آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-11:56م

ملفات وتحقيقات


معالمنا شواهد حضارتنا

الثلاثاء - 16 سبتمبر 2014 - 01:02 ص بتوقيت عدن

معالمنا شواهد حضارتنا
صورة من لقاء لنشطاء بعدن قبل ايام كرس لمناقشة ضرورة الاهتمام بالمعالم الاثرية

عدن ((عدن الغد)) خاص:

كتب /نادرة عبد القدوس
لم تعرف عدن ، طوال تاريخها الطويل ، عبثاً بمعالمها التاريخية وبتراثها الطبيعي ، كما يحدث منذ عقدين من الزمن . إن ما تتعرض له عدن من عبث وتخريب متعمدَين ، إنما يدل دلالة قاطعة على الرغبة الأكيدة في محو ذاكرة عدن ، بل إلغائها تماماً ، واستبدالها بذاكرة جديدة ، تحمل هوية غريبة لا صلة لها بالهوية العدنية الأصيلة التي تأصلت وتجذرت منذ آلاف السنين ، في هذا الموقع الجغرافي المتميز والهام .


ومن أجل رفع الضيم الواقع على مدينة عدن ، وبالذات عدن القديمة أو المعروفة بمدينة كريتر ، ارتفعت أصوات الخيرين من أبناء المدينة لوقف هذه المهزلة ، ووضع حدٍ لها ، والكف عما يجري نهاراً جهاراً من بناء عشوائي للمساكن ، وردم للبحر ، والبناء على الشواطئ ، ودك للجبال المحيطة بالمدينة ، وأخيراً التعدي على المواقع التاريخية ونهب الآثار ، وهدم لكثير من المعالم التاريخية ذات القيمة الحضارية ،التراثية والإنسانية . والمؤسف أن هذا كله يحدث أمام سمع وبصر الجهات المسئولة ابتداءً من السلطات المحلية ، وانتهاءً بوزارة الثقافة ، والحكومة بأكملها ، والتي يرأسها أحد أبناء عدن القديمة .


وقد حذر عدد من علماء التاريخ والآثار والجيولوجيين اليمنيين ، منذ سنوات ، وتحديداً ، منذ حوالي اثنتي وعشرين سنة ، حين نُظم مهرجان الصهاريج الأول ، في عدن، من وقوع كارثة جيولوجية ، في حال سادت الفوضى في البناء العشوائي على سفوح الجبال ، وخاصة جبل شمسان ، حيث أن مدينة عدن القديمة تقع على فوهة بركان خامد ، كما حذروا من البناء على شواطئ عدن ومن ردم البحر ، لما له من أثر سلبي على طبيعة مناخ المدينة ، وعلى البيئة ، وعلى صحة المواطن. ولكن لا حياة لمن تنادي .


ورغم هذا التكالب على الموروث الطبيعي والثقافي لمدينة عدن ، إلا أن أصوات الخيّرين من أبنائها لم تخفت ولم تيأس ، وما انفكت تدافع عنها وتقف في وجه الاعتداءات المتكررة عليها . وتُعد الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار، إحدى منظمات المجتمع المدني التي بدأت مشوارها النضالي ، من أجل الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة المدينة ، وذلك منذ أكثر من سبع سنوات .
ولكن ما يثلج الصدور ، ويفعم القلوب بالأمل ، وينفح التفاؤل في الأرواح ، تلك الجموع الشبابية ،المستنيرة ، المتوهجة حماساً ، المضمخة بمحبة مدينة عدن المنبثقة من رحم المدينة الولاّدة . إنه جيل القرن الحادي والعشرين . ويقيننا يزداد ، بوجود هؤلاء الشباب ، بأن أمجاد المدينة ومعالمها التاريخية ، وتراثها الثقافي والطبيعي باقٍ، طالما القلوب تنبض في الصدور، وطالما الحناجر تصرخ ضد الظلم والفساد.
فبالأمس تداعى عدد من منظمات المجتمع المدني إلى ساحة منارة عدن تحت شعار "معالمنا شواهد حضارتنا" ـ وتُعد المنارة إحدى المعالم التاريخية ،الشاهدة على حضارة الأجداد في عدن والتي تم ترميمها مؤخراً واستعادت عافيتها بعد أن كادت أن تهدم ـ بدعوة من لجنة أمان المنبثقة عن مشروع "تمكين القادة الشباب سياسياً في المجتمع المحلي" والذي تنفذه مؤسسة ألف باء مدنية وتعايش ، بدعم من الصندوق الوطني لدعم الديمقراطية حول العالم . وكان اللقاء يهدف إلى خلق تحالف جاد وصحي بين منظمات المجتمع المدني ، المهتمة بالتاريخ والتراث ، وبحقوق الإنسان ،وبالعدالة الاجتماعية ،وبالديمقراطية ، وذلك من أجل مناصرة أحد المعالم التاريخية في مدينة عدن ، والتي لم تسلم من معاول الهدم والتخريب ، ألا وهي صهاريج الطويلة في كريتر أو عدن القديمة.
وتعد صهاريج عدن من ابرز المعالم التاريخية والسياحية التي يحرص على زيارتها الزوار المحليون والسياح العرب والأجانب ، القادمون إلى مدينة عدن ، مركز الحضارة. صهاريج عدن أو صهاريج الطويلة في مدينة كريتر ، مديرية صيرة ، وتحديدا بوادٍ يعرف بوادي الطويلة ، في امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية لمدينة عدن ، التي تقع أسفل مصبات هضبة عدن المرتفعة حوالي 800 قدم عن سطح البحر، وتعد قيمة تاريخية واقتصادية بناها الأجداد منذ آلاف السنين بتخطيط عمراني يدل على عبقريتهم الفذة في التفكير وفي استخدام مواد البناء وفي اختيار المكان المناسب وفي النمط العمراني المهيب ، لحفظ مياه الأمطار لاستخدامها كمياه صالحة للشرب ، وغير ذلك من الاستخدامات البيئية.
وقد تم في اللقاء الاتفاق على إيجاد تشبيك بين اللجنة ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية المعنية ، والمهتمين بحملة مناصرة الصهاريج من ناشطين وإعلاميين وأبناء وأهالي مديرية صيرة ، لاستصدار قرار رسمي يُفعّل القوانين المحلية والوطنية ،الخاصة بحماية المعالم والآثار التاريخية، وكذلك مناقشة خطط عمل اللجنة وحلفائها؛ لتحقيق الأهداف الفرعية للجنة ،المتمثلة بترميم البنى التحتية للصهاريج ، من شبكة إنارة ومياه متكاملة، وتنظيم دوريات للحفاظ على نظافتها، وتوفير مواصفات المتنفسات المجتمعية ، في كافة أنحائها، وإقامة لوحات تعريفية وتوجيهية ، منتشرة بأرجائها.
للشباب المفعم حماساً ، المتقد فكراً ، الصادق قولاً والمتقدم فعلاً وعملاً صالحاً ، أقول طوبى لكم وقلوبنا وأرواحنا معكم ، فأنتم تحملون معاول البناء والتطور ، وبكم تزخر عدن وتفخر . وإياكم والقنوط ، فأنتم سائرون في ذات الطريق التي سار عليها أجيال سبقتكم ، ولم تكن مفروشة بالورود . ولعل زمانكم له أفضلياته ، رغم منغصاته ، في تقريب المسافات وتسريع تبادل المعلومات . سيروا والله معكم .