آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-04:38ص

ملفات وتحقيقات


حوطة لحج.. من مدينة الفل والكاذي إلى مدينة الرعب والبارود

الأربعاء - 01 أكتوبر 2014 - 11:26 م بتوقيت عدن

حوطة لحج.. من مدينة الفل والكاذي إلى مدينة الرعب والبارود
حوطة لحج.. من مدينة الفل والكاذي إلى مدينة الرعب والبارود.

لحج((عدن الغد))خاص:

 

كتب : شيماء باسيد – صالح أبو عوذل

 

الفل في حوطة لحج ..أسى ولوعة , ما أن تمر بشارع المدينة المتسخ يعبق الفل برائحته شامخا متحديا إنكسار المدينة , في لحج روائح متعددة تزكم الأنوف على الأغلب ..روائح تتنوع بين : رائحة الدم ,الموت , البارود , المجاري والقمامة , وحدها رائحة ( الفل) تنازل الجميع ببسالة , لتنتصر في الأخير رغم كل شيء. تكتظ  في المخيلة صور من التاريخ الجميل للمدينة العريقة كلما مشيت فوق إنكسار الواقع وصوره القبيحة . هذه الأيام مجاري طافحة , قمامة متكدسة في كل مكان ,عشوائية وإهمال , وحياة لا تشبه الحياة يكابدها المواطن اللحجي بشكل يومي مزعج .

 

في الحوطة يسهر الناس في انتظار المياه حتى الفجر , ويجبرون على الأرق في حين تنقطع الكهرباء لأوقات طويلة , يكابد الناس صعوبة الحياة وشراء حاجيات العيد الضرورية , يصروا على الفرح والبهجة في حين وجه المدينة شاحب وحزين . 

 

أصوات رصاص متقطعة ..يتسائل أحدهم : أهو عرس أم خطبة أو موتٌ جديد ؟ لا نعلم كيف يكون في صوت الرصاص دعوة للفرح وهو صوت الموت الذي شبعت منه هذه المدينة واكتفت . الفراغ الشاسع وغياب الخدمات والمؤسسات وتدهور العملية التعليمية وجمود الحركة الثقافية , الأدبية والفنية في المدينة  التي شكلت هوية الجنوب وقلبه الثقافي  والفني النابض , كل هذه الأسباب مجتمعة وأكثر غطت لحج بكومة من الموت والعنف اللا منتهي .

 

العيد هذا العام سيمر بهمومه كأعياد كثيرة سبقته , يتمكن هنا الناس في النجاة بفرحة العيد رغم غلاء الأسعار ومصاريف العيد الكثيرة , ( العيد عيد العافية) و ( العيد عيد الجهال) وأطفالها الذين لا يمتلكون للأسف متنزها أو حديقة ألعاب تزين بهجتهم للعيد , شبابها لا يمتلكون متنفسا لطاقاتهم المكبوتة , يهرعون لتنفيس طاقاتهم في ملاذ الموت والتطرف والعيد الحقيقي في لحج هي حين تعود مدينة محبة ومتسامحة حقيقية تضم الجميع .

 

" اغتال مسلحون مجهولون مدير أمن لحج السابق العقيد صالح شعفل , بينما كان امام منزله وسط مدينة الحوطة" , لم يكن هذا الخبر الأول الذي تناقلت وسائل الاعلام المختلفة مساء الـ30 من اغسطس المنصرم , بل هناك عشرات العملية التي تمت بنفس الطريقة. على مدى الأعوام القليلة الماضية شهدت مدينة الحوطة حوادث اغتيالات لعدد من المسولين الأمنيين والمتقاعدين العسكريين ومدنيين , حوادث اغتيال يقول رجال أمن في الحوطة أنها مدبرة وتتم بصورة خاطفة تمكن الجناة من الفرار بكل سهولة ويسر.

 

في وسط الحوطة يقف مجسم لآلة العود , تعبيرا عن ارتباط الحوطة بالفن والشعر , الحوطة أنجبت الكثير من عمالقة الفن والثقافة والإعلام والشعر , لكن لحج , تحولت بفعل مسلحين الى مدينة الرعب والبارود. لم تعد لحج والحوطة تحديدا مدينة الفل والورد والكاذي , بل تحولت الى مدينة رعب وخوف وهلع , ودماء. من على السطح في أطراف الحوطة , تشاهد بعينة منازل تبدو منكسرة وحزينة على شباب قتلوا على جنباتها برصاص مسلحين يدعون انتماؤهم لتنظيم القاعدة الجهادي. من شرفة منزلها , تتحدث الحجة نور :  " أي إسلام يتحدث عنه هؤلاء , تقتلوا اولادنا , وترعبونا , أي اسلام يتحدثون عنه ونحن نعيش في الخوف والهلع والرعب , يخرج الولد ونحن غير متوقعين انه سيعود".

 

 على الطرف الأخر يتحدث عوض , وهو شخصية اجتماعية في المدينة " قتلوا وجرحوا العشرات من شباب الحوطة برصاص مسلحين مجهولين , لا لذنب ارتكبوه , القتل بالمجان , يقتل الناس ليس لذنب  سوى انه منتسب للقوات الأمنية والعسكرية او مواطن عادي بسيط تتلفق حوله التهم بعدها لتبرر عملية القتل الجبانة .

 

في الـ8 من مايو العام الماضي اغتال مسلحون مجهولون كلا من (عقيد ركن طيار ناصر محمد عبده – عقيد ركن طيار طلال شهاب – عقيد ركن طيار محسن البغدادي) , وعلى الفور اتهمت وزارة الدفاع اليمنية عبر موقعها الالكتروني عناصر تنظيم القاعدة بالوقوف وراء عملية الاغتيال التي وصفتها الوزارة بالغادرة , مرت خمسة ايام على الحادثة ليظهر رئيس السلطات المحلية , محافظ لحج احمد عبدالله المجيدي ليتحدث عن وجود خيط مهم في الوصول الى الجناة الذين اقدموا على قتل الضباط الجنوبيين , ليتم عقب ذلك اعلان السلطات الأمنية في لحج عن ضبط متهم رئيسي في عملية الاغتيال تلك , لكن الاعلان لم ترافقه أي اجراءات حيال ضبط المتهم الذي قالت السلطات انه يلقب ب(الصاروخ).

 

يقول مسئول محلي ان " الحوطة مثلها مثل بقية المناطق تنشط فيها الجماعات المسلحة المرتبطة من وصفها بجماعة الارهاب". يوضح المسئول الذي طلب عدم نشر اسمه ان " من قدمت الجماعات المسلحة على قتلهم اما يكونوا ضباط متقاعدين او لا يزالون فوق العمل واما نشطاء ومدنيين عاديين , او من حزب المؤتمر الشعبي العام".. ملمحا الى ان " جميع من قتلوا ليس فيهم من حزب الإصلاح , وهو ما دفع مسئولي المحافظة في حيرة من أمرهم , لكن لا شك ان تلك الجماعات ترتبط بالقوى المتصارعة في صنعاء , وهي ليس همها من يكون الضحية  بل من مصلحتها إبقاء الوضع الأمني متدهورا وإبقاء الحياة للمواطنين على الهامش ".

 

السلطات المحلية – كما يقول مواطنون- لم تعد تمارس اعمالها فأكوام القمامة تغطي شوارع المدينة وسط انبعاث روائح كريهة تزكم الأنوف , محافظ لحج المجيدي لا يغادر مكتبه فهو أشبه بالخائف , تعرض لعدة محاولات اغتيال كلها باءت بالفشل. الرعب خيم على مدينة الفن والورد والكاذي فتية يرتدون  لثاما على وجوههم لا احد يعرف عنهم اي شيء , يبثون في المدينة الرعب والهلع , شباب من  أبناء المدينة كان الأجدر أن يكون في صفوف الثانوية أو الجامعة أو منخرطين بأي عمل لكسب العيش بكرامة .

 

شباب للأسف أصبحوا اليوم يكسبون عيشهم بالموت , الموت البشع لا أكثر , ذلك الذي يخيم على لحج ولن تنجو المدينة منه إلا بوعي مجتمعي ضد العنف , شراكة حقيقة وجادة مع الجهات الأمنية وبث الروح في الثقافة اللحجية المغيبة , ثقافة الفل والجمال , ثقافة الفن والأدب والفكر والعلم والثقافة  حين كانت لحج مهوى الأفئدة  والعقول ومزار الجميع , للأسف لا يزورها حاليا إلا الموت , لكنه لن يبقى طويلا .

 

وكل عام وأنتم بخير