آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

فن


15 عاماً على رحيل "كاريوكا".. أكثر من راقصة

الأربعاء - 24 سبتمبر 2014 - 03:17 ص بتوقيت عدن

15 عاماً على رحيل "كاريوكا".. أكثر من راقصة
15 عاماً على رحيل "كاريوكا".. أكثر من راقصة.

مصر((عدن الغد))العربي الجديد:

 

ينظر كثيرون في العالم العربي إلى الرقص الشرقي نظرة دونية، وأحياناً محض جنسية، بعكس السائد في الغرب عنه، ويتجاهل أغلب العرب أن فنّانات الرقص الشرقي لسن فقط أجساداً تتمايل وتتلوّى، وإنما عقول ومواقف أيضاً. من الراقصات المشهود لهن، الفنّانة المصرية الراحلة، تحية كاريوكا، التي تمرّ ذكرى وفاتها الخامسة عشرة هذه الأيام (20 سبتمبر/ أيلول 1999)، والتي يجهل كثيرون أنّ لها، إلى جانب تجديدها في فنّ الرقص الشرقي، الكثير من القصص التي تربطها بالسياسة والحرية، وأنّها كانت على علاقة بكثير من رجال الإعلام والثقافة والسياسة، بعضها كانت علاقات ملتبسة!


كتب كثيرون عن تحية، في حياتها وبعد وفاتها، لكن يبقى الأهم ما كتبه المفكر العربي إدوارد سعيد في مجلة سويدية في يونيو/تموز 1991، وأعاد نشره في كتابه "تأمّلات في المنفي" عام 2004، قال سعيد: "تحية كاريوكا مثل أم كلثوم، تحتل موقع الرمز المرموق في الثقافة الوطنية المصرية، تحية 3 ـ وهي على صواب فيما أظن ـ هي جزء من نهضة ثقافية أساسية، وحركة إحياء وطني في الفنون، ارتكزت على حركة سعد زغلول الليبرالية المستقلّة، وعلى ثورة 1919. كانت تحية شعاراً لكل ما هو غير خاضع للانضباط والإدارة، في ثقافتها. ولهذا كان دور الفنانة هو الأمثل لتلك الطاقات".


وقال سعيد في مقاله المعنون "تحية إلى تحية"، الذي كتبه بعد لقائها في القاهرة، بترتيب المخرجة الكبيرة، نبيهة لطفي: "فن الرقص عند تحية كاريوكا نَصٌ كامل ومنجزٌ في الإطار النصي-الثقافي الذي يحرّك ميداناً كاملاً من الأفكار والعلاقات، ويبرزها في إطار خطابي متجانس من التاريخ الثقافي العربي، في الحقبة الأولى من تشكّل المدينة العربية، وتأسيسها على أساس كولنيالي. وهو منجز مكتمل، تمّ تحققه من خلال بنية خطابية متكاملة من علاقات اجتماعية وثقافية وسياسية وتاريخية وأدبية وإثنية".

 


وقال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عنها: "كاريوكا حرّرت الرقص الشرقي من تأثير الأجنبيات، ومثلها في ذلك مثل سيد درويش الذي حرّر الموسيقى المصرية من تأثير الأتراك. وتكمن قدرتها في أنّها كانت تستطيع أن تعطيك كلّ ما عندها من فنّ وحركة بكلّ جسمها في مساحة لا تزيد على متر مربع واحد، لا تحتاج إلى جري حول المكان لتبهرك أبداً، وفقاً لكتاب "أوراق محمد عبد الوهاب" الصادر عن "دار الشروق". ربما أشهر ما يتذكره القارئ لكاريوكا، التي أخذت اسمها من الرقصة العالمية الشهيرة، أدوارها في عدد من الأفلام السينمائية الباقية في ذاكرة السينما العربية، على رأسها "لعبة الست" مع نجيب الريحاني، و"أم العروسة" مع عماد حمدي، لكن يبقى فيلم "شباب امرأة" (1956) مع شادية وشكري سرحان وعبد الوارث عسر، وإخراج صلاح أبوسيف، فيلمها الأشهر والأكثر تأثيراً.

 


ورغم شهرة أفلامها، إلا أنّ قصص كاريوكا الشخصية لم تقلّ شهرةً، بينها قصّة مسرحها مهرجان كان السينمائي الدولي، الذي عرض فيلم "شباب امرأة" عام 1956، تحت عنوان "مصّاصة الدماء"، وقد فاجأت كاريوكا جمهور المهرجان بظهورها على السجادة الحمراء مرتدية ملابس شخصية "شفاعات"، التي جسّدتها في الفيلم، وتلك الملابس كانت فستاناً شعبياً مصريّاً تحيطه "الملاية اللَف".  ويروي كثيرون أنّ تحية جهزت سابقا فستاناً عصريّاً لحضور الافتتاح، لكنها عندما وصلت مقرّ المهرجان شعرت بعدم اهتمام جمهور وصحافة المهرجان بالوفد المصري، فقرّرت إثبات وجودها، ولفت النظر إلى فيلمها، ولجأت إلى هذا المظهر المميز الذي خطفت به الأضواء بالفعل من جميع النجمات الحاضرات.

 


لكنّ القصّة الأهم في المهرجان، والتي كانت بطلتها كاريوكا أيضاً، يثار حولها الكثير من الشكوك، وهي أنّها في حفل عشاء‏ لنجوم الفيلم على هامش المهرجان، أزعجها انحياز النجمة العالمية سوزان هيوارد (1917-1975) للكيان الصهيوني وسخريتها من العرب، ما دعا تحية كاريوكا، وفق الرواية الرائجة، الى ضربها بالحذاء والبصق في وجهها.

 

ونفت كاريوكا لاحقاً مرّات عدّة تلك الرواية، مؤكّدة أنّها لم تحدث وأنها لم تتعدّ بالضرب على هيوارد، وإنما ردّت عليها فقط بأسلوبها الساخر الهجائي نفسه، خاصة وأنها كانت تجيد اللغتين الفرنسية والانجليزية‏، اللتين تحدثت بهما النجمة العالمية، التي غادرت من فورها حفل العشاء بعدما أفحمتها تحيّة.
ويجهل كثيرون أن لتحية كاريوكا أدواراً سياسية، حيث كانت زوجة ضابط سلاح الفرسان في الجيش المصري، مصطفى كمال صدقي، الذي عرفت بسببه السجن لأوّل مرّة في حياتها، بعدما اعتقل في عهد الملك فاروق بتهمة قلب نظام الحكم، تمّ تبرأتها منها لاحقاً، بعدما أنكر زوجها معرفتها أيّ شيء عن المنشورات المضبوطة في منزلها.

 

وفي عهد الرئيس، جمال عبد الناصر، سُجنت تحية مجدداً مدّة 100 يوم ويوم، بتهمة الانضمام إلى التنظيم اليساري "حدتو"، ونقل عنها من داخل السجن تعبير شهير هو "ذهب فاروق وجاء فواريق"، في إشارة إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي حكم بعد إطاحة الملك فاروق. قدّمت تحية كاريوكا، واسمها الحقيقي بدوية محمد كريم، للسينما 117 فيلماً روائياً، بدأتها عام 1935 بفيلم "الدكتور فرحات"، وآخر أفلامها "الجراج" عام 1995، وكان لها ظهور أخير صغير في مسلسل "سر الأرض" عام 1998.

 

من: سلامة عبدالحميد