آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-03:29م

ملفات وتحقيقات


من تحت الرماد : هل يحاول صالح العودة للحكم؟

الأحد - 28 سبتمبر 2014 - 05:01 م بتوقيت عدن

من تحت الرماد : هل يحاول صالح العودة للحكم؟
يرى المراقبون أن أيادي الرئيس اليمني السابق صالح الخفية هي من تقدم دعما للمتمردين الحوثيين ضد حزب الاصلاح، الإخوان المسلمون في اليمن

((عدن الغد)) ميدل إيست آي:

ترجمة / مهدي الحسني

 

في صباح مشرق مطلع عام ٢٠١٢ ترجل علي عبدالله صالح من السيارة الفاخرة (الليموزين) التي كانت تقله وبخطى واسعة تجاوز عدد من الأبواب نحو قاعة قصره الرئاسي. جلس أمامه على الكراسي الفخمة  المطلية بلون الذهب حشد من مسؤولين في الأحزاب، زعماء قبليين، قادة عسكريين وصحفيين أجانب. بدا صالح متعباً. كان مرتدياً بدلة سوداء وربطة عنق بنفسجية، فوضع يداه برقة على منبر الخطابة الواقع أمامه، تلك اليدين التي اختفت تحت قفازات صفراء لحماية الحروق التي تعرض لها جراء التفجير الذي مزق مسجده الرئاسي العام الذي سبقه.

 

"ندعو كل أبناء الوطن للوقوف صفاً واحداً إلى جانب القيادة السياسية من أجل إعادة بناء ما خلفته هذه الأزمة. " هذا ما قاله صالح بينما كان هناك شخص يساعده في تقليب صفحات خطابه.

 

وأضاف " الآن أسلم راية الثورة والجمهورية والحرية والأمن .. إلى أيادي أمينة".

 

ثم التفت إلى يمينه وقام بتسليم العلم ذو الثلاثة ألوان الذي ثني بعناية إلى الرجل الذي يقف بجواره.

 

"نحن ندعم الرئيس الجديد من أجل الأمن والاستقرار. نعلم أن المسؤوليات الملقاة على عاتقه جسيمة، ونأمل أن يعالج تداعيات الأزمة .. أود أن اؤكد لك سيادة الرئيس هادي بأننا نقف إلى جانبك في الرخاء والشدة" وانفجرت القاعة بالتصفيق.

 

كان من المفترض أن تكون مناسبة تاريخية. بعد ٣٣ عام في الحكم، يتنحى صالح ويسلم السلطة لعبدربه منصور هادي، الرجل الذي عمل نائب له فترة طويلة من الزمن. تجنبت البلاد الحرب الأهلية و تمت الاستجابة لمطالب المحتجين. كان ذلك أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ اليمن الموحد.

 

 لكن الصورة من الحفل التي نشرت في الصحافة اليوم التالي حكت قصة أخرى أكثر تعقيداً وإزعاجاً. تظهر الصورة  صالح وهادي وهما يبتسمان، هادي، ٦٦ عام بدا أكثر تركيزاً، وكانت عيناه على العلم الذي بين يديه. أما صالح الذي كان يرتدي بدلة أكثر رشاقة ولونها أكثر قتامة من بدلة هادي، ظهر في الصورة وهو يحدق بعيداً من خلال عدسات نظارته المعكسة، مديرا ظهره للزعيم الجديد.

 

ما حدث في القصر يوم ٢٧ فبراير لم يكن عمل نظيف، لم تكن عملية انتقال سلطة نظيفة كما أرادتها السطات اليمنية. وعوضاً عن ذلك شهد ميلاد منافسة شخصية شديدة وعميقة مازالت مستمرة منذ عامين ونصف تربك جهود اليمن نحو الديمقراطية وتهدد بتمزيق البلاد. اليوم حكاية اليمن هي حكاية رجلين … دكتاتور مخلوع مراوغ حسود مازال طليق ونائبه السياسي خفيف الوزن العازم على الخروج من ظل سلفه إلا أنه يخشاه إلى حد الذعر كما يقول بعض مساعديه السابقين.

الوضع السياسي يتدهور في اليمن. وعلى الرغم من الحوار والإصلاحات ووعود الانتخابات، فإن البلاد فشلت في علاج كسورها السياسية العديدة - حركة الانفصال في الجنوب و عنف فرع تنظيم القاعدة وارتفاع الأسعار و جيل من الشباب المحبط. العملية السياسية التي اختزلتها الصورة تبدو مفككة.

 

لأكثر من شهر حاصر الآلاف من أنصار الحوثيين، وهي جماعة شيعية متمردة تتمركز في منطقة صعدة الشمالية، حاصروا العاصمة صنعاء. نصبوا الخيام وأقاموا المسيرات وقطعوا الطرق الرئيسية، بحجة معارضتهم لقرار رفع أسعار المشتقات النفطية وفساد الحكومة. يتهم النقاد الحوثيين بمحاولة السيطرة على الحكم وتأسيس دولة شبه مستقلة خاصة بهم في الشمال.، الأمر الذي ينكره الحوثيون.

 

الحكومة في موقف دفاعي والعاصمة مشلولة والحوثيون يرفضون التراجع.  وبحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية "اليمن عند مفترق طرق هو الأخطر منذ ٢٠١١".

 

معظم التقارير تتحدث عن وجود طرفين متصارعين: الحوثيون وهم قوة محاربة مستمرة في التوسع، ويغتنمون كل فرصة متاحة للسيطرة على الأرض وعلى حصة في السلطة مستقبلاً مستغلين حالة الإحباط التي يشعر بها اليمنيون الذين لم يلحظوا أي تغيير يذكر منذ الثورة. والطرف الآخر يتمثل في الحكومة التي يقودها هادي والتي تواجه صعوبة في جمع الحوثيين وباقي الأطراف اليمنية الأخرى في عقد اجتماعي جديد.

 

هذا السرد (التقرير) لا يبسط المسألة فحسب، بل يغفل عن سيناريو محفوف بالمخاطر يتكشف على الأرض. يغيب عن الصورة لاعبين: أولا حزب الإصلاح، النسخة اليمنية لتنظيم إخوان المسلمين، وهي جماعة ذات غالبية سنية، غنية وعالية التنظيم، انضمت إلى احتجاجات ٢٠١١ وسيطرت على نصف مقاعد الحكومة الانتقالية. حزب ومنذ فترة طويلة لم يثق في الحوثيين ويتهمونهم بمحاولة إقامة مملكة شيعية على الطريقة الإيرانية في الشمال. معظم القتال الدائر في صنعاء ومحيطها لا يشارك فيه الجيش اليمني، لكن وبحسب مسؤولين أمنيين فإن ميليشيات موالية للإصلاح تشارك في القتال ضد الحوثيين المعتدين على معاقلهم.

 

اللاعب الثاني هو علي عبدالله صالح. بعد تسليمه السلطة للرئيس هادي في ٢٠١٢، أخلى صالح القصر لكنه لم يتقاعد كسياسي. وعوضاً عن ذلك ووفقاً للاتفاقية (المبادرة الخليجية) التي تبنتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، تم منحه حصانة من الملاحقة القضائية وسمح له بالاحتفاظ بلقب رئيس الحزب الحاكم. يعيش صالح اليوم في مجمع شديد الحراسة يقع في شارع شديد الازدحام في العاصمة حيث يستضيف اجتماعات يومية مع كبار الشخصيات الأجنبية و شيوخ القبائل. كثير من العسكريين ما زالوا يدينون له بالولاء.

 

يقول أنصار صالح أنه لا يتدخل في شؤون البلاد ويلقون باللوم في هذا المأزق على الرئيس هادي، الذي يقولون أنه يركز السلطة والحكم في أيادي أفراد بدلاً عن المؤسسات. لكن دبلوماسيون و أعضاء في المعارضة ومحللون تحدثوا لميدل أيست آي قدموا تفسير مغاير. صالح ليس طرف محايد وهو متورط في الصراع الدائر بحسب قولهم. ويتهمون صالح بتقديم الدعم ضمينا او بشكل مباشر للحوثيين، وهي الجماعة التي قاتلها لسنوات إبان فترة حكمه، في مسعى لإضعاف هادي ورسم طريق لعودته إلى الحكم.

 

"الحوثيون لم يصلوا إلى صنعاء بدون مساعدة صالح الذي قال لأنصاره أن يرحبوا بالحوثيين ويوقعوا معهم الاتفاقيات" كما يقول دبلوماسي مشارك في جهود المفاوضات بين الحوثيين والحكومة والذي رفض الكشف عن اسمه نظراً لحساسية الأمر.

ويضيف الدبلوماسي "استراتيجية صالح أن يورط الحكومة مع الحوثيين لإثبات أن هادي رئيس فاشل وأن الوضع خرج عن السيطرة. الوضع خطير جداً. الظروف مهيئة لعودة صالح والقيام بانقلاب والسيطرة على الحكم".

 

وبحسب مستشار إعلامي سابق للرئيس صالح ويعمل الآن كصحفي والذي تحدث لميدل ايست آي شريطة عدم ذكر اسمه عن الطبيعة الشخصية جداً لتصرفات صالح.

 

"صالح يشعر كثيراً بالمرارة. إذا قلت أن ما حدث في ٢٠١١ ثورة فإنه يغضب. هو يقول أنها انقلاب وأن خصومه هم من أطاحوا بحكمه" بحسب الصحفي.

 

ويضيف "إنه يرى كيف تجاوز الرئيس السوري الأسد محنته وكيف عاد الجيش لحكم مصر. ويفكر لماذا لا يحدث ذلك في اليمن أيضاً؟".