آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-05:47م

ملفات وتحقيقات


خيار البحر .. تراجع في المخزون وخطرعلى التوازن البيئي !

الإثنين - 17 نوفمبر 2014 - 02:26 م بتوقيت عدن

خيار البحر .. تراجع في المخزون وخطرعلى التوازن البيئي !

عدن ((عدن الغد)) فضل حبيشي:

  قبل سنوات أصدرت وزارة الثروة السمكية قراراً حظرت بموجبه عمليات صيد وتجارة وتصدير (خيار البحر) إلى أجل غير مسمى حتى تتأكد مؤسساتها البحثية وهيئاتها الاستشارية من أن مخزون هذا الكائن البحري قد استعاد وضعه الطبيعي وعافيته ،، لكن مثل هذه القرارات لا يتم متابعتها وتنفيذها وتبقى حبراً على ورق ومجرد قرارات تتخذ وتظل حبيسة الأدراج ولا تجد طريقها إلى أرض الواقع .

        وتشير البحوث الخاصة بعلوم البحار والبيئة البحرية أن مخزون (خيار البحر) في المياه الاقليمية المحاذية للسواحل الشرقية للبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمياه المحيطة بجزيرة سقطرى شهد تراجعاً وتدهوراً بشكل مخيف خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الاستغلال المفرط والصيد الجائر ، وتؤكد هذه البحوث أن الاستمرار في اصطياده بنفس الوتيرة العالية خلال السنوات العشر القادمة سيؤدي حتماً إلى نفاد المخزون وإلى أخطار وأضرار كبيرة ستحدق بالبيئة البحرية والتوازن البيئي البحري في المنطقة .

       

      ماهو خيار البحر ؟ وكيف يعيش ؟

 

       الاسم العلمي لخيار البحر (Stichopus horrens) وهو ينتمي إلى عائلة الجلد شوكيات ، له أحجام وألوان وأطوال متفاوتة قد يصل طوله في حالات نادرة إلى المتر ، غير أن معظم أنواعه الخمسمائة تقريباً بأحجام صغيرة يتراوح طولها بين 15- 40 سم وينتشر في شتى محيطات العالم ومختلف البحار وبشكل خاص في المياه الدافئة فيما يتكاثر بوضع البيض الذي يعتبر مع كثير من صغاره غذاء أيضاً لأنواع أخرى من الكائنات البحرية .  

      

       أهمية خيار البحر وفوائده للبيئة البحرية

    خيار البحر كائن بطيء الحركة يعيش زاحفاً في قاع البحر ويتنفس من خلال ادخال وضخ المياه وإخراجها عبر عضو تنفسي يسمى (شجرة التنفس) ويقوم بابتلاع تربة القيعان وغربلتها بغرض الحصول على المواد العضوية المترسبة فيها والتغذي على المواد العضوية العالقة في المياه ، وبذلك فهو يتقلد مهاماً تشبه مهام ديدان الأرض في تنقية وتقليب التربة الزراعية حيث يساعد دوره في هذه العملية على تفكيك وتقليب القيعان الرملية وتنقيتها وكذا تنقية المياه وزيادة درجة شفافيتها ما يساعد على وصول الأوكسجين والضوء للكائنات الحية الأخرى التي تستوطن قيعان البحار ، وغيابه يتسبب في تعكيرالجوالمناسب لنمو وتكاثر تلك الكائنات وبالتالي يخل بتوازن بيئتها .

       

       طبق مفضل وفوائد طبية

      يعتبر خيار البحر من أفضل الأطباق البحرية في موائد شعوب الصين واليابان ودول شرق آسيا حيث يباع الكيلوالمجفف منه في المطابخ الشهيرة هناك بما يعادل 150 دولاراً أمريكياً وقد يزيد السعر تبعاً للصنف والجودة ، علاوة على أن مستحضراته تستخدم في التداوي من الجروح بعد العمليات الجراحية وتساعد على التخلص من الندوب الجلدية والتجاعيد والالتهابات المختلفة وحالات الروماتيزم وأوجاع المفاصل والعضلات والنزيف وضغط الدم والربو وغيرذلك من الأمراض .

 

         اصطياد فاق المعايير والحدود

       بعد زيادة الطلب على خيار البحر وبشكل جائر تجاوز كل المعايير والحدود أصاب مخزونه تدهوراً خطيراً في المنطقة الغربية من البحرالأحمر وخاصة في السواحل المصرية والسودانية إثر تعرضه لضغوطات كبيرة أدت إلى اختفائه من مناطق بأكملها ، وبعد أن تحولت هذه المناطق إلى مواقع جرداء تماماً ..  أصبح هذا النشاط رائجاً في سواحل البحر الأحمر الجنوبية وخليج عدن والبحر العربي واتجه اهتمام التجار الآسيويين ووسطائهم إلى مناطق جديدة ، وعمد الصيادون والمصدرون إلى مضاعفة مجهود الصيد لهذا الكائن البحري لمزيد من الكسب المادي .

   وفي هذا السياق ذكرت نشرات متخصصة صادرة عن الهيئة العامة لحماية البيئة ــ فرع عدن أن فريقاً متخصصاً في مسح البيئات الساحلية في البحر الأحمر قام خلال السنوات الماضية بمهمة مسح ميداني في المياه والسواحل وبالذات في البيئات الواقعة بين منطقتي اللُحية وميدي ومجموعة الجزر المقابلة ، وأكد فريق المسح في تقريره أن خيار البحر يواجه مشكلة حقيقية ويتعرض في تلك المناطق للفناء نتيجة الصيد المكثف حيث تشكل جزيرة " ذي حراب" أحد أهم مراكز تجميع وتحضير الكميات التي يتم صيدها .  وأفاد التقرير بأن مناطق الاصطياد شملت عدة جزر يمنية أهمها جزر ذي حراب ورافع ورافع بري والفشت وغيرها من الجزر المنتشرة في المنطقة الممتدة من الدويمة وحتى جنوب ميدي على الساحل الرئيسي لليمن . وأوضح أن عمليات الصيد تجري بالتتابع في هذه المناطق ، فكلما استنفد المخزون في منطقة أو حول جزيرة ما ، انتقل الصيادون إلى منطقة أخرى وهكذا دواليك ،، مضيفاً : ثم جرى الاتجاه نحو خليج عدن والبحر العربي وتركزت الضغوط في مناطق العميرة وعمران وفقم وصولاً إلى المناطق المحيطة بعدن وخلجانها الداخلية .

 

 

       اصطياد جائر

      تتم عمليات صيد خيار البحر في السواحل منطقة بعد منطقة وبشكل متواصل عن طريق الغوص بمعدات غير مناسبة ممايعرض الصيادين غير المدربين وغير المجهزين جيداً لمخاطرعديدة مثل الشلل والجلطات والموت غرقاً ناهيك عن أمراض أخرى قد تظهر لاحقاً .. ويقوم الصيادون بصيد الخيار بمختلف أحجامه دون تمييز الكبير عن الصغير أو التقيد بمواسم التكاثر أو الإلتزام بأي توجيهات حكومية .

 

          تدهور ونفاد سريع

     أدت طرق الصيد المتبعة في سواحلنا إلى تدهور سريع في أعداد وكميات هذا الكائن المسالم والمفيد للبيئة البحرية وعرقلة تكاثره ، ويتعرض الأنواع المفضلة من أنواعه للاستنفاد السريع بسبب التركيز على اصطيادها بشكل أكبر ،، وبعد الصيد يتم تجميع وتحضير المنتوج للتصدير حيث يقوم الصيادون بعمليات الفرك ونزع الأحشاء والغلي بالماء ثم التجفيف تحت أشعة الشمس .

 

            مخلفات وتدمير

    تتسبب عمليات تجهيز خيار البحر للتصدير في إنتاج كميات كبيرة من المخلفات التي ترمى في منطقة التجميع دون معالجة تذكر ، إضافة إلى مواد أخرى ومخلفات بلاستيكية وعلب معدنية مستخدمة ومستهلكة في تلك العمليات ،، وتعاني جزيرة "ذي حراب" على وجه الخصوص من هذه المشكلة حيث تتم فيها معظم عمليات التحضير .

       وفي سياق متصل يؤدي استخدام خطاطيف الرسو بصورة متكررة إلى تدمير الشعاب المرجانية التي تُدمّر أيضاً بفعل تقليبها عمداً من قبل الصيادين بحثاً عن هذا المخلوق البحري .

  

        ماذا يقول العلماء والغواصون ؟

      يؤكد علماء البيئة البحرية الأضرار المترتبة على الصيد الجائر لخيار البحر المؤدي إلى اختفائه لكنهم لا يستطيعون تقدير مداها والتي لا شك أنها أضرار كبيرة غير محمودة النتائج .غير أن النتائج التي حدثت من جراء اختفاء هذا الكائن في مناطق المحيط الهندي تظهر زيادة تعكر المياه وتحولها إلى اللون الداكن ، وأصبحت قيعان تلك المناطق البحرية بصلابة الإسمنت بعد أن كانت رخوة وبحيث أيضاً لم تعد صالحة لحياة الكائنات القاعية .

      ويقول أحد كبار الغواصين : هناك طرق كثيرة لتدمير البحر ، لكن إذا أردت أن تفعل ذلك بسرعة وكفاءة عليك أن تأخذ خيار البحر منه لتصبح المياه متسخة وبالتالي تموت بقية الكائنات ثم تنهار النظام بأكمله .

 

          إلى وزارة الثروة السمكية :

         ختاماً ندعووزارة الثروة السمكية وبالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص البيئي إلى إجراء دراسة تقييمية للوضعية الراهنة لمخزون (خيار البحر) في المياه الإقليمية والجزر واتخاذ الاجراءات الصارمة بمنع اصطياده في مواسم تكاثره وايقاف المتاجرة بمنتوجه والمتابعة الجادة لتفيذ أي قرار خاص بذلك من شأنه استعادة مخزون (خيار البحر) لوضعه الطبيعي وعافيته وبالتالي الحفاظ على البيئة والتوازن البيئي في مياهنا الإقليمية وبحارنا .