آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-04:38ص

أدب وثقافة


ثنائية المقاومة والثورة بمناسبة رحيل الشاعر المقاوم سميح القاسم

الأربعاء - 20 أغسطس 2014 - 10:22 م بتوقيت عدن

ثنائية المقاومة والثورة بمناسبة رحيل الشاعر المقاوم سميح القاسم
الراحل الشاعر سميح القاسم

((عدن الغد)) خاص:

كتب / بسام فاضل

 

بقائي في وطني ..أنا لم ابق في إسرائيل بقيت في وطني ,في الرمة , في الجليل ,أنا بقيت في وطني ,لو فعل غيري ما فعلت لكان وضعنا مختلفا طبعا ,ومختلفا للأفضل ولقد بقيت في فلسطين في بقعه من أجمل بقاع الأرض ....الراحل سميح القاسم .

 

عندما وصلني خبر وفاة شاعر الثورة والمقاومة توقفت حدق عيني في موضعها ,دارت بي ارض وطأتها وذهني يتذكر الشاعر في منبره يهتف بالحرية شعرا لفلسطين ويثور على خاذلوها في الداخل المحتل وينعي من هم أسوى من شعبها في الداخل العربي المستعبدون من حكامهم والواقعون تحت نير احتلال المستعمر الوطني .

 

فجاءة تذكرت إنني قرأت ملفا عن الشاعر في عدد من أعداد مجلة العربي فهرعت اغلب أكوام مركونة في زاوية نائية من زوايا البيت تحوي أعداد منها .

 

كان عدد 652 لشهر مارس من العام 2013م يستحق عناء الرجوع اليه والغوص في شخصية الراحل المقاوم بما تحدث هو عن نفسه وعلاقته بمعاصريه من شعراء المقاومة الفلسطينية والعرب أيضا وما كتبه عنه كتاب ونقاد وأدباء عرب .

 

العبارة أعلاه استطردها في حوار معه وتظهر مدى مقاومة الشاعر لمحاولات المحتل الصهيوني إبعاده عن أرضه واستمالة الكثيرين له من الفلسطينيين كي يرحل عن قريته الرمة والجليل المحتل ربما نفاذا بجلده من جهاز الأمن الصهيوني الذي يتودد اليه مستضيفا في زنزانة  بعد كل دوريا ينشرها وقصيدا يكتبها وربما لكسر همة سميح المقاوم والتي أرقت أشعاره وهزت جمود الاستسلام الفلسطيني والعربي  المسمى سلام .

 

وفيها ما فيها من وضوح تجربته الشعرية والتصاقه الحميم والمميت بوطنه وحبه السرمدي للمكان قريته الرمة في الجليل المحتل رغم سيطرة وخنق المحتل لأنفاس ساكنيها وتحكمهم في مفاصل الحياة اليومية وقضمهم لمتنفساتها إلى حاراتها ومنازلها .

 

وبين ذا وذاك سر الحب الغائر المختلط بتراب الوطن للمقاومة التي أفنى حياته يناشدها ويذكي همتها وعزيمتها ويشحذ ركب قادتها ويغذيها بأعذب لحن, شعرا اكسير الحياة ,أشعل فيها ديمومة البقاء وتمسكها بكل شبر من أراض الوطن المحتل والأسير في نفس الوقت .

 

أشعار قدست حرية وطن صودر في غمضة عين غدر ولم يكتف بذلك بل هجر ابنائه تأمر عليه الأقرباء ,خذله الأصدقاء .

 

(يقول في قصيدة الغضب يشذب حديقته المتوحشة)

أنا الغضب

حديقتي تمتد من سري

إلى ابعد ما في الأرض من أسرار

 حديقتي تنهار

لذا فأنني اجدل الإعصار.

 

عن سميح ماذا قال الأدباء

كان الشاعر اللبناني محمد على شمس الدين يروق له أن يوصف سميح هاملت الفلسطيني لسر ربما قراءه مخبأ في داخل الشاعر وتشابهه مع هاملت في رغبة جامحة للانتقام من عشيرته الذين خذلوه، كما يضيف رد الشر بالشر والموت بالموت وهي حصيلة التجربة المرة لفلسطيني الشاعر .

 

ويضيف بأنه شاعر قريب من النفس جميل نقي شفاف أليف ساخر يعد من ابرز شعراء الغضب العربي كأمل دنقل ,نزار قباني ,مضفر النواب ,احمد مطر فهو شاعر مختلط عجيب وشعره يتكون من وقائع ويوميات وتفاصيل اليفة وإخبارية لكنها على العموم دامية تنزف بلا انقطاع وساخرة وتضع الشيء وضده وجها لوجه ..

 

ويقول كاتب آخر هو د/محمد شاهين كيف لا نستطيع أن نتذكر أن ما أحبه سميح القاسم بكل جوانحه هو الوطن وان موروثه الحقيقي هو فلسطين الوطن ؟ويتذكر مقطوعة الرعب كتبها الشاعر عندما فرض عليه الإقامة الجبرية :

حين تغيب الشمس قالوا, أغيب

في حجرة من وطن !

احرم ,قالوا, من عناق الهموم

بيني وبين القمر

يرعبهم ,اعلم ,بث الضجر

بيني وبين النجوم

يرعبهم لمسي جذوع الشجر!

***

وفي مغيب الشمس قالوا أغيب

في حجرتي ياوطن,

قالوا أكون الغريب

وأنت ملء البدن

فمن ترى يحمل عبر الزمن

في قلبه ,وجهك هذا الحبيب

ومن مغنيك.. من؟!

غيري أنا ..ياوطن؟!

 

يرى النقاد أن شعر سميح يميل إلى الخطابة ربما يكون هذا صحيح ويقول شاهين لكنها في شعر سميح بل في شعر المقاومة عدا محمود درويش خصوصية وضيفيه لها دور أساسي في التعامل مع الواقع النضالي .

 

ثنائية سميح القاسم ومحمود درويش :-

يروي سميح عن علاقته بدرويش قائلا محمود أخي الأصغر فهو يصغرني بسنتين ولقد تربينا سواء في بيتنا مع أسرتي الذين يعرفهم جيدا كما اعرف أنا أسرتهم جيدا ,ويضيف (نحن شهداء قضية كبيرة اختلفنا كثيرا في السياسة وفي الشعر وفي السلوك ولكن مكانته الشعرية ذروة ومكانتي الشعرية ذروة ولكن المشكلة أن العرب يلحون على الوحدانية).

 

أما لطفي السيد فقد قال مقدما امسية شعرية (نحن الكتاب والشعراء في البلدان العربية ,نكتب المقالات ونكتب الشعر في مكاتبنا المريحة أو في البيوت الدافئة ,وكثيرون منا يهاجمون الأعداء المعتدين متمترسين بهذه المكاتب والبيوت !على أن محمود درويش وسميح القاسم وإخوانهما من الشعراء التقدميين المناضلين داخل إسرائيل ليسوا فقط على خط النار بل هم في داخل النار نفسها يجابهون المعتدين, يوميا يتعرضون للمطاردة وللسجن وللموت يوميا أنهم بالفعل شعراء المقاومة لأنهم بالفعل يقاومون ليس فقط بالشعر بل بالعمل الكفاحي اليومي).

 

ويقول شاهين أن شعراء المقاومة تقف على النقيض إذ عليهم أن يتحملوا عبئا مضافا إلى عبء العملية الإبداعية المطلوبة من عامة الشعراء وهو عبء الواقع المرير الذي لابد من تحديه وقهره تمهيدا للتعامل مع عملية الإبداع ذاتها وحمايتها سلفا من الانهيار, باختصار نجح شعراء المقاومة لأنهم استطاعوا الوقوف أمام أساليب القمع الوحشية ..

 

اختلف الاثنان غير أن خلافهم لم يجرهم إلى خلاف أو المساومة في قضيتهم أو كان سببا للتراجع عنها والارتماء في حضن أعدائها ضلت فرقتهم تأجج مشاعر العداء للصهيونية وحلفائها, وقودا يقرب بعدهم ويلهمهم هاجس الشعر ويمدهم بالتمسك برايتهم وسر من أسرار البقاء .. أنها معركة الكرامة سر الحياة تتوالد عنها مئات بل آلاف المقاومين ..

ولسان حالهم مجتمعا يقول:

باقون ما بقيت

حجر الأرض

شاهدة على البقاء

وما بقيت أشجار الزيتون والزيزفون

ومساجد الحق ومآذن الدعاء

وارتفعت أصوات أجراس الكنائس

تقرع صلات الكبرياء

باقون لان لنا

جذرا وقصة تقول

اذهبوا انتم الطلقاء

لأنكم اغتسلتم حرية

وزينتموها بلون الدماء

هكذا ارتقيتم

وهكذا عرجت

أرواحكم

إلى قلب السماء