آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:18م

صفحات من تاريخ عدن


عدن زمان: الحمار الضائع .. والحجة فطوم

الأربعاء - 22 أكتوبر 2014 - 10:28 م بتوقيت عدن

عدن زمان: الحمار الضائع .. والحجة فطوم
راجعت حمير عدن بهدوء والغريب بقت بعض الحمير في السيلة - زريبة الغنم ، وأذكر في طفولتنا كنا نذهب إلى السيلة القريبة من حارتنا – حارة القاضي ونمتطي الحمير في السيلة دون الخروج بها إلى الخارج . كان معظم أصحاب الحمير من أهل تهامة، هل أبقى البعض الحمير في السيلة وفاءً لها أو للذكرى والحكمة !

عدن((عدن الغد))خاص:

 

في عالم الحيوان عُرف الجمل والحمار في قوة الصبر والفرق بين صبر الجمل والحمار هو إن الجمل صبور ولكنه شديد الإنتقام عندما يجد الفرصة ولا ينسى أبدآ ، والحمار صبور ولكنه لا ينتقم وسريع النسيان . يا حجة فطوم كان الحمار في عدن قد لعب دورآ مهمآ في نقل الماء والبضائع. في الخمسينيات بدء الإستغناء عن حمير عدن بعد خدمة طويلة .

 

فُرشت شوارع عدن بالدامر – أي الإسفلت فأختفت الحمير من شوارع عدن وأستغني عن خدماتهم وكثرت السيارات وسيارات النقل في الشوارع . تراجعت حمير عدن بهدوء والغريب بقت بعض الحمير في السيلة - زريبة الغنم ، وأذكر في طفولتنا كنا نذهب إلى السيلة القريبة من حارتنا – حارة القاضي ونمتطي الحمير في السيلة دون الخروج بها إلى الخارج . كان معظم أصحاب الحمير من أهل تهامة، هل أبقى البعض الحمير في السيلة وفاءً لها أو للذكرى والحكمة !

 

ضحكت الحجة فطوم وقالت أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك مطبقية وشاهي وحازيني عن حمير عدن . قلت لها الحمار حيوان نافع وذُكر في كل الكتب السماوية وكان وسيلة من وسائل النقل والمواصلات ، ومن العظمة إن الحمار مسالم ويؤمن بالسلام ولم يشارك قط في الحروب بين البشر مثل الخيل والجمال وقد ظلمت البشرية الحمار بوصفه بليد وغير ذكي وهذا خطاء كبير فالحمار في غاية الذكاء وبمجرد أن يعرف خريطة الطريق يعود إلى المنزل لوحده . من المؤسف إن الحمير قد أُستعملوا كوسيلة من وسائل التهريب للممنوعات والمُكيفات إلى دول الجوار. ضحكت الحجة فطوم وقالت مسكين الحمار تحمل الهم والظلم و نذالة شُغل التهريب .

 

يا حجة فطوم : من عظمة الحمار حين أنتهى دوره في العمل أنسحب بهدوء من الخدمة في شوارع عدن في الخمسينيات دون ضجيج أو إزعاج لتجديد الليسن والرخصة – ذهب بكل شرف وكبرياء للتقاعد في السيلة - زريبة الغنم . يا حجة فطوم .. في أحد الأيام عند العصر كنا نجلس في مقهاية "العم مقبل" كنا صالح زيدان ، ياسين عرب ، خالد نوكاتي ، خالد موشجي ، نجيب عبداللاه ، وفجاءة قال لي ياسين عرب ، شوف قدامك ، قلت له ايش ، قال أنظر إلى هذا الحمار الرائع وهو يمشي ويتسكع في الحارة من وقت الظهر وأنا أراقبه ، يبان عجبته حافة القاضي . أوقفنا الحمار وبدائنا نلعب معه وشعرنا إنه مسرور بنا ، قال نجيب با نسميه "عنتر" ، أخدنا عدة أروان بالحمار وخطرت لنا فكرت تأجيره لعيال الحارة الصغار .

 

قال ياسين هذا الحمار فالتوه ليس له صاحب أنا شفته عدة مرات يتجول في الحارة ، وزريبة الغنم مليانه حمير مرضوحه بلا عمل. قررنا تبني الحمار الضائع وأقتنع الجميع بالفكرة الرائدة وسيصبح الحمار – حمار حافة القاضي وملك للجميع وأي دخل نكسبه من تأجير الحمار يوزع على الجميع. قال ياسين عرب المشكلة أين نجد "جيريش" للحمار . ضحكت وقلت له يا ياسين الحمار مش بابور ، الحمار في حاجة إلى مكان ينام فيه – أي زريبة .

 

كانت مشكلة أين نضع الحمار . يا حجة فطوم - قال خالد نوكاتي الأمر بسيط ، بيت الخالة زينب حكميه في مدخل الدرج حق البيت ومن خلف الدرج توجد مساحة كافية لنوم حمار حافة القاضي العتيد ، وفي حالة حدوث أي مصيبة أو خطاء ، فالخالة زينب عندها قلب رحيم وتحب عيال الحارة .. لا هناك مشكلة . تحرك صالح زيدان والنوكاتي إلى سوق الخضار وأحضروا بقايا الخضار والفواكه للحمار و أحضرنا بالدي للماء. أخدنا الحمار إلى درجة الخالة زينب ، وفي المساء تسللت من البيت لأتفقد الحمار فوجدته في سرور. يا حجة فطوم اليوم التالي وفي العصر قبل إخراجنا الحمار للنزهة ، رأينا منظر رهيب غريب. رأينا أحد الأشخاص من تهامة ويسكن في زريبة الغنم ، كان الرجل يمشي في الحارة ويتلفت كأنه أضاع شيئآ وأستمر في تلك الأروان في الحافة.

 

ضحكت الحجة فطوم وقالت باودتوا بالتهامي . وبعدها وقف أمامنا وقال : أسمأوا يا إويله أين أم حمارُ ما توطوا به ، شابوك أم شوكي اجيب عسكر من ام الشوكي وين حقي أم حمارُ, خلوا الصفطه وين ام حمارُ. قال ياسين عرب اسمع يا عاقل نحنا معانا سياكل لا نركب حمير ، روح بعد حالك. ذهب التهامي وجلسنا في ذهول وعرفنا المشروع كله فاشل وأكيد التهامي سوف يعود إلى الحارة ويرى الحمار مرة أخرى .

 

دخلنا في صمت عميق وتأكد لنا إن مصيبة قادمة ولكنا تسائلنا كيف عرف التهامي أننا غرمائه. وقبل أن نفيق من هول الأمر وقفت أمامنا الخالة زينب حكميه وكأن الأرض انشقت وخرجت منها ، فوقفت في صمت ونحن كذلك ثم ضحكت فجأة وضحكنا وقالت : فين أروح منكم .. كيف أسوي بكم باودتوا بي ، رقدت العصر وأني راقده سمعت صوت حمار من الدرجه ، قلت ممكن أكون أترايا ولكن زاد الصوت ونزلت وشفت الحمار وتعودت من الشيطان – وتفلت تفو إبليس .. حياطه ..حياطه ، يمكن يكون جني من الجن ، ايش جاب الحمار إلى الدرجه حقي ، وجلست مفسره طول الوقت ، وبعدين ضحكت من قلبي وقلت هذه مصيبة من مصايب عيال حافة القاضي ، أكيد العيال جابوا الحمار إلى الدرجه يخبونه عندي ، لبست شيدري وأجيت لكم قولوا لي قصة هذا الحمار.

 

وقف ياسين عرب وألقى خطبة بليغة أشاد فيها بالخالة زينب ووقوفها مع عيال حافة القاضي في الشدائد والمصايب وقص عليها قصة الحمار الضائع ومشروعنا الفاشل والتهامي صاحب الحمار الذي يدور في حافة القاضي. قالت الخالة زينب أسمعوا يا عيالي التهامي عارف إن الحمار عندكم وأعطاكم فرصة تصححوا الوضع وتجيبوا الحمار وإلا بعده با يروح شوكي عدن ، يا الله قوموا معي بانأخذ الحمار الضائع إلى السيلة , وأني با أشرح الأمر إلى التهامي وإنكم أخدتوا الحمار عطف عليه ومساعدة .

 

أخدنا الحمار إلى السيلة وأستلمه التهامي وضحك وضحكت الخالة زينب . وفي طريقنا إلى الحارة قالت الخالة زينب تعالوا عندي أشربوا شاهي و أشتي أعرف كيف تفكروا في هذه المصايب .. مرفالة عيال.

 

بقلم : محمد أحمد البيضاني

كاتب عدني ومؤرخ سياسي