آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-12:26ص

أدب وثقافة


المبدع والحاسّة السّادسة

الثلاثاء - 23 سبتمبر 2014 - 07:18 م بتوقيت عدن

المبدع والحاسّة السّادسة
المبدع والحاسّة السّادسة.

لندن((عدن الغد))إيلاف:

 

كثيرا ما يطرق ــ بعنف ـــ  ومن غير استئذان ، مسامعنا هذا التوصيف اللطيف لجاذبيته ، فيكون أن نتقبله كمعطى لا يستنفر فضولنا بما يكفي للغوص في أبعاده ومضامينه الراكدة ، ونتسلمه جاهزا مستسلمين لما يصعّب علينا أيّ محاولة مهما تك خجولة لاستقراء مكامنه  والنهل من درر ما قد ينطوي عليه ، وهكذا نكتفي  بلذة صوتية عابرة كسحابة مذعورة ، مكللة بالوقوف عند مستواه السطحي، أعني سطحية التوصيف ، متملصين من مسؤوليتنا تجاه ما ينجم عنه التداخل الحاصل بين العوالم السمعية والبصرية.. مبررين قصورنا في تمحيص ما تلتقطه  ــــ ولو من باب المزحة والتنكيت ترفيها على النفوس المكروبة  ـــ  أذاننا وضرورة الوصول إلى ما ينطوي عليه من حقائق.

 

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "حدس المؤمن لا يخطئ.."  وفي هذا حث وتحريض على استثماره ، أي الحدس ،  كنعمة ربانية قبل كونه حاسة خفية  دفينة لها أهميتها القصوى  ودورها الإيجابي في التخطيط من أجل الإرتقاء  بكل ما يحقق سعادة وازدهار ورخاء الإنسان وتقوية صلته بالله و بالفطرة السليمة وبكل ما هو حتما على شاكلة  المراجع القويمة المفترض توظيفها بشكل سليم ، في ما تدرك به الغايات المتماشية والأهداف من خلق الإنسان أصلا..

 

مما لا شك فيه أن ثمة تعريفات متنوعة للحاسة  السادسة والمعنون بها هذا المقال، بيد أننا سنقفز فوق  الخوض في تفاصيلها ، إلى تسليط الضوء على نقطة غاية في الحساسية والخطورة متمثلة في العلاقة بين هذه الحاسة ونخبة من خلق الله ، أكرر لفظة نخبة للتأكيد على التبعيض ومنح المسألة طابع الخصوصية الذي تستحقه ، لا كما قد يفهم خلافا لما أردت قصده ،   كالإستدلال على الدونية والتحقير ،لا ...  ولكي نكون أكثر دقة وموضوعية فإننا لا نملك سوى أن نحصر حديثنا على النخبة المبدعة  تحديدا وماهية اللآليات المفعَّلة  لهذه الحاسة السادسة التي يتوفرون عليها بنسب متفاوتة تفوق غيرهم .. إن المبدع الحقيقي ، دوما تسيطر عليه هواجس تطوير قدراته على الخلق والجود بالأفضل حسب المتاح لديه من الأدوات والوسائل طبعا..وهو ـــ أبدا  ــــ   يرزح  تحت وطأة ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويعلم علم اليقين أن ما أوتيه من ملكات إنما هو تكليفا مغذ فيه روح استشعار عظم الأمانة والرسالة، ككائن بشري يشكل استثناء بين بقية بني  جنسه في هذا المضمار،وإذن...

 

على أي أساس يجب أن تبنى علاقته، أي المبدع بالحاسة السادسة، الحدس هنا، مثلما مهدنا له..؟ إن الممارسة الإبداعية التي تتخذ من الزمن في بعديه / الماضي والراهن، قضبانا شائكة لأسر  روح وفكر صاحب هذه الممارسة، لا تعد منجزا إنسانيا بالمعنى الحقيقي للكلمة ، بقدر ما هي تأريخا لحقبة ما وتأطيرها  بأحداث قد تكون واقعية أو متخيلة ، ليست تقدم أو تؤخر قيد أنملة، بل إنها ربما تعكس  ضعف العنصر البشري وعجزه الجلي عن ترجمة ما من شأنه أن يضعه ، أي صاحب الممارسة الإبداعية ، قلت يضعه في موقع  يمكنه من إصدار تلكم التصورات الإستباقية والنظرة الغيبية وبالتالي منحه القدرة  و الأهلية المخولة له استقراء الغد كفنان أو شاعر أوقاص أو راوئي إلخ إلخ إلخ ... وتفاديا للدخول في متاهات قد تجرفنا إلى ما ينأى بنا عن صلب ما نحن بصدد تناوله، أقول: ليس كالحدس طاقة كامنة في أي منا، يكمن العيب في عدم نفض الغبار عنها وصقلها بغية توظيفها في كل ما يصب بالنهاية في صالح الإنسانية..

 

ومن ثم ينبغي تفجيرها وفق ما يتيح  لنا استقراء الغد ويندرج في خانة العلوم المستقبلية ضمانا لتحقيق التطور المنشود.. وإذا ما عدنا إلى الوضعية المزرية التي تعيشها معظم البلدان اليوم، وما تتخبط فيه من تردي وتقهقر وانحطاط ، إنما هو يعزى إلى تغييب هذه الحقيقة، والإكتفاء بالبكاء على الأطلال والعراك اليائس مع الحاضر من شقوق التوصيف له  وجر سيئاته وحسناته وكأن الأمر يتعلق بذاكرة للتغني بماضوية سحيقة اتسمت بظرفيتها الخاصة، وكأنه أيضا كاميرا حية لتصوير راهن مثقل بالآلام والأحلام أيضا التي ليس بمقدورها النفاذ على الغيب للتحذير مما قد يجيء به من مفاجآت تربك الحسابات غير المنبنية على الحدس كحاسة سادسة مضمونة الأكل  إذا ما استثمر على نحو جيد ومحكم.

 

أحمد الشيخاوي

شاعر مغربي