات المستخدمة لتكسير المواد الخام وطحنها.

و تتسبب الضوضاء المستمرة في ارتفاع ضغط الدم و التأثير على الجهاز العصبي , بالإضافة إلى العديد من المشاكل المتعلقة بالسمع و التركيز إذا تم التعرض لها لفترات طويلة .

 

هل يؤثر غبار مصنع الإسمنت على الساكنين على بعد 15 كم ؟ :

ذكرت دراسة تم إعدادها في إحدى الدول العربية عن  التأثيرات الصحية والتنفسية المزمنة على القاطنين في مناطق سكنية يفترض أنها لا تتعرض نهائيا لغبار مصنع إسمنت يبعد 15كم عن تلك المناطق . وخلصت نتيجة هذه الدراسة الميدانية إلى الآتي :

 

أن هناك (24) تجمعا سكنيا تتعرض لغبار معمل الاسمنت في أوقات وفترات زمنية متفاوتة ومتغيرة ، ويتعرض (16) تجمعا سكنيا لغبار الاسمنت حوالي 4 أشهر في السنة , بينما كان هناك (5) تجمعات تتعرض له معظم أيام السنة أي بين 5-9 أشهر ، و(3) تجمعات سكانية تتعرض لغبار الإسمنت طوال العام .

 

وقد بينت نتائج هذه العينات أن (17%) تعاني الربو القصبي و(28%) التهاب القصبات المزمن و(1%) التهاب القصبات المزمن الحاد و(1%) من نفاخ الرئة ، و(20%) نسبة انتشار التهاب القصبات المزمن وهناك (37%) من العينة يعانون السعال التحسسي من أغبرة الاسمنت ، أما (5%) المتبقية فتعاني السعال التحسسي الدائم ، وكان الربو القصبي عند النساء (25%) وعند الذكور (10%) أما التهاب القصبات المزمن عند النساء فكان (15%) و(40%) عند الذكور .

 

فلماذا التهاون بسكان عدن يا محافظ عدن ؟! ... هل هو استغلال لغياب القانون أم جهل وغياب التعريف بالعوامل الرئيسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار لتقييم الأثر البيئي لمصانع الإسمنت وتحديد الموضوعات التي تهم أجهزة الحكومة ؟! ... ترى من هي الجهة الإدارية المختصة بمصانع إنتاج الإسمنت التي تتسابق على عدن ومجاورها ؟! ... وإذا كان سكان محافظة عدن وأجزاء من محافظة لحج سيتعرضون لأخطار التلوث لا محالة إذا ما تم إنشاء مصنع الإسمنت ، فهل تعتقد قيادة محافظة عدن أنها وأقاربها في مأمن من خطر هذا التلوث ؟! .