آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:36ص

فن


النوادر الفنية فرقة صنعتها الظروف لتساعد الجميع

الأربعاء - 20 أغسطس 2014 - 03:24 م بتوقيت عدن

النوادر الفنية فرقة صنعتها الظروف لتساعد الجميع

((عدن الغد)) خاص:

كتب / عبدالرزاق العزعزي

 

تحولت فرقة فنية يمنية من مهمة تثقيف الناس إلى ندائهم بكل معاني القبيلة والرجولة والإنسانية، احترفت عن مسارها الفني ومدت يديها إلى الناس كمحاولة منها لإعادة الحياة إلى اليمن ووقف مسلسل التفكك المجتمعي الذي نشهده الآن.

 

اتجهت بكل صعوبة نحو تثقيف جمهورها في مهرجانها الذي تنظمه كل عيد تحت اسم "مهرجان أعيادنا غير" في مسرح أعيادنا غير الكائن بحديقة السبعين بصنعاء وذلك على مدار ستة أيام من أيام عيد الفطر المنصرم؛ واتجهت أيضاً نحو تعبئتهم بالمفاهيم المجتمعية الصحيحة والعادات والسلوك الإيجابي والمعلومات الخاصة بالحقوق الإنسانية والقانونية والحريات الواجبة وأيضاً الواجبات المفروضة.

 

مسلسل متكامل من المعرفة قامت بتقديمه بعمل فني احترافي ومتعدد، وجهت خلاله الرسائل والأفكار في أشكال مختلفة؛ تارة عبر الاسكتشات وأخرى عبر حوارات تجريها مع فنانين ومهتمين وتفتح خلالها نافذة تواصل بينهم وبين الجمهور، وتارة أخرى عبر توجيه أسئلة توعية بسيطة للجمهور وحلها في أغلب الأحيان؛ بغرض توزيع جوائز الشركات الراعية للحفل.

 

هذا الاهتمام الذي تظهره الفرقة ليست ملزمة به من أي داعم للمهرجان أو أي طرف آخر، ولكن أعضاء اللجنة التحضيرية للمهرجانات في الفرقة يرون أنهم ملزمون بتقديم هذا، والتزامهم هنا أخلاقي تجاه أنفسهم ووطني تجاه مجتمعهم وإلزامي تجاه عقيدتهم الإنسانية.

 

إنها فرقة النوادر الفنية التي قالت: عاصمتنا بلا أشجار إذن عاصمتنا بلا حياة، هذه هي المعادلة الناتجة عن كون الحياة هي شجرة. ونادت الحاضرين في مهرجانها: وننادي الحاضرين بأن يهتموا بالأشجار وزراعتها فبالتأكيد لو أن كل واحد هنا قام بزراعة شجرة أمام بيته سيشكل هذا منظراً جميلاً للمنزل والحي الذي يسكن فيه، وسنرى أن كل سكان العاصمة يزرعون الأشجار أمام بيوتهم وستتحول العاصمة لغابة تكسوها الأشجار، حينها سنجد ملاجئ لنا من شمس الظهيرة التي تحرق رؤوسنا كل يوم.

 

كان ذلك أثناء ما خصصت يوماً خاصاً لمناقشة فوائد الأشجار على المجتمع والفرد والمنظر الجمالي العام للمدينة، وإضافة إلى هذه المناقشة تم مناقشة خمس قضايا أخرى تعد مصيرية للناس وهي آلية دعم مخرجات الحوار الوطني، تسريب الامتحانات وخطرها على مستقبل التعليم، الطائفية كخطر يهدد اليمن، الفن بين الإهمال الحكومي والرفض المجتمعي والمواطنة المتساوية.

 

مواطنة متساوية:

اليوم الخاص بالمواطنة المتساوية كان يوماً قاسياً على أعضاء اللجنة التحضيرية للمهرجانات بالإضافة إلى اليوم الخاص بالفن وما يتعرض له من اهمال حكومي ومجتمعي، بيد أن الأول كان قاسياً للغاية عليهم فقد قرروا في مهرجانهم الأخير أنهم حينما يتحدثون عن اليمن "يبتسمون" وينطقون الكلمة بكل حب وتقدير لما تحويه هذه الكلمة من أصل وتاريخ لكل شخص ولكونها تحتضنهم حتى في أكثر الظروف قسوة عليها.

 

كانوا قد قرروا أنهم يتحدثون عن كل ما فيها من جمال، ويتخيلونها بشكل أجمل بكل براءة ومصداقية، ولكن اليوم الخاص بالمواطنة المتساوية فرض واقعه تماماً بعيداً عن كل المشاعر، وبكل ألم قالت: لماذا وصلنا إلى مرحلة أن يكون انتماءنا للقبيلة والشيخ والجماعة أكثر من انتمائنا لليمن، لماذا لم يتم تفعيل بنود المواطنة المتساوية على أرض الواقع، فحين يكون طالب الخدمة غير معروف ولا يملك ركبة أو ظهر فإن التعامل معه يكون عادياً للغاية، وأحيانا لا يتم التعامل معه أصلاً، ولكن على العكس تماماً حينما يكون طالب الخدمة يملك واسطة، وهذا بحد ذاته مخالفة للدستور اليمني الذي نص على الحقوق المتساوية، ومخالفة للقوانين اليمنية والأعراف الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

 

ورغماً عنها قالت إن السبب هو تدني الوعي لدى المواطن بحقوقه بالإضافة إلى خوفه وتغاضيه عما يصيبه من قبل موظفي الدولة الذي يفترض بهم خدمتنا، فهم يتسلمون رواتب عن خدماتهم لذلك فمن الواجب عليهم خدمتكم ومن حق أي مواطن أن يحصل على حقوقه المختلفة.

 

وقالت: حقوق وحريات أي يجب أولاً أن تحصل على حقوقك ومن ثم يتوجب عليك تقديم واجباتك، ولكن في اليمن، لكل مواطن واجبات يقوم بتقديمها ولكن حقوقه مكفولة دستوريا وقانونياً ولكنها غير مطبقة على أرض الواقع، الغريب إن الواجبات هي فقط ما نقوم بتقديمه، ولكن حقوقنا لا نحصل عليها، وهذه الثقافة الاستغلالية امتدت حتى وصلت لكل شيء، حتى إنك إذا أردت أن تستأجر بيت -مثلاً- ستجد أن كل النقاط المتواجدة في عقد الايجار لصالح المؤجر، ستجد كل النقاط تتحدث عن واجباتك وعن حقوق صاحب البيت، لكنك لن تجد حقوقك مكفولة، وهذا ناتج بسبب تدني الوعي لدينا بحقوقنا الإنسانية واليمنية.

 

بالتأكيد كان يوماً صعباً ولا يختلف تماماً عن اليوم الذي تتحدث فيه عن نفسك، مشاكلك، همومك كمواطن مدعوس حكومياً وتجارياً وقبلياً وأيضاً دينياً، والأكثر صعوبة حين تتحدث عن ابداعك الذي تعرفه ويعرفه الجميع ولكن لا أحد يهتم بك إلا بعد أن تموت، حينما تكون بغير حاجة لهم، هذا الإحساس الذي كان يعيشه أعضاء اللجنة التحضيرية للمهرجان حين تحدثوا عن مشاكل الفن، ظهر إحساسهم جلياً في كلمتهم حين قالو: يعالج الفن مختلف القضايا التي تشهدها الساحة، ويقدم لها حلولاً كما يقدم لها شكلاً تقريباً لما قد تبدو عليه أي قضية في حال تم اهمالها، هذا هو الفن الحقيقي الذي نحاول أن نقدمه لكم من خلال مختلف الفنون الفنية التي تنظمها فرقة النوادر الفنية عبر اللجنة التحضيرية للمهرجانات.

 

"ومع محاولاتنا المستمرة لعمل ذلك دون أي دعم حكومي إلا أننا نواجه عراقيل مختلفة من الجهات الحكومية ذاتها التي من واجبها رعاية ودعم المبدعين الشباب والقضايا التي ترتبط بشكل عام مع هموم المواطن. فمثلاً هذا المسرح، في كل موسم يجب أن نناضل ونحارب ونلجأ للوساطات والمفاوضات والاتصالات من أجل أن نحصل عليه ونقابلكم، لنقدم لكم متعة العيد ممزوجة بالفائدة، برسائل التوعية ومناقشات لقضايانا المجتمعية الملحة، وبعد جهد كبير للغاية نتمكن من الحصول عليه بشروط تعجيزية ودون أن نلقى اهتمام بالغ، لا نقصد أن نسيء للمسئولين ولكننا نتحدث عن صعوبات نعاني منها كفنانين، صعوبات تعيق عملنا وتقلل من ولائنا لليمن، ولكننا ندرك أن اليمن أغلى من أي عوائق، وأكبر من أي صغير يحاول أن يعود بنا إلى الوراء، ندرك تماماً أننا نقف هنا من أجلكم أولاً ومن أجل اليمن ثانياً ومن أجلنا والعاملين في المهرجان الذين نحتضنهم لنبعدهم عن الفراغ الذي قد يقودهم إلى أمور لا نرغب بها جميعاً".

 

بالتأكيد كانت كلماتهم موجّهة بشكل حاد ومباشر تجاه الإهمال الحكومي الذي يستمر وكأنه لا يعنيه، وبعدما تحدثت عن الإهمال المجتمعي قالت: إننا وبكل أمل وثقة بقيادة أمانة العاصمة ووزارة الثقافة وصندوق رعاية النشء والشباب، نتمنى أن يتم الاهتمام -ولو قليلاً- بالفنانين والفرق الفنية، وإننا نصلي كثيراً أن نبتعد عن قضاء الأمور بالواسطة والشللية ونقترب من الاهتمام بالمبدع كمبدع وليس لأي أمر آخر، هذا إذا كنا فعلاً نهتم بمستقبل اليمن ومستقبل الفن في اليمن.

 

في يوم آخر خصصته للحديث عن مخاطر الطائفية قالت لجمهورها بشكل مباشر: عليكم أن تفيقوا من سباتكم، عليكم أن تكفوا عن التعصب لأفكاركم وهواجسكم، الله هو الحق، ودينه هو الإسلام، ولم يقل إن دينه هو الشيعية أو السنية، لم يقل أن تنصروه بالدم أو بالتحريض والتكفير وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة لعل عقولكم تفكر.

 

وعند الحديث عن تسريب الامتحانات توجهت نحو تكرار إن تسريب الامتحانات والغش يعمل على إنتاج جيل جديد بعيد تماماً عن أي مسئولية وعن أي فكر ومعرفة، جيل يعتمد على الغش في كل حياته اليومية وهو ما يؤثر سلباً على مستقبل اليمن الذي نعمل بجد من أجله، على الأقل لنتفاخر بين الأمم أننا من اليمن.

 

النوادر نظمت مهرجانها بدعم ذاتي من رئيسها الذي يهتم بتقديم المهرجان ولو اضطر لبيع ذهب أسرته أو رهن بصيرة الأرضية الخاصة بأبوه الأستاذ عبدالرزاق المذحجي، وبجهد رئيسها الفنان نادر المذحجي كانت شركة سبأفون للهاتف النقال هي الداعم الأبرز في المهرجان بالإضافة إلى شركات تجارية أخرى أهمها الشركة اليمنية للصناعة والتجارة وشركة كوكا كولا ومؤسسة طه انعم وستار نت تكنولوجي وكلاء شركة إبسون العالمية، وكان المهرجان بتشجيع من أمانة العاصمة وقيادة المجلس المحلي كما يقول المذحجي دائماً!

 

ربما كان الأجدر أن نختتم بما افتتحت به الفرقة في يومها الأول فقد قالت: اليمن أغلى من أي انتماء، أغلى من أي هدف، والحفاظ عليها مسئولية المواطن قبل الدولة، المواطن قبل المرتزقة، المواطن هو الذي يقبل أن يعمل كأجير لأي مرتزق خارجي، ونحن ندعو كل أبناء الوطن بلا استثناء إلى الحفاظ على الوطن وليس الحفاظ على المصالح.

 

نناشدكم، نناشد القوى المسلحة والسياسية أن تنفذ مخرجات الحوار الوطني وأهمها تسليم السلاح للدولة، ونرفق مع مناشدتنا هذه دموع الأطفال اليتامى، وحُرقة قلوب الأرامل، نرفق معها دماء الشهداء الذين سقطوا من أجل اليمن، الذين ناضلوا وضحوا كثيراً من أجلنا ومن أجل مستقبلنا.

 

ندعوكم ولن نتوقف عن دعوتكم مراراً وتكراراً فاليمن تمضي نحو التمزق، نحو التفرقة، ولا نعتقد أن أي إنسان سليم في تفكيره يريد أن يحدث هذا لبلادنا التي قال عنها الرسول الكريم أنها بلد الإيمان والحكمة.