آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-02:47م

أدب وثقافة


نقد ادبي : ابنه سوسلوف

الإثنين - 22 سبتمبر 2014 - 08:16 ص بتوقيت عدن

نقد ادبي : ابنه سوسلوف
غلاف الرواية

عدن (عدن الغد) محمد ممدوح سكرانه:

في البداية رأيت منشوراً له على الفيس بوك بـ إنجاز مشروع روايته " إبنه سوسلوف" وضعت لايك لإمتنانى بنجاح هذا الصديق في إتمام نشر عمله الأدبى ولا أعلم شيئاً يُذكر عن هذا الصديق سوى ان إسمه " حبيب عبد الرب سرورى" يمنى جنوبى يعيش في فرنسا ، تابعت منشوراته قليلاً التى ألقاها ألىَّ رفيق الغربة وصديقى " عنتر " اليمنى كى أتابع هذا " الحبيب " من منطلق أنه تنويرى وبعاداتنا نحن سوياً في تكبير حجم شبكتنا التنويرية ووصلها لتحصيل أكبر قدر من المعرفة والإطلاع على عقول مختلفة تعيش معنا لكننا لا نراها ، وجدت فيه وفى بعض الأصدقاء الفيسبوكيين كثيراً وتعلمت منهم الكثير والكثير وعشت معهم أجمل تجليات الذات والعقل وإختلاف المنطق واللغة والرؤية للكون من حولنا ، كى لا أطيل في الإسترسال .

حدثنى صديقنا اليمنى أيضاً " مروان " أن له أصدقاء في البحرين سيأتون له بالرواية قريباً كى نقرأها . قدمت الرواية بعد يومين من إعلان صاحبها نشرها في المكتبات حول العالم . قرأها مروان ثم عنتر حتى جاءت إلى يدى . بدأت أتفحص معنى الغلاف ذات الرسم التجريدى لـ عازف حزين على آلة العود كما أسميها . تجلس أمامه فتاة أنيقة ترتدى قبُعة بيضاء تلمس الماء بطرف أرجلها . يجلسان في قاربِ خشبى . حولهم الطبيعة . فتحت الصفحة الأولى لألقى نظرة على الكاتب وأعماله الفنية ودور النشر . يبدأ روايته بـ لحظة جلية في حى الشيخ عثمان في عدن الجميلة وتنتهى الرواية بـ لحظة أخرى في إسكتلندا قبل أن يتهيأ البطل الى إستكمال طوافه وترحاله الذى لا يهدأ ولا يكل ولا يعرف له مآل . الرواية تتكون من تسعة عشر فصلاً ، ولا تتعدى المائتان وعشرون صفحة . ينتقل من بينهم الكاتب وخلالهم في حديث أبدى مع ملك الموت سارق الأرواح وهادم الملذات ومُفرق الجماعات " عزرائيل" .

في الرواية تجسيد أزلى لمعاناة الوجود البشرى في أسئلة لا تنتهى وفى بحث سرمدى ومعاناة أزلية وسعادات قليلة تتخلل الحياة . ما بين باريس وعدن في سبعينيات القرن المنصرم . ومابين عدن وصنعاء في ثمانينات وتسعينات نفس القرن من فوارق ثقافية وتاريخية . وما بين الإشتراكية السوفيتية اللينينية في الجنوب وما بين الجمهورية الظلامية في الشمال . ما بين حكم القانون وحكم القبيلة . ما بين حلم الثورة وإغتصابها ووأدها . ما بين الماضى السحيق وعصر التنوير . ما بين العقل والمنطلق واللامنطق . ما بين الأسئلة التى لا تهدأ وبين الإجابات المُعلبة . بين رحلة شاقة في نفس الإنسان بين حياة وحياة . عالم وعالم موازى يجمعهما تاريخ العصر الحالى . تفرقهما الجغرافيا والثقافة . يجول الكاتب بين عدن بـ سحرها وجمالها وناسها وميناء صيرة ومصنع بيرته العتيق وبين حياة إشتراكية تبدأ عالمها في هذا الجنوب المُغتصَب وبين طيور الظلام وعصابات السلطة ومصالح القبيلة والقاعدة في أبين . بين كل هذا يرثى الكاتب لحياة البطل قصة حياة تُقتل فيها حبيبته اليمنية الباريسية في إنفجار ظلامى إرهابى غاشم . يعيش بعدها الكاتب حياة العمل والترحال والبحث حتى يلقى أمة الرحمن . هاوية " إبنة سوسلوف" الإشتراكية اللينينية . السلفية المتشددة . في سنين العشق والهروب تتحول حياته . في صراع بين عقول توقفت قبل 1430 سنة وعقول الحاضر . في إسقاطه على الحياة في اليمن والمجتمع اليمنى الذى يخضع بعد سقوط الإمامة إلى حكم العصابة . حتى تقوم ثورة الشباب في تونس ومصر واليمن وسوريا . يفقد بعدها أى بسمة وإبتسامة ويقرر الرحيل الأبدى من بلاد كانت يوماً موطنه بلا رجعة . وكما رحلت ذكرياته العدنية بلا رجعة مع إنتهاء حقبة الإشتراكية الوليدة . وأصبحت عاصمته الجديدة صنعاء الصارخة في تناقضتها . الواقعة في نفاقها الدينى الزائف . يرحل هو عن اليمن بلا رجعة .

ينهى الكاتب روايته لكنه أثار بداخلى هذا اليمن القبائلى الحزين الغارق في بؤسه وتطرفه الدينى الذى صنعه وقواه وأحياه هذا المهرب للخمر عبر باب المندب وعصابته التى حكمت اليمن لأكثر من ثلاثين عاماً . حمسّنى هو وصديقى الجنوبيين الرائعين " عنتر ومروان" إلى معرفة هذا الجنوب عن قرب وزيارته في أقرب فرصة . أثار بداخلى سؤال أثرته مرة مع عنتر لماذا لا توجد دراسات عن الحقبة الإشتراكية في الجنوب كى ندرسها ونعرف من خلالها تفاصيل التجربة عن قرب أكثر .
حبيب عبد الرب سرورى .. كل الشكر لـ روايتك وفنك الراقى الذى نمّا مشاعرى وأزادنى معرفة بـ لغة أهل اليمن الجميل . شكراً على صداقتك وتجربتك الثرية التى تنقلها لنا في رواياتك واعدك بقراة المزيد من رواياتك حتى أستطيع أن أكتب عنك ومنك وإليك أكثر .

منشور فيسبوكى من على حائطى كتبته بالأمس :
صنعاء . المدينة التى حُفظت داخل ذاكرتى وأنا صغير حينما كنت ألعب بنك الحظ . كانت صنعاء وعدن هما المدينتين المتجاورتين على ورقة اللعبة . متباعدتان جغرافياً . متناقضتان ثقافياً من الأزل . صنعاء التى فى خيالى . تهوى تحت بركان الطائفية المُنفجر وشظاياه المتناثرة التى تحرق كل ما حوله . نيران الحوثيين المضطهدين طائفياً طبقاً لدستور القبلية السُنية التى تحكم اليمن تخرج بشراسة ضد الظلم أولاً وبدافع تغيير الوضع بل وإن زادت الأسباب سبباً محتملاً بأن السلطة تجذبهم الآن مع قوة أسلحتهم ودعمهم الدينى الإيرانى . حالة اللادولة فى اليمن تشجع أى جماعة منظمة تمتلك القوة على القفز على السلطة . لكن بـ حكم رؤيتى المتواضعة الثورة فى اليمن تمر بـ حلقة جديدة تُسقط فيها أصنام قديمة لـ تحل أصنام جديدة لـ هذا الشعب البائس الغارق فى طائفيته القبلية . تتبقى أمنيتى وأنا صغير فى زيارة عدن وصنعاء قيد التنفيذ !