آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-04:32م

ملفات وتحقيقات


حوطة لحج ..(دُمال في القلب )

الخميس - 11 سبتمبر 2014 - 11:38 م بتوقيت عدن

حوطة لحج ..(دُمال في القلب )
العبث في خدمات الماء والكهرباء في لحج أصبح لا يطاق.

لحج((عدن الغد))خاص:

 

 

" الشجاع ليس هو الشخص الذي لا يشعر بالخوف .. بل هو الشخص الذي ينتصر على مخاوفه"  نيلسون مانديلا

 

الساعة تشير الى الثانية عشر ظهرا مضى على انقطاع الكهرباء أكثر من خمس ساعات , حتى ( الماطور) توقف عن العمل بعد نفاذ البترول ناهيك عن غلائه بعد الجرعة المباركة . تمضي الأيام في لحج هكذا بوقع رتيب جدا وذات الموال من القهر والمعاناة اليومية والركض وراء سد احتياجنا من متطلبات الحياة بأقل قدر ممكن فقد تغدو ساعتين كاملتين دون انقطاع الكهرباء نعمة عظيمة علينا بالسجود شكرا لها .  

 

 

 

 

أحدهم يتسأل ساخرا: (يامحافظ لحج هل في بيت ماطور) يذكرني هذا التساؤل  بقصة النائب البرلماني الذي برأه  القضاء البرازيلي من تهمة اختلاس المال العام فأغتاظ سكان البلدة البرازيلية تلك الذين كانوا على يقين من فساد نائبهم فما كان عليهم سوى أن يقتصوا منه بطريقتهم بعد أن خذلهم القضاء فقاموا بربطه بعمود كهربائي وسط البلدة ليكون عبره لغيره من الفاسدين . تسائلت في لحج كم سيلزمنا من أعمدة للكهرباء (كانبات)..سنستهلكها جميعا صدقوني لا بل قد نستعين ببعض أشجار ( الحسيني) اليابسة.

 

 

العبث في خدمات الماء والكهرباء أصبح لا يطاق..حياة منكسرة تتركنا أموات , أرواح منهارة في هيئة بشر بأجساد هزيلة متعبة جدا , في حين مسؤولي السلطة المحلية يعيشون في أفخم المنازل بمطابخ مكيفة والعامة خارج نطاق الحياة. يخنقك الحر الشديد داخل المنزل فتمشي في الحواري بحثا عن قصة ما تبعث الأمل لفرط ألمها يستوقفني مشهد  أطفال حفاة يحملون رشاشات ( لعبة) يقوم فريق منهم بدور ( الملثم) بالتناوب ويقوم الطرف الثاني بدور ( الضحية) بالتناوب أيضا ..هكذا بدا لي المشهد في احدى الصباحات  في احدى  الحارات الضيقة في حوطة لحج ..أغمضت عيني برهة ,,وهاهو سيل من ذكريات طفولتي يمتد امامي ..ببون شاسع فكانت بهجتنا كأطفال تختزل لعبة( الفتاتير) ( شبدلو) ( سبع صاد) ( غميضان) وأشياء من هذا القبيل ..!أطفال هذه الحارة يختزلون بطريقتهم واقع لحج المؤلم يقتاتونه كبهجة لعب وفرحة ومتنفس لقضاء وقت فراغهم قبل قدوم المدارس في حين تخلو من المحافظة متنفسات أو ملاهي أو متنزهات لهم وللكبار على حد سواء .

 

 

يشحن أحدهم مسدسه ..ملثما ..يضرب رصاصته ..يهرب سريعا بينما يلعب ( الضحية) دوره بمنتهى الحرفية ..أشبه بدور هوليودي مذهل فهاهو يسقط صارخا متألما مع مؤثرات بصرية وسمعية ..والقليل من ( الفيمتو) مسروقا من المطبخ ليجسد صورة الدماء المسفوكة ..!يهرع أصحاب ( الضحية) العصابة المقابلة للحاق بأصحاب ( السيكل) يمسكون بهم في أغلب الأحيان ويوسعونهم ضربا ..وهكذا يتم هزيمة هذا الفريق ليقوم بدور ( الضحية) القادمة ..وتستمر اللعبة هكذا حتى آذان الظهر ..! أمام مشهد كهذا وقفت مندهشة ..

 

رغبة ( طفولية) بداخلي آثرت اللعب معهم عن العودة للمنزل ...يلعب اطفال الحوطة بشموخ وكبرياء وقوة ,,في حين يصمت الكبار ويتركون أصحاب ( السيكل) يسرحون ويمرحون دون موقف شجاع وبطولي للقبض عليهم وكشفهم ..هاهم صغار المدينة بكبرياء وشجاعة وبراءة ايضا ..يعيشون واقعهم المؤلم ..بسيناريوهم الخاص بعيدا عن خوف وجبن الآباء ..الجيل الذي يلحق بأصحاب ( السيكل) ويوسعهم ضربا مبرحا في لعبه اليومي لن يسكت عنهم عندما يكبر على أرض الواقع ارجو ذلك ..!الموت العريض في لحج يجعلني أتسائل : هل على سيناريو أبين أن يتكرر في لحج من حرب بشعة ونزوح وتشريد للأهالي وكارثة انسانية ودمار مروع هل على لحج أن تدفع هذا الثمن الباهظ الذي دفعته أبين حتى يصحو أهلها من سباتهم وخوفهم وسلبيتهم ..ويهرعوا لإنقاذها والذوذ عنها !

 

بالنظر الى تجربة الأهالي في أبين خصوصا في لودر (تجربة مشرفة) نجحت اللجان الشعبية في حماية المدينة , لجان شعبية من أبناء المدينة أنفسهم ,تسائلت لما لا يكون في لحج عمل شعبي منظم من لجان ومجالس حارة يشرف عليها العقلاء بعيدا عن التخندق الحزبي والمكايدات السياسية البغيضة , أن يتحزب الجميع بحب لحج وأن يعمل الكل بجهد وبوطنية صافية فالكل يعاني والكل شريك والكل ضحية والكل ظالم لأن الصمت جريمة ! اذا لم نتحرك اليوم ستتحرك تباعا عجلة التغيير وسيأتي جيل في وقت ما سيلعننا جميعا لإرث الخراب الذي تركناه لهم ..سكوتنا اليوم سيؤخر ذلك التغيير فقط بضع سنين !

 

 

 

كلما زاد هنا منسوب هدر الكرامة  زادت جرعتنا من الصمت والخنوع , كلما اكتظت مشاهد الموت ,قلت فرصنا في النجاة , لم أعد أخاف الموت بل تخيفيني جدا هذه الحياة التي نعيشها جميعا , يرعبني صمت الناس وخوفهم , أشعر بإهانة شديدة لذاتي البشرية وأن أرى من حولي مهانيين ومظلومين ومسحوقين حتى الأعماق يكسرني صمتهم , يحبطني كثيرا لكنه سرعان ما يشعرني بمسؤولية ما بأن عليّ أن أكتب وانتقد الوضع لعلّ جرة قلم تكسر الخوف في قلوب آخرين وما نحتاجه الآن في لحج سوى كسر الخوف فينا , أن نكتب , ونتكلم , ونصرخ , ويلتف العقلاء والمثقفين بهمة وطنية صادقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , فالفكر والوعي والثقافة مسؤولية مؤلمة ومن يمتلكها في هذا الوقت الحرج لن يختلف عن العامة المسحوقة إن صمت وتقهقر للوراء ونخبة تلتزم القوة والثبات وتؤمن بحق الناس البسطاء في الحياة كافية لإحداث التغيير المنشود .لست أكتب من يأس بل عن أمل عريض بأن لحج وناسها الطيبين أحق بحياة أخرى ..حياة أخرى لا تشبه هذه .

 

يا سادة لماذا أصبح الإنسان اللحجي مهدور الحياة والكرامة والحقوق لاهثا وراء انقضاء اليوم بأقل خسائر ممكنة والنجاة  في الأخير من طلقة رصاصة غادرة جدا تُدشن موته فعليا بعد أن قضى أغلب عمره ميتا مجازا فقط , وللموت وجوه عديدة أبشعها موت الإنسانية فينا , لماذا ..لماذا !لماذا أصبحت العبارات: ( الطعن في الميت حرام) و(كرامة الميت دفنه) و ( السيكل يدور) و( مالهم كذا أصحاب لحج سكوت ) , ( من قتلوا  اليوم؟ ) ( متى بتلصى الكهرباء ومتى بيجي الماء ) والقائمة أعزائي طويلة جدا بأكثر العبارات شعبية في لحج مؤخرا ..ناهيك عن الأصوات المكتومة قسرا والتي يجب أن يؤمن بها الجميع وينطقها بشجاعة : " متى النهوض؟ وكيف ؟".

 

 

لماذا فقدت لحج بريقها وألقها الثقافي والعلمي , الديني , الأدبي والفني , الرياضي , لماذا تقهقر مثقفوها للوراء بعيدا فلم يعد هناك دور فعّال لإتحاد الأدباء ,لا فعاليات , لا ندوات لا فن ولا مسرح ..الفراغ الأدبي  والثقافي  والفني من الطبيعي جدا أن تملئه وتسده أيدلوجيات الموت والتطرف والغلو في الدين والفكر وهذا ما نعيشه اليوم . تساؤلي السابق ( لماذا) الكل يملك له ( أكثر من اجابة) وكأن علي أهل لحج أن يدفعوا ثمن تاريخهم وثقافتهم العريقة وتسامحهم وبساطتهم النبيلة ..مقدر لهم أن يدفعوا الثمن منذ سنوات ..لكن إلى متى , ألن يتوقف دفع الثمن ذلك , ألم يحن الوقت  لأن يدفع الجناة الحقيقيون كل هذا الثمن ؟

 

من: شيماء باسيد