آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-04:59م

ملفات وتحقيقات


(دفء الضمير ) :مسئول جنوبي يحكي عن ذكريات عتيقة في الاتحاد السوفيتي

الجمعة - 25 يوليه 2014 - 07:21 م بتوقيت عدن

(دفء الضمير ) :مسئول جنوبي يحكي عن ذكريات عتيقة في الاتحاد السوفيتي

المكلا ((عدن الغد)) خاص:

على صفحته بالفيس بوك كتب الاستاذ " عبدالعزيز بن عقيل" مدير عام الهيئة العامة للاثار بحضرموت مشاركة تحدث فيها عن موقف وقع له قبل عقود خلال دراسته في الاتحاد السوفيتي .

ولاهمية المشاركة تنشر "عدن الغد" نصها

حصل لي ذات يوم في روسيا البعيدة في نهاية السبعينيات -بداية الثمانينيات بمدينة كراسنادار (حيث كانت دراستي الجامعية)أن ذهبت في ليلة باردة شديدة الرياح القارسة التي تدخل الى كافة تجاويف العظام رغم أثواب البرد الثقيلة التي تغطي كل شئ حتى الأذان وأطراف الجسم؛الى دكان المأكولات لأشتري خبزا وبيضا وبطاطس وشئ من سمك معلّب لوجبة العشاء والفطور .

 

وكان معي مبلغ 3روبل وهو مبلغ كافٍ في ذلك الزمان وكان الوقت يقارب الساعة السابعة أو السابعة والنصف مساءا- وهو وقت خروج عمّال المصانع بأجسامهم الطويلة الثقيلة ووجوههم المتجهمة ودخولهم الدكان هذا لشراء بنت الكروم التي لايبدلون عنها بدلا لدفن آلامهم وأتعابهم في سائلها السحري.

 

دخلت الدكان مع الداخلين ومسكت دورا في هذا الطابور البشري المتلوي تلوي ثعبان ضخم من أدغال أفريقيا.

 

وعندما وصلت للبائعة وهي امرأة ممتلئة في أربعينيات عمرها تقريبا ذات صوت غضوب (كعادة الجنس السلافي-الذي لايعني الصوت الغاضب لديهم شيئا سيئا ).

سألتني بجفاف-كما تسأل الجميع - ماذا تريد؟...فأخبرتها ان المُراد خبزا وكم حبات بيض وسمكا (مع همهمات الرجال المستعجلين من خلفي الذين لاينطقون الاّ بكلمة واحدة عند السؤال :فودكا -بل لاتسألهم وانما مباشرة تكتب على ورقة السعر :سعر قارورة الفودكا وأسمها -فلديها من الخبرة بالنظر الى الوجوه والوقت ماهو مطلب هؤلاء القوم ) .

كَتبَتْ ما أُريد على بطاقة صغيرة لأستلمه من قسم آخر من أقسام الدكان الكبير نسبيا .وأعطيتها مبلغ الثلاثة روبلات . وهنا كانت المفاجأة -فقد ظنت انني أعطيتها 25روبلا ...فاعطتني البطاقة مسجلة عليها كل طلباتي إضافة الى 22روبلا وبضعة كوبيكات الباقي لي كما ظنّت ..توقّفت قليلا -وهذه شهادة لله وضميري محتار بين الأخذ أو التوضيح لها - ولكن التيهور البشري خلفي امرني أن أذهب لحال سبيلي وان لا أتوقف فهم بعجلة من أمرهم والدكان سيغلق بعد فترة .

وحتى المراة المحاسبة تضامنت معهم . فوجدت نفسي الأمّارة بالسوء تبريرا :آه ...جاءت منهم ،ولم يتروكوا لي فرصة حتى للتوضيح ،والمرأة المحاسبة الطيبة وقفت مع بني قومها ....وهم في النهاية يابن عقيل نصارى أو شيوعيين .والاثنا وعشرون روبلا جاءتك من السماء هدية .

 

أخذت محتاجاتي من الاقسام التي تبيع الخبز والبيض والبطاطس وخرجت -ولا أنكر مسرورا بعض الشئ-,. لم يكن يفصل بين الدكان والمبنى الطلّابي الكبير المكوّن من 14طابقا تقريبا سوى فضاء واسع تقطعه في حوالي نصف ساعة على الأقدام وكانت الريح برودة عاصفة هائلة تجمّد الأطراف كلّها .

 

ولمّا بلغت نصف الطريق صحى الضمير الحي تسانده النفس الخيرة :...المال الذي تحمله في جيبك ليس لك ...والمرأة المسكينة تعمل من الصباح الى المساء ...ويمكن ان تكون تعيل عائلة ...والمبلغ يقارب ربع راتبها والمسؤلين عنها قد يطردونها من العمل فتجد نفسها في الشارع ..............وهي في النهاية أنسان :قم أعد المبلغ -فهو ليس لك !!! ولم أشعر الاّ واقدامي تُعيدني الى الدكان أياه .

 

 وامسكت بباقي المبلغ وتقدّمت اليها مباشرة -بدون طابور- فإذا هي تصرخ :امسك الطابور مثل الناس ؛وانبرى لي ثلّة من العمال السكارى الأجلاف واحاطوا بي في شبه حلقه .

ولكنني كنت ثابت الجنان وأوضحت لها موجها الكلام اليها بأنّها غلطت وان هذا المبلغ الكبير ليس لي وانما سلمتها 3روبل فقط فلتتفضلي بأخذ المبلغ . هنا أنفض المحيطون بي .

 

 وتوحّز الطابور البشري تاركا لي فراغ 3 أفراد .وران صمت مطبق ...وسكتت الأصوات . وفتحت هي درج المبالغ لتتأكد . وتأكدت فعلا أنها كانت الغلطانه .فخرجت من موضعها العالي من بين الزجاج لتحتضني وتقبلني ودموعها تجري ......وسمعت من خلفي اصوات إستحسان تقول .......هذا أنسان :ولاتزال هذه الكلمة ترن في مسمعي الى اليوم .

 

وتقدّم اولئك الاجلاف الذين كانوا قد احتلقوا بي غضبا ،تقدموا يحضنونني ويعتذرون ,,,,,وآخرون يصفقون . وخرجت خفبفا مرتاحا كروح تريد ان تطير ولم أشعر بالزمهرير أبدا ...........نعم لم أشعر به أطلاقا .فقد كان دفء الضمير أقوى من كل العواصف والزمهرير.