آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-12:26ص

ملفات وتحقيقات


مخاتلة : اليمن الذي كان

الأربعاء - 24 سبتمبر 2014 - 12:25 ص بتوقيت عدن

مخاتلة : اليمن الذي كان
سقطت كل الأطراف وبقــيت إيران البــعيدة هي الرابحة، متسلحة بصبر وتخــطيط طويل المدى، ونجحت في أن تحيل الشعب اليمني إلى الشعب الحوثي.

لندن((عدن الغد))دار الحياة:

 

كتب: جاسر الجاسر

 

يلحق بالعراق الذي كان فلم يبق من هويتيهما الراسختين سوى الذكرى وصفحات التاريخ. ذاب اليمن كأنه قطعة «آيسكريم» من دون أن يشعر أحد بما حدث أو يهتم له، ومن غير أن تعترض القبائل والفصائل والطوائف اليمنية التي لا تتوسد سوى سلاحها.

 

هدأ الضجيج المندد بتحركات «الحوثي»، وغلّف المناخ الدولي صمت غامض امتد إلى الداخل اليمني فطاول كل المؤسسات الأمنية، بينما يتسرب «الحوثي» مثل تيار ناعم إلى أن استوطن صنعاء وقبض معصمها وغيّر بوصلتها، وإن أحب دور محرك عرائس الدمى فهو صانع الحدث والصورة، مبقياً على رئيس له كل ساعة موقف، ويبدل أقنعته كل لحظة، فمن هجومه الشرس على إيران والحوثي وتهديداته المرعبة إلى اعتبار أن الاتفاق الموقع تحت البنادق «تاريخي»، إلى تصريح أخير أمس يفيد بأن اليمن تعرض إلى مؤامرة خارجية.

 

من المستفيد من الصفقة؟ كيف توافقت الأطراف على هذه النهاية غير السعيدة وإلى ماذا يمكن أن تؤدي؟الحوثي ليس طرفاً شيعياً فقط، بل هو ذراع إيرانية بامتياز، وما سيطرته على صنعاء العتية سوى مقدمة لتمدد يفترش اليمن كله، خصوصاً تشكل الحكومة الجديدة التي ستوقع اتفاق دفاع مع إيران وصولاً إلى انتزاع اليمن كلياً من تاريخه، وحينها سيكون مضيقي هرمز وباب المندب بين سبابتين إيرانيتين.

 

كان العراق رصيد التاريخ الثقافي الإسلامي محتوياً كل الصور العظيمة للعزة، ومركز إشعاع ثقافي، ويسجل كل متر منه لحظة تاريخية فارقة، وكان السد العربي أمام إيران، ثم أصبح بوابة مفتوحة دخلت منه إيران من دون حرب أو قتال، واستولت عليه ميقظة فتنة طائفية حارقة لم يعرفها العراق قبلاً. اليمن لن يكون أرضاً مستقرة ولن ينعم بها «الحوثي»، وإن ظن ذلك، فما يمارسه من اعتداءات واستعراضات استفزازية، إضافة إلى رفعه العلم الإيراني في مكاتبه الرسمية، يؤكد أنه جناح خارجي وليس مكوناً يمنياً خالصاً.

 

اليمن هو الجذر العريق عربياً، والعراق هو التاريخ والحضارة، كلاهما يتعرضان إلى عملية تذويب تطمس كل ما فيهما من عروبة، وتحيلهما إلى سواري إعلام إيرانية، وهكذا يتآكل الجسد العربي تدريجياً، وكل ما زاد الصمت سقطت ثيران أخرى. العراق لم يعد بحاجة إلى قرار تقسيم فهو كذلك فعلاً فهل سيتعرض اليمن إلى ذلك، خصوصاً أن «الحوثي» بحجمه وقدرته لن يتمكن من السيطرة على اليمن الواسع والمعقد بتركيباته واتجاهاته؟ وهل سيرسم «الحوثي» خريطة داخلية تجعل من منطقته قاعدة إيرانية فعلاً وليس مجرد الولاء والطاعة؟ ضاع اليمن حين تخاذل الداخل عن الحركة والمواجهة، وانسحب من المشهد كلياً تاركاً الميدان لهذه الجماعة مع أنه يفوقها عدداً ولا يقل عنها تسليحاً.

 

المسؤولية لا تقع على الدول العشر، بل سرها كامن في الرئيس الذي أظهر مهارة في التقلب أو أنه يخفي مهارة في التلاعــب لم تظــهرها يوماً ملامح وجهه. الشخص الوحيد الذي يملك الإجــابات علي عــبدالله صالح فهو اللاعب الحي في الــيمن الذي أجاد دوماً اللعب على الحبال، والذي هدد اليمن الــجديد بأنه سيعيش المشهد الذي أسقطه، وكان في ذلك صادقاً. المؤسف أن الوجود اليمني أضحى لعبة قوى داخلية في الأســاس مدعومة خارجياً، وبينما سقطت كل الأطراف بقــيت إيران البــعيدة هي الرابحة، متسلحة بصبر وتخــطيط طويل المدى، ونجحت في أن تحيل الشعب اليمني إلى الشعب الحوثي.