آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-06:59ص

أدب وثقافة


ادباء عراقيون يحاكون قول المتنبي "عيد... بأية حال عدت يا عيد"!

الأربعاء - 30 يوليه 2014 - 08:02 ص بتوقيت عدن

ادباء عراقيون يحاكون قول المتنبي "عيد... بأية حال عدت يا عيد"!
1

بغداد ((عدن الغد)) إيلاف

حاول عدد من ادباء العراق رسم مشاعرهم حول ما قاله ابو الطيب المتنبي (عيد.. بأية حال عدت يا عيد) ومطابقته على الواقع العراقي المزدحم بالتأوهات والازمات والعذابات وقد استحى الكثيرون ان يرتدوا ملابس العيد.

 

يهلّ هلال عيد الفطر المبارك والعراق يعيش اوضاعا لا تسر احدا من ابنائه، ينزّ من جنبات قلبه الوجع وتتطاير الآهات من أرجائه فيما الانفس مكلومة وتحاول ان تجد لها مكانا آمنا تلوذ به وتحتضن الفرح الغائب، ولكن لا جديد تحت الشمس العراقية، فهنالك احزان تتراكم وآلام تتكاثر ودموع تنهمر من اعين يحاول الضيم ان يغمضها بالوجع قسرا، وازاء هذا يستحضر الناس ما قاله الشاعر ابو الطيب المتنبي قبل اكثر من الف عام (عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ, بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ)، يرددونه في لقاءاتهم وازاء كل جملة ترد فيها كلمة (العيد) ويحاولون الغور في اعماقه بحثا عما في الحسرة هذه او التساؤل هذا.

 

هنا.. طلبنا من عدد من ادباء العراق محاكاة بيت المتنبي ورسم ما يجيش في نفوسهم عنه، وقد ادلى كل واحد منهم بما يراه مناسبا.

 

رشا فاضل: عيد المخيمات العارية

فقد اعربت الكاتبة والروائية رشا فاضل، وقالت: وجه الهلال المطفأ فوق سماء بيتي ينتظرني ان اشعله بالأمنيات ورائحة ( الكليجة ) حلوى العيد المقدسة ككل عيد، وانا الشاخصة تحت سماء غريبة، اناجي القمر لكي يطمئنني ان بيتي بخير وان بابي مؤصدة بوجه (الكلاب السائبة)، وان الشمس تشرق كل يوم غير آبهة بمطر الصواريخ العمياء..

 

واضافت: ان ورداتي التي سقيتها وانتظرتها بصبر ام لم تذبل على سياج الانتظار..، ان جيراني لازالوا يضحكون ويتشاجرون ويشترون ثياب العيد..، وأن العيد لم يعد ذكرى شاحبة معلقة على جدران الذاكرة التي تردد كلما مر ذكره وعطره ( عيد بأية حال عدت ياعيد ).. هل كان المتنبي يتحدث عن عيده أم عن أعيادنا المتناثرة في قلب المدن الغريبة والمخيمات العارية والوجوه الشاخصة نحو كبد السماء بحزن عراقي مهيب.

 

حسين القاصد: يأس العراقيين من الاعياد

اما الشاعر الدكتور حسين القاصد فقد تمنى ان يكسر العيد افق ظن المتنبي، وقال: هو سؤال وجهه المتنبي وحذف أداة الاستفهام.. ربما لعلمه ان السؤال لايفضي الى جواب، اما فيما يخص واقعنا، وعلى قول الامام علي عليه السلام: من تشابه يوماه مغبون.. فكيف بمن تشابه عيداه؟، وليتهما تشابها، فالعراقيون لشدة قلقهم على نصف ابتسامة يخشون ضريبتها، فيقولون اللهم اجعلها ضحكة خير!!

 

 واضاف: نعم، ليت العيد جاء بما مضى وكسر افق ظن المتنبي.. فنحن صرنا نخشى على اسوأ حال خوفا من الاسوأ منه، ليس لنا في العيد الا الامنيات، لقد كنا نقول: تحقيق الاماني، والان نقول: تحقيق الأمان (من دون ياء) فأية حياة هذه التي يكون فيها الأمان امنية؟، ولأنها تهنئة فحسب، اقول: عسى ان يعود على البلد والعراق آمن وموحد من شر كل الاشرار.

 

 وتابع: بيت المتنبي يؤشر يأس العراقيين من الاعياد.. لأنه سؤال يعرف جوابه، والجواب في البيت الثاني اذ يقول: اما الاحبة فالبيداء دونهم.. فليتك دونك بيد دونها بيد، انه لايريد العيد لأن العيد هو انت تعود احبتك، والاسم مشتق من ان تعود احبتك ومثله اشتقت كلمة عيادة الطبيب فالمريض يعود الطبيب ليشفى،والانسان مريض بغربته عن احبته والعيد ان يجتمعوا لكن مايفصله عنهم صحارى بحسب قول المتنبي ومايفصلنا عنهم بحسب وضعنا الحالي هو جيوش من الرصاص المارق وتجار الحروب.

 

 جواد كاظم غلوم: الفرج اللا يأتي

 فيما اشار الشاعر جواد كاظم غلوم الى اليأس من الفرج الذي لا يأتي، وقال: استفهام المتنبي الانكاري مليء بالتعجب والغرابة، حيرة الانسان وحزنه وغربته حتى في اجمل ايام الله وهي الاعياد حيث لا أحبّة جواره والمسافات ابعد من ان تقطع واللقاء الجميل امّحى فصار القطع بدلا من الوصل، وكيف نعبر بيداء الفراق وامامنا الكثير من المطبّات والعثرات الجسام ويبدو ان طريقنا أخذ يطول ويطول وليس امامنا سوى اليأس من فرج لا يأتي الاّ في المخيلة

 

ايناس البدران: اوارب بابي

من جهتها اكدت القاصة ايناس البدران انها تجد نفسها امام خيار مواربة الباب بوجه الفرح، وقالت: حين تتناسل الجدران وتتساقط حبات العمر الى غير رجعة في رحيل متتابع يمتد بظله فوق زوايا العقل فيسكن بحدقات العيون ليصبغها بخضاب الدم، ويغيّب وجوها لونت ايامنا ذات يوم بطيف قوس قزح.. اجدني امام خيار ان اوارب بابي بوجه الفرح وأعتذر عن استقبال العيد عسى ان يطرق بابنا بعد حين.

 

 جليل خزعل: سؤال يشبه اللعنة

اما الشاعر جليل خزعل، فقد اشار صدق المتنبي، فقال: لا أجد تفسيراً يرقى إلى هذا البيت الذي يهز الوجدان إلّا بيت المتنبي الخالد ذاته:

بمَ التعللُ لا أهلٌ ولا وطنُ

ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ

 كأنَّ المتنبي العظيم يعيش بيننا اليوم، وهذا سر خلود الشعراء الكبار من أمثاله، شاعر شاهد ليس على عصره حسب، بل على جميع العصور.

 

واضاف: عيد بأية حال عدتَ يا عيد؟، يا له من سؤال يشبه اللعنة، الأحبة بعيدون، والوطن ممزق، والخيبات تحاصر الأرواح وتخنقها، أي عيد هذا الذي يصادر فرح الأطفال، ويلون صباحاتهم بألوان الدم والدخان؟ لا نوافذ، لا حمام، لا بالونات، لا أراجيح، لا مواعيد، لا عاشقين، لقد صدق المتنبي العظيم إنها البيد التي دونها البيد إذن، إنه الخراب، والجفاف الذي يسرق الندى، إنه الظلام، بل هي الظلمات التي ترهب الشموس، وتفجر قبور أنبياء النور والسلام والمحبة.

 

شوقي كريم حسن: عيد الغيابات والسواد

الى ذلك اشار الروائي شوقي كريم الى اننا لانصلح لان نكون في خضم الفرح والابتهاج، وقال العيد.. هو الابتهاج، والابتهاج يعني ان تمتلئ النفوس بالمودة والرحمة والنقاء، ومعرفة ابتهاجات الاخر والعمل من اجل التلاحم واللقاءات معها، ولأنه اغتسال في بحور الفرح فلابد من امل يدفعنا جميعا للتشبث بثياب هذا الحدث الانساني الجميل ليس ثمة في الشعوب التي تعتمر هذه الارض وتعمرها من لا يجد ولا يخلق له اعيادا ومناسبات للفرح وكسر متاعب الحياة وبناء اسس اجتماعية جديدة، لكن الاعياد عندنا ومنذ قرون طويلة تحولت الى سوادات وغياب احوال وظهور احوال اخرى غريبة.

 

 واضاف: العيد عندنا هو البساطة والسذاجة نفسها ثياب بلون الفقر واراجيح اليتيمة والمأكولات التي لا تضيف للعيد سوى لقاءات باهته لهذا اجد المتنبي قد وقف على علة نفسية اجتماعية وهو يجد ان تكرار الايام والاعياد انما هو فعل غياب العقل التجديدي الباهر اننا لانصلح لان نكون في خضم الفرح والابتهاج، فالموت والغيابات والسواد هو ملاذنا الامن.

 

فهد الصكر: غادرتنا الافراح

اما الفنان التشكيلي فهد الصكر فقد اكد انه يرى الوانا قاتمة، وقال: كيف يمكن ان ترسم ما قاله المتنبي (عيد بأية حال عدت يا عيد) على واقعنا العراقي، ارسم بالكلمات ما يمكن ان ترسمه بالألوان، "حين أنظر إلى يوميات أية آسرة عراقية، ومن أية طائفة، سأجد الوان قاتمة تحلق في فضاءات يومياتها، لا ثمة فرح يرتسم على حدقات اطفالهم، ولا ثمة الوان مبهجة تؤشر الملبس الجديد.

 

واضاف: قد تسألني وقد أشارت الواني إلى بصمة الحزن في متنها الحكائي، لتصرخ فرشاتي بعويل الآسر النازحة من أحضان ذكرياتها، ووجع معاناتها، وآنين صورها التي دونت تراتب الإيام بفرحها ونجاحها وصراخ الحياة في مواليدها، أذن كيف أدون كل ما يجري من ويلات أصابت حتى مهد الطفولة وقد كان في زمن حروب مضت بعيدا عن ضجيج الحرب والاقتتال بين أمة كتب عليها أن لا تهدأ أبدا، لذا أردد وقد طرق العيد ابوابنا " بأي حال عدت " وقد غادرتنا الافراح.

 

الشاعر خالد الحسن: فالبيداءُ دونهمُ!!

من جانبه اكد الشاعر خالد الحسن ان نبوءة المتنبي ما زالت تتحقق، فقال:

 عيدٌ.. بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

    بمَا مَضَى.. أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

هكذا تتحقق نبوءة المتنبي بهذا البيت يوماً بعد يوم , العيدُ الذي يأتي للمتنبي مثل العيد الذي يأتي على شعراء العراق المعاصرين لذا هم يتساءلون عن سبب مقدم العيد , ولو أكملنا البيت الثاني من نص المتنبي: أما الأحبة فالبيداءُ دونهمُ.... الخ، فهو أيضا مرتبط بنا وبه أكاد اجزم إن المتنبي كتب هذه الأبيات على دولة مستقبلية تدعى العراق عام 2014

واضاف: بصورة عامة نحن أمام جرح متكرر في الضمير العربي لذا قد تتشابه الأبيات والحكم بل وحتى الأحداث و أخيراً أقول لهذا الضيف الذي حلَّ علينا " عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ "، المتنبي يعترض وجوديا على التكرار .. ولديه موقف من الزمن لأن يقطف المستقبل .. وواقعنا ايضا هو الآخر قد ملَّ التكرار حيث اصبح عادةً تتخلى عن اصلها وتأصيلها.

 

سمرقند الجابري: اصنع قوسا قزحيا

فيما اشارت الشاعرة سمرقند الجابري الى انها تحاول رسم قوس قزح للفرح، وقالت: ان الصراع قائم بأشد وجوهه في بلدي بين الموت والحياة، لو فكرنا بمن يقتل سنقول علينا ان نحترم هذا الموت ولا نحتفل بالعيد، ولو نظرنا الى اطفالنا الصغار الذين لا ذنب لهم بهذه الحروب التي هي من صنع من لا يعرف السلام سنقول وما ذنبهم نكبلهم بقيود حرب هي في كل حال بانتظارهم.

 

 واضافت: لذا ففي كل عيد لا بد لي ان ابعد شبح الحزن عن صغارنا، اصنع اكبر كمية من الفرح لاضخها اليهم، ولا اعتذر من المتنبي في بيت شعره الذي يندب العيد معاتبا، ولي الاجر باني اصنع قوسا قزحيا من الفرح ليعبروا من فوق الموت الى مدينة الالعاب.

 

صلاح حسن: لماذا تتكرر هذه المآسي

اما الشاعر صلاح حسن فذهب الى التساؤل بعيدا عن المتنبي، وقال: تكرار الماسي بطريقة تكاد تكون متشابهة تماما تستدعي التفكير، لماذا تتكرر هذه الماسي بهذه الطريقة دون ان يكون للناس اي دور في تحليلها وايقافها على الصعيد السياسي والاجتماعي والنفسي.

 

واضاف: ما هو دور قوى المجتمع المختلفة في هذه القضية ومن يتحمل المسؤولية في ذلك؟،النتيجة المنطقية هي شلل المجتمع قاطبة وفقدان دوره في هذا المجال وافتقاد دور النخبة الغائبة.

 

 ‏سعاد حسن العتابي‏: أيّ عيد هذا؟

‏ وقالت الشاعرة سعاد حسن العتابي: بأي ثوبٍ عدْت ياعيــد؟، وأطفال أُمّتي ارتدتْ أكفانا مزخرفة بألوان الشهادة تاركين من ورائهم صدى ضحكاتهم ودمى يتيمة تحت أنقاض الغدر تستنجدُ الأيادي لتتلقّفها وتزيل غبار الموت عنها.

 

 واضافت: أيّ عيد هذا وقد ازدحمت فيه حناجرنا بالغصات، واهزوجة الفرح مهزومة مخنوقة العبرات؟ ما بال هذا القدر حَكمَ علينا بإقامة حدّ الحزن مؤبدًا رافض كل استئناف من دموع الثكالى ومن براءة طفل يدعو أخاه الموْءُود أن يعود للّعب معه ويملؤوا الساحة بالحياة؛ فعدْ بأدراجك أيــّها المخذول، وخذ طريقا إلى من تجــد موطئا للفرح عندهم، فنحن قوم، الفرح على أرضـه أكذوبة؛ فبتْنا نردّد عباراتِ التهنئة لنصدّقها ولننسى خيباتنا لكن هيهااااااات.. والجــرح يـــنزفُ.

 

ياس السعيدي: الحياة لحية قاتل!!

مسك الختام مع الشاعر ياس السعيدي الذي اكد انه لا بد من الاستمرار رغم تكرار (بأية حال) التي قالها المتنبي، وقال: يبدو ان متلازمة (بأية حال..) لا تريد ان تترك هذه الارض.. لكن الى هذه اللحظة ورغم كل ما حدث في العراق وسيحدث اقول ما زلت ميالا للحياة بكل رونقها المذبوح.. يا صديقي لا خيار امامنا سوى حلق ذقوننا وشراء الجديد لأطفالنا.

 

واضاف: اللحظة التي نصدق فيها ان الحياة لحية قاتل هي لحظة الانكسار الحقيقية، الحياة خصر امرأة يرفض الرقص على لحن تعزفه السكاكين، نعم يا صديقي فقدنا الكثير وربما ولا اخفيك سرا قد نفقد الاكثر لكن الحياة هي الحياة بكل فخاخها وجمالها الساحر ولا بد لنا من الاستمرار.