آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:19ص

ملفات وتحقيقات


عثرات الثورات العربية : اليمن بمواجهة إعادة تشكّل النظام القديم

السبت - 02 أغسطس 2014 - 09:12 ص بتوقيت عدن

عثرات الثورات العربية : اليمن بمواجهة إعادة تشكّل النظام القديم
اليمن بمواجهة إعادة تشكّل النظام القديم

((عدن الغد)) العربي الجديد :

مرّت الثورات العربية، منذ انطلاقتها، بكثير من التحديات. خرجت عن مسارها، أو بشكل أدق، عمّا كان يحلم به مشعلوها. ترافق ذلك مع طغيان حالات من الانكار للعراقيل التي تواجه الثورات. شكلت حالات الانكار مقاومة أمام الاعتراف بأن ما يصبو إليه الثوار يتعثّر أولاً ويحتاج إلى تصحيح ثانياً.

 

استدعى كسر حالات الانكار هذه، في بعض الأحيان، تحوّلاً كبيراً في المشهد داخل بلدان "الربيع العربي"، أو صدمة يصبح معها أي تشكيك غير ممكن؛ في سورية، جرت عسكرة الثورة تحت وطأة وحشية نظام لم يرحم معارضيه. دخلت إليها أطراف غير سورية لا تزال الى اليوم تعمل للقضاء عليها عبر تقمّص دور النظام، إنما بلباس المعارضة. ظل الثوار في سورية ينكرون ذلك حتى تحولوا إلى مجرد جزء صغير من المشهد وضحايا لممارسات الدخلاء. عندها تلاشى أي إنكار وتم الاعتراف بخطورة ما طرأ بشكل متأخر. هو التأخر الذي يجعل من عملية التصويب اليوم أصعب وأكثر كلفة.

 

بلد عربي آخر وقع في الفخ نفسه؛ في اليمن، تكرر المشهد، وإن اتّخذ ظروفاً مغايرة. منذ الانشقاقات العسكرية والقبلية التي أعلنت في عام 2011، وتحديداً عقب "مجزرة الكرامة"،

 

خرجت تحذيرات من أن رموز نظام علي عبد الله صالح لم تقفز من مركبه الغارق إلا لأنها تبحث عن موطئ قدم لها في المرحلة المقبلة، وتريد تقليل حجم الخسائر التي ستلحق بمصالحها السياسية والاقتصادية بفعل الواقع الجديد الذي يتشكل. علت الأصوات في حينه من أن أي محاولة للمضيّ قدماً في الثورة تتطلّب توخي الحذر في التعامل مع الوافدين الجدد وعدم منحهم دوراً رئيسياً.

 

جرى التغافل عن هذه التحذيرات تماماً، مثلما جرى تجاهل مخاطر السيطرة على قرارات الساحات من مجموعات حزبية محددة.

 

لم يتأخر اليمنيون في دفع ثمن ذلك، بعدما فرض العسكريون المنشقون، والأحزاب السياسية، وصايتهم على الثورة، وتحديداً في صنعاء. وسرعان ما تحولت الساحات إلى سجن للثوار، وخصوصاً بعدما طرحت المبادرة الخليجية، وطالت المفاوضات حولها لأشهر إلى أن جرت محاولة اغتيال صالح، ودفعت بالمبادرة لتشق طريقها إلى التطبيق بحجة ضمان الانتقال السياسي الآمن في اليمن.

 

استكملت المبادرة تحويل الثورة الشبابية إلى مجرد "أزمة سياسية"، لخصّتها بوجود رئيس يواجه معارضة سياسية لا ثورة شعبية. هكذا، جعلت المبادرة من صالح، الذي كان مئات الآلاف يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بتنحيه، "رئيساً سابقاً" محصّناً من أي ملاحقة سياسية أو قانونية مقابل تخلّيه عن كرسي الرئاسة الأولى فقط. كما حولت المبادرة خصومه السياسيين (أطراف تكتل اللقاء المشترك) إلى شركاء في الحكم، بات شغلهم الشاغل مزاحمة حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم سابقاً) على المناصب في الوزارات والدوائر الحكومية.

 

في المقابل، لم تحقق المبادرة أياً من مطالب الثورة التي هدفت أولاً وأخيراً إلى تغيير النظام، وليس استبدال رأسه فقط، وضمان مستقبل أفضل لليمنيين.

 

كشفت هرولة السياسيين الى توقيع المبادرة، من دون الضغط الجدي من أجل تعديلها لضمان أهداف الثورة، أنّ قادة المعارضة لم يكونوا يطمحون إلى أكثر من تصفية حسابات مع صالح وبعض من أركان نظامه.

 

كانوا يريدون إضعافه ليتمكنوا من خوض معركتهم معه من موقع متكافئ، لا من موقع يمتلك فيه صالح الأفضلية. أما عدم قدرة الثوار، الذين أمضوا أيامهم في الساحات يهتفون للتغيير، على إدخال أي تعديلات على المشهد، فلم تكن سوى شاهد إضافي على محدودية دورهم، وهو السيناريو الذي تواصل في مؤتمر الحوار.

 

تم الترويج للحوار الوطني على أنه سيكون مقدمة لانتقال اليمن إلى وضع أفضل. لكن المؤتمر شهد اصطفاف معظم وجوه النظام القديم/ الجديد لضمان أن المخرجات لن تنطوي على أي تغييرات جذرية تهدد مصالحهم. وانعكس ذلك على وجه التحديد في ما يتعلق بالمخرجات المتعلقة بالتقسيم الفيدرالي لليمن، والقضية الجنوبية، وملفات المحاسبة عن جرائم الماضي والفساد.

 

رغم ذلك، ظلت حالة إنكار الفشل المتراكم في إحداث تغيير جذري، مسيطرة لدى البعض من شباب الثورة. لكن المشهد تبدّل في الأيام الأخيرة رأساً على عقب على وقع تداعيات ما جرى في عمران لجهة تقدم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في مقابل خسارة حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين)، وجناحه المؤيد داخل الجيش، أي اللواء 301 مدرع، وقائده حميد القشيبي، الذي خاض المعارك ضد الحوثيين، قبل أن تجري تصفيته جسدياً. هي الخسارة التي انسحبت على المستشار الرئاسي القوي، الجنرال علي محسن الأحمر، الذي يعدّ أبرز داعمي القشيبي.

 

لم تمضِ أيام على هزيمة "الاصلاح" والأحمر، حتى بدأت تصدر مؤشرات عن ضرورة المصالحة بين أركان النظام القديم، وتحديداً حزب المؤتمر وصالح والأحمر، أو ما يُعرف بالأطراف الأقوى في تحالف حرب العام 1994.

 

قلّل البعض من أهمية هذه المؤشرات، وفضّلوا وضعها في خانة التهويل لا أكثر، لكن كل ذلك لم يعد يجدي. قبل أيام، وتحديداً خلال صلاة عيد الفطر، كان المشهد واضحاً لا لبس فيه: الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في الوسط، وإلى جواره رئيس حزب المؤتمر، علي صالح من جهة، ومن الجهة الثانية الجنرال علي محسن الأحمر، يجلسون سوية في مسجد "الصالح". أعداء الأمس القريب عادوا إلى التواصل، وإنْ على مضض.

 

حاول البعض الالتفاف على ما يجري بالإشارة إلى أن صالح رفض مصافحة علي محسن الأحمر. لكن الأدق أن رفض المصافحة لم يكن يعني أن عودة التحالف ليست في طريقها إلى التحقق، بل إن هناك بعض العراقيل التي يجب تذليلها، لكن كان المطلوب أن يظهر هذا الثنائي (صالح والأحمر) سويّاً على الملأ لإيصال رسالة واضحة عن بدء عودة تشكل التحالف القديم، وإن بصيغة جديدة.

التساؤل عن هوية الطرف الذي يريد إيصال هذه الرسالة، والذي يستطيع إجبار العدوَّين اللدودَين على الجلوس سويةً في مكان واحد، لا يطول، وخصوصاً عند معرفة أن مبعوثاً سعودياً كان في اليمن قبل العيد بأيام وأجرى، بحسب ما تسرّب من أخبار، سلسلة مشاورات مع أركان النظام القديم الذين تفرّقوا للمّ شملهم والوقوف سويةً في وجه الحوثيين.

هذه الجزئية، تحيل إلى نقطة لا تقل خطورة في مسار الثورات العربية، وهي أن قرار وأد الثورات، وخصوصاً في اليمن، على غرار دول أخرى مثل البحرين أو حتى مصر، لم يكن قراراً محلياً فقط، بل أدت بعض الدول العربية دوراً رئيسياً فيه، عبر أدواتها أو وكلائها.