آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-07:56م

فن


شرف المرأة وشرشف الرجل

الأربعاء - 17 سبتمبر 2014 - 11:05 ص بتوقيت عدن

شرف المرأة وشرشف الرجل
ليلى طاهر وفريد شوقي - عفواً ايها القانون

عدن ((عدن الغد)) كتب / عاد نعمان :

بكل ثقة واستناد قوي ومرجعية واضحة تصل المحامية/عنايات التي قامت بدورها الممثلة/ليلى طاهر بدالة تزايدية إلى ذروة دفاعها عن موكلتها الدكتورة الجامعية/هدى التي قامت بدورها الممثلة/نجلاء فتحي في الجلسة الثانية التي سيصدر في نهايتها الحكم على هدى التي قتلت زوجها في وضعية زنا مع أقرب صديقاتها، فتواجه السيد القاضي-رئيس الجلسة وأعضائه المستشارين لتقول بالفم الملآن وبالصوت الأكيد من كل كلمة محمولة إلى مسامع الحضور في قاعة المحكمة:

"هناك زوج يُفاجئ بخيانة زوجته، فتنهش الغيرة قلبه، وتجري الحمية في عروقه، فيمسك بأقرب سلاح يقع بيده، ويهوي به على جسد زوجته، فيقتلها، وهناك زوجة تُفاجئ بخيانة زوجها، فتنهش الغيرة قلبها بصورة أكثر ضراوة من الزوج، فتمسك بأقرب سلاح، وتقتل به زوجها"،

وبذات قوة الاقتناع تواصل الدفاع: "سيدي القاضي، كيف يفرق القانون بين رجل وامرأة؟، كلاهما وقفا نفس الموقف، وأحسا بنفس الأحاسيس، وشعرا بنفس الشعور"،

وتتساءل باستغراب: "فهل من العدل أن يُقدم الرجل لمحكمة الجُنح وأن تُقدم المرأة لمحكمة الجنايات؟".

 

لم يستطع المعلم الثري/عبدالقوي الذي قام بدوره وحش الشاشة الممثل/فريد شوقي تحمل جمل عنايات، هنا استفزت رجولته الضاربة في أعماق الموروث الديني والدنيوي المتراكم بالخطأ، جالساً خلف مجموعة من كبار المحاميين الذين وكلهم لإنزال أقصى عقوبة على هدى(زوجة ابنه)، قاطع الرجل الشرقي التقليدي غير المثقف مرافعة عنايات، ويشير بإصبع يده السبابة بما يعني بلغة الإشارة "لا"، ليقول: "الراجل لما بيقتل بيدافع عن عرضه، إنما الست ما لهاش عرض"،

تداركاً ترد عنايات: "المرأة تقتل دفاعاً عن أسرتها وكرامتها"، وتذكره بماضيه الإجرامي عندما أكتشف زوجته تخونه مع أحدهم، فقتلها، وحكم عليه بالسجن شهراً مع إيقاف التنفيذ،

 

وتضيف: "وإني أطالب أن تطبق الشريعة الإسلامية في قضية اليوم، إن الشرع لم يفرق بين الرجل الزاني والمرأة الزانية، وعاقبهما بنفس العقاب، ولم يفرق بالعقاب بين الرجل القاتل والمرأة القاتلة..".

 

تنشأ لدى الدكتور/علي الذي قام بدوره الممثل/عمر عبدالعزيز عقده نفسية تعود إلى طفولته بعدما شاهد خيانة زوجة أبيه(عبدالقوي)، وقيامه بقتلها أمام ناظره غسلاً للعار، سببت له عجز جنسي، فيلجئ بعد محاولات كثيرة من زوجته(هدى) للعلاج على يد طبيب نفساني ليخرجه من أزمته النفسية؛ وخصوصاً تلك المواقف المحرجة التي تفصل بينه وزوجته كلما بدأ ممارسة الجنس، يُشفى علي، وينخرط في علاقة جنسية مع سيدة الأعمال/لبنى التي قامت بدورها الممثلة/هياتم المتزوجة من مدير أعمالها، وفي آخر لقاء جنسي بين علي ولبنى في بيت هدى، تتفاجئ الأخيرة بهما على السرير في غرفة النوم، بعد عودتها من الجامعة لشعورها بالتعب بسبب حملها، فتطلق النار عليهما من مسدس علي، ومن هول الموقف تخرج من بيتها راكضة بسرعة غير آبهة بمن حاول إيقافها للاستفسار عما بها، فتصدمها سيارة، وفي مشهد مصيري يُنقل إلى المستشفى كلاً من هدى وعلي ولبنى على ذات سيارة الإسعاف.      

 

برؤية سينمائية هي الأولى للمخرجة/إيناس الدغيدي وسيناريو الكاتب/إبراهيم الموجي دعا فيلم(عفواً أيها القانون) 85م المشاهدين للوقوف طويلاً أمامه لمراجعة قوانين الأحوال الشخصية والمدنية، حيث كشف الفجوة الكبيرة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الاجتماعية المختلفة بين الرجل والمرأة، وبالذات قانون العقوبات المصري الذي يفرق بالعقاب بين الرجل والمرأة، فيما يتعلق بقضايا الشرف، فيُصدر حكم على الزوجة التي قتلت زوجها في وضعية زنا بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ باعتبارها جناية، بينما يُصدر حكم على الرجل الذي قتل زوجته في وضعية زنا بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جُنحة.

 

وجدت الدغيدي قبل شروعها بالفيلم أن الملايين من النساء لا يعرفن ذلك القانون، حتى هي نفسها لم تكن تعرفه، وكان بالنسبة لها مفاجأة، وأن القانون ينتمي إلى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة، فأرادت أن تفاجئ المشاهدين به، إلى جانب شعورها بالغبن على الظلم الكبير الواقع على المرأة، فسعت من خلاله لتصحيح الأوضاع غير العادلة.

في المشهد ما قبل الأخير بكاميرا من أعلى قاعة المحكمة بعد النطق بالحكم على هدى بالسجن 15 عاماً مع الشغل والنفاذ تُخلا الجلسة تماماً من الحضور ما عدا عنايات التي شبكت بين أصابع يديها وأنزلت نظرها من خسارتها للقضية، يمسك أحد أفراد الشرطة هدى من ذراعها والذراع الأخرى تحمل طفلها الرضيع، ويمشي بها في الممر، وأثناء نزولهما من السلم الكبير للمحكمة تتلقى ورقة بنقل رعاية الطفل من حضانتها إلى حضانة جده(عبدالقوي)، يقابلها عبدالقوي ليخبرها بأنه سيأخذ حفيده منها، لترد عليه بأن طفلها سيكون بخير معه، ويتربى بشكل أفضل من وجوده معها بالسجن، ينتزع عبدالقوي حفيده من بين ذراعي هدى، ويغادر به مبنى المحكمة، تلحق هدى بهما، وتلوح باللعبة لطفلها وتدمع، لم تستوعب الموقف، فتصرخ ببكاء رافضة الحكم الذي أدخلها السجن وحرمها طفلها في المشهد الأخير.

 

لم يكتفِ الدين الإسلامي بالتشريع، ليفند هذا حرام وذاك حلال أو العكس، وإنما أمر بالعدل والمساواة بين الرجل والمرأة، وحارب الجريمة ذاتها، وجنب وقوعها لحماية المجتمع من أضرارها وتبعاتها، بغض النظر عن إذا كان مرتكب الجريمة رجل أو امرأة، لذلك لا بد من العدل بالعقوبة، فهي ذاتها للرجل والمرأة.