آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:19ص

ملفات وتحقيقات


الوحدة همشتها والغتها والحراك أعاد لها الأمل .. جنوبيات ينسجْن حُلم استعادة مجْدِهنّ

الأحد - 23 نوفمبر 2014 - 05:30 م بتوقيت عدن

الوحدة همشتها والغتها والحراك أعاد لها الأمل .. جنوبيات ينسجْن حُلم استعادة مجْدِهنّ
الناطق باسم المؤتمر الجنوبي الجامع هدى العطاس

كتب / ماجد الشعيبي

يحضر اسم عائشة طالب المعروفة بـ "أم صخر" كواحدة من الرموز النسوية الثورية اللواتي يعملن على خدمة المعتصمين وبشكل يومي داخل ساحة العروض  وسط مدينة عدن .

 

منذ  ليلة الاعتصام الأولى سارعت عائشة طالب إلى العمل ضمن لجنة الخدمات طوعياً وبرفقتها عدد من الناشطات الجنوبيات اللواتي يعملن بشكل دؤوب داخل الساحة .

 

كانت "أم صخر" وبرفقتها "نيران سوقي" -ناشطة شابة- يتنقلْن بين الخيم  لتسجيل  أرقام المخيمات وعدد المرابطين فيها بغرض إنشاء قاعدة بيانات خاصة باللجنة الإشرافية للتواصل ولتوفير  الوجبات اليومية عبر الكروت التي تصرف لكل المخيمات.

 

لا يغيب اسم "أم صخر ونيران" من أي عمل  ثوري أو مجتمعي ، فأين ما ذهبْت  ستجدهن أمامك يعملن  جنبا إلى جنب مع الرجل  في مختلف الأعمال وهذا ما أكدته "أم صخر"  بأن دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل .

 

تقطع "أم صخر" ورفيقتها "نيران" المسافات الطوال وسبق لهن التنقل بين المحافظات الجنوبية للمشاركة في فعاليات مركزية نظمها الحراك الجنوبي في وقت سابق.

 

تتحدث "أم صخر" عن معانة المرأة الجنوبية منذ العام 90  فكل الامتيازات التي كانت تحظى بها المرأة في الجنوب  ألغيت عقب صيف 94 ، وبدأت المرأة فصول من المعاناة لم تنته  حتى الآن .

 

قدمت المرأة الجنوبية الكثير إلى جوار الرجل في ثورة الجنوب فهن كما تقول عائشة طالب أم للشهيد وأخت له وهناك أيضاً شهيدات كثر سقطن في مسيرات واحتجاجات للحراك في أعوام متفاوتة ، على سبيل المثال ندى شوقي ، وفيروز ، عافية ناصر ، والكثير من النسوة اللواتي لم يغبن عن المشهد النضالي في الجنوب ويقدمن كل ما بوسعهن من أجل  التحرر .

 

أم صخر وهي عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الأعلى للحراك تحدثت عن رؤى مستندة على قاعدة علمية طرحها الحراك وحزب الرابطة وقد اطلعت عليها في وقت سابق.. قالت أم صخر أنها لم تُهمش المرأة كشريك أساسي في الثورة وفي بناء الدولة الجنوبية القادمة التي تتمنى أم صخر أن تحظى المرأة فيها على مكانة أفضل مما كانت عليه قبل العام 90 .

 

طالت "أم صخر" وغيرها من الناشطات  في مدينة عدن حاضرة مدن الجنوب عدد من الاعتداءات  والحوادث التي لا تقتصر على الرجال فقط.

 

وحينما نتحدث عن الثوريات في الجنوب لا يمكن لنا تجاوز اسم "زهراء صالح "  كواحدة من المناضلات التي دفعت ثمن نضالها كثيراً بعد تعرضها لعملية اغتيال بُترت على إثرها قدمها اليسرى وأصيبت اليمنى بجروح كبيرة .

 

زهراء صالح  وبرغم من إعاقتها الحالية إلا أن ذلك لم يمنعها من مواصلة مشوارها النضالي وبطرق أخرى تتوائم مع وضعها الصحي ، فتجدها في أكثر من مناسبة على كرسيها المتحرك  داخل الساحات وما إن تصل صالح إلى الساحة حتى تشاهد شباب جنوبيين حولها يتفقدون صحتها ويأخذون منها النصائح .

 

وعلى الرغم من تهميش المرأة  الجنوبية خلال عقدين من الزمن إلى أن الكثيرات ومن خلال انخراطهن في صفوف  الحراك الجنوبي  يناضلن بكل بسالة  أملا في أن تكون هذه المشاركة بداية لاستعادة مجد دولة الجنوب ومجدهن  في دولتهن المدنية القادمة.

 

هدى العطاس : المرأة الجنوبية هُمّشت عشرين سنة وأقصيت

تمثل الناطق باسم المؤتمر الجنوبي الجامع هدى العطاس رمزاً لمشاركة المرأة في الثورة وفي صياغة  ملامح الدولة الجنوبية القادمة، فهي واحدة من الوجوه التي تناضل من أجل  بناء دولة جنوبية تنعم فيها المرأة بحقوق وحريات  متكافئة مع الرجل.

 

هدى العطاس -أستاذة جامعية وأديبة معروفة - قالت في مداخلة سابقة لها إن تجربة الاتحاد التي خاضها الجنوب مع الشمال دمرت المكانة العظيمة التي نالتها المرأة في المجتمع الجنوبي سابقا داعية إلى ابتعاث روح الجنوب وبنائه اجتماعياً من جديد, متهمة الشمال بممارسة ما أسمته "تدمير الذهنية الجنوبية وموقف الرجل الجنوبي من المرأة الجنوبية" عقب العام 1994.

 

تتذكر هدى العطاس  وهي في الخامسة من عمرها كيف كانت تشارك قريبات لها في وادي دوعن بحضرموت مسقط رأسها ضمن حملة تعليم إجباري على النساء, قالت إن النساء "استطعن من خلالها أن يتعلمن القراءة والكتابة, فيتراسلن, ويكتبن ويقرأن, ويتثقفن", وأشارت إلى حملات محو الأمية التي فرضت تحت مسميات "مدارس البدو الرحل" قالت إنها "أخرجت كثيراً من القبائل إلى نور التعليم".

 

وتواصل هدى سردها بقولها "كان درج الفتاة إلى جانب الفتى, لكن مساحة كبيرة من الاحترام تفصل بين الاثنين كإخوة", واتهمت ما قالت أنه "مد وهابي وليس إسلامي قام الشمال بتصديره إلى الجنوب خصوصاً, ولم يتم تصدير المذهب الزيدي".

 

وقالت إن "الوضع البائس للمرأة في الشمال سحب نفسه على الجنوب, بعد العام 1994" وأشارت إلى سعي حثيث لحزب التجمع اليمني للإصلاح حينها للسيطرة على وزارة التربية والتعليم عقب الحرب, في إشارة إلى أجندة مذهبية خاصة بالتجمع.

 

واعتبرت أن "الضربات تتالت عقب ذلك على المرأة في الجنوب تحديداً" لكنها رفضت تبرئة الجنوبيين من مسؤولية الأوضاع التي تلت الحرب, وأشارت إلى أن انهيار الدولة في الجنوب عقب الحرب أدى إلى انهيار هذه القيم, لأن (القيم) كانت خطاباً فوقياً, ولم تتجذر طوعياً في الجنوب.

 

وقالت إن "انسحاب المرأة الجنوبية من كل الميادين أدى إلى بروز النساء الشماليات, لأن الجنوبيات تركن الساحة لهن", وأضافت أن تمييزاً مارسته السلطات في المنح الدراسية والبعثات بصورة عامة على الجنوبيين حيث استأثر الشمال بهذه المنح الدراسية .

 

وتساءلت عن "النساء الجنوبيات الرائدات أين هُنّ؟ لماذا لم يحيي الجنوبيون نساءهم؟".

 

وقالت إن المرأة في الجنوب كانت "يدها بيد الرجل, مع مساحة كبيرة من الاحترام, التقدير أن أعرف أنك تحترمني وأنا أمامك, وليس وأنا متخفية بألف حُجُب, وأنت متخفي بألف حُجُب", وهذه من تقاليد الجنوبيين".

 

وأكدت هدى العطاس في صياغ كلامها أن "المرأة لا تحتاج كيانات منفصلة, المرأة الجنوبية همشت عشرين سنة وأقصيت, هي بحاجة لمشاركة الرجل".

 

وقالت إنه "بعد 94 تم قيادة حملة شديدة لضرب الناس, وتدمير الذهنية الجنوبية وموقف الرجل الجنوبي من المرأة الجنوبية, كانت النساء يُضربن مع أزواجهن لأنهن في السواحل, هذا هو تدمير البنية الذهنية".

 

وأضافت "نريد ابتعاث روح الجنوب وبنائه اجتماعياً من جديد, أنا على ثقة أن الجنوب نقي في نواته, ومهما حصل من ممارسات تدمير ستسقط بسقوط المحتل, وهو قريب بإذن الله".

 

وقالت العطاس "لسنا فرع, بل نحن أصل والرجل أصل, وعلى الكيانات السياسية أن تكف عن معاملة المرأة كتابع".

 

وأشارت إلى أن الشمال سعى جاهداً لكي يغير بنية الجنوب الاجتماعية عبر ضرب قانون الأحوال الشخصية الذي كان يُعمل به في الجنوب والذي قالت إنه كان يوفر عنصر حماية كبيرة للمرأة عبر حمايتها من الاستغلال والاضطهاد.

 

وضع المرأة في دولة اليمن الديمقراطي

لقد ضمن دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حقوقاً متساوية للمرأة والرجل، حيث نص على الآتي: "تضمن الدولة حقوقاً متساوية للرجال والنساء في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفر الشروط اللازمة لتحقيق تلك المساواة.

 

 وتعمل الدولة كذلك على خلق الظروف التي تمكن المرأة من الجمع والمشاركة في العمل الإنتاجي والاجتماعي ودورها في نطاق الحياة العائلية و تعطي المرأة العاملة رعاية خاصة للتأهيل المهني.

 

 كما تؤمن الدولة حماية خاصة للنساء العاملات والأطفال وتقوم بإنشاء دور الحضانة و رياض الأطفال و غير ذلك من وسائل الرعاية كما يبين القانون"، ورُوعِيت هذه الحقوق في القوانين النافذة، وتحديداً في "قانون العمل" و"قانون الأسرة"، فمثلاً حدد قانون الأسرة رقم (1) الصادر عام 1974م في اليمن الديمقراطية سِن الزواج للرجل ب(18) سنة والمرأة ب(16)، وهو الأمر الذي يثير اليوم جدلاً عُرف بزواج القاصرات، تحت دعاوى دينية لا أساس ديني ولا أخلاقي لها، كما حدد المهر بما لا يزيد عن ألفين درهم، وكثير ممن ولدوا قبل 22 مايو 1990م لا يسعهم إلاَّ الثناء على هذا القانون الذي وفر لآبائهم فرصة الزواج والإنجاب، وهو ما لم يأخذه به قانون الأحوال الشخصية بعد العام 90، ووضع الأمر للمزايدة  والمزاد العلني.

 

كما منع "قانون الأسرة" تعدد الزوجات، وأجاز زواج الرجل بأخرى في حالة أنه ثبت لدى الزوجة الأولى المرض المزمن أو المعدي أو العقم بتقرير طبي، كما منح القانون الحق للمرأة بإبداء رأيها بقبول الزواج أو رفضه.

 

كما ضمن القانون للمرأة الأم حق الانتفاع بمسكن الزوجية مثلها مثل الرجل في حالة الطلاق، والتضمين القانوني لمثل هذا الحق للمرأة، حد من عملية الطلاق من ناحية، وحمى المرأة المُطلَّقة وأطفالها من شر التشرد والضياع.

 

وقد جاء "قانون الأحوال الشخصية" رقم (20) الصادر عن مجلس الرئاسة عام 1992م بقرار جمهوري ليلغي فعلياً قانون الأسرة، رغم ما أتفق عليه أثناء الوحدة بالأخذ بالأفضل من الأنظمة والقوانين واللوائح، وقام المُشرَّع اليمني بإجراء بعض التعديلات الطفيفة على عدد من القوانين التي كانت نافذة في الجمهورية العربية اليمنية من ذلك، قانون المواريث الشرعية، وقانون الأسرة وقوانين أخرى وصبَّها في قانون واحد عنوانه (قانون الأحوال الشخصية)، ورغم ما طرح على القانون من ملاحظات من قبل قانونيين وأعضاء في مجلس النواب ومثقفين ومنظمات مجتمع مدني، من حيث أولاً؛ صدوره عن مجلس الرئاسة، في الوقت الذي هناك مجلس تشريعي هو مجلس النواب يقع على عاتقه التشريع وإصدار القوانين، وثانياً؛ على ما ورد به من بنود ينتقص من حقوق المرأة وحريتها.

 

فمثلاً عَرَّف "قانون الأحوال الشخصية" الزواج بأنه "ارتباط بين زوجين بعقد شرعي تحل به المرأة للرجل وغايته تحصين الفروج وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة"، في حين عرَّف "قانون الأسرة" الجنوبي الزواج بأنه "عقد بين المرأة والرجل متساويين في الحقوق والواجبات، أساسه التفاهم والاحترام المتبادل، وغايته خلق الأسرة المتماسكة، باعتبارها اللبنة الأساسية للمجتمع"، فالأول يتعامل مع المرأة والرجل كجهازين وظيفيين، بينما يرى الآخر بالرجل والمرأة عنصرين بشريين عاقلين متساويي الحقوق والواجبات، ويرى في الزواج خلق أسرة متماسكة.

 

كما أن "قانون الأحوال الشخصية"، لم يعط عند عقد الزواج، للمرأة حرية القبول والإيجاب، بل أعطى الحق في ذلك لوليها، كما لم يعطها الحق في طلب فسخ الزواج في حالة رفضها وجود الزوجة الثانية لزوجها، ولم يحدد القانون نفسه أيضاً المهر كما هو الحال في قانون الأسرة الجنوبي.

 

ورغم ما ورد من ملاحظات على "قانون الأحوال الشخصية" رقم (20) الصادر عن مجلس الرئاسة عام 1992م، فقد عُدل هذا القانون بما هو أسوأ، بالقانون رقم (37) 1998م، حيث أعطى الحق لولي أمر البنت بعقد الزواج في أي سن حتى وإن كانت في المهد كما ألغى عند الزواج بأخرى شرط المصلحة المشتركة بين الزوجين، ولم يُعِد النظر في قضية تعدد الزوجات أو حتى إيراد أسباب الجمع بين أربع زوجات.

 

ومما يذكر أن التعليم في اليمن الديمقراطية، كان يسعى إلى خلق شخصية متكاملة ومتجانسة عند الجنسين إناثاً وذُكوراً، حيث كان يُعطي للمواد العلمية والاجتماعية قدراً كبيراً من الاهتمام، وكانت للرياضة والموسيقى والهوايات من رسم وأشغال يدوية والزراعة نصيب كبير، كما كانت تقام رحلات ترفيهية للدارسين والدارسات، مما جعل من المدرسة مؤسسة تعليمية وتربوية جاذبة لا طاردة كما هو حاصل اليوم.

 

وقد كان للتعليم المختلط على المستويات كافة، من الابتدائية إلى الجامعة أثره الكبير في خلق جيل سوي ومتوازن، شجع على التنافس البيني، بين الفتيات، وبين الأولاد، وبين الفتيات والأولاد. وما زال الجيل السابق في الجنوب يتذكر بعضه البعض بكل الود والاحترام.

 

وبحسب ناشطات في المجتمع المدني فإن التجربة اليمنية للمرأة بعد الوحدة من أسوأ التجارب على الإطلاق حيث شهدت تراجعا جديا عن انجازات سابقة كانت قد حققت للمرأة في الجنوب قبل العام 90، فقد كان قانون الأسرة في جنوب اليمن يعتبر القانون الثاني بعد القانون التونسي .

 

وتسعى المرأة في الجنوب إلى استعادة مجدها عبر استقلال دولة الجنوب التي تمثل بالنسبة لها المخرج الآمن والوحيد لحياة كريمة دون تمييز.