آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-06:25م

أخبار عدن


لطفي جعفر أمان أنموذجا ..(احتفاء بالذكرى الثالثة والاربعين لرحيله في 16 ديسمبر 1971)

الخميس - 18 ديسمبر 2014 - 01:01 م بتوقيت عدن

لطفي جعفر أمان أنموذجا ..(احتفاء بالذكرى الثالثة والاربعين لرحيله في 16 ديسمبر 1971)
الشاعر لطفي جعفر أمان

كتب: أ.د. مسعود سعيد كرامة عمشوش

أولا: النشاط الترجمي في عدن:

هناك من يردد أن البريطانيين، بعكس الفرنسيين، لم يسعوا إلى فرض ثقافتهم الإنجليزية في تلك البقاع التي استعمروها. وفي الواقع، نعتقد أن هذا الرأي بحاجة إلى تمحيص وتدقيق، وربما إعادة نظر  فإذا كان من المؤكد أن أهم أهداف الاستعمار البريطاني لعدن كانت، في المقام الأول، اقتصادية وتجارية وعسكرية، وأن احتلال بريطانيا لعدن في عام 1839، كان يهدف إلى تأمين طرق أساطيلها الحربية والتجارية، فهذا لا يعني أبدا أن بريطانيا قد تركت عدن في الثلاثين من نوفمبر 1967، ثقافيا واجتماعيا، كما يوم دخلتها في التاسع عشر من يناير سنة 1839م.

 

لكن يبدوا أن القول بأن الاستعمار البريطاني لم يكن ثقافيا قد شجّع معظم الذين كتبوا عن تاريخ الوجود البريطاني في عدن إلى عدم الالتفات إلى الأثر الثقافي الذي تركته بريطانيا في عدن ومحمياتها.

ومع ذلك يمكن أن نلمس أن عددا من الباحثين الجادين قد قاموا برصد بعض اهتمام المثقفين اليمنين بالآداب الأجنبية، وتبين لهم مدى غلبة الثقافة الانجليزية في عدن بين عام 1850 وعام 1967، وسبب ذلك سعي الانجليز إلى نشر ثقافتهم في المستعمرات، وتشجيعهم لحركة النشر والترجمة حيث قاموا بتأسيس مكتب النشر في عدن عام 1939 برئاسة ستيوارت بيراون ونائبته فريا ستارك.

 

وفي عام 1941 افتتحوا في عدن أول مركز ثقافي بريطاني في الجزيرة العربية، ومن المؤكد أن الوجود البريطاني في عدن قد ساعد على تعزيز العلاقة أدباء اليمن ومثقفيها والأدب الإنجليزي، ومكنهم من الإسهام في حركة الحداثة العربية، أدبيا.

وقد أشار الدكتور عبد العزيز المقالح في بداية أطروحته عن (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن، دار العودة 1974 ص393) إلى أن عددا من الشعراء في اليمن، وفي جنوب البلاد خاصة، قد ألموا إلماما جيدا باللغة الإنجليزية نتيجة لوجود الاحتلال البريطاني في عدن". ويرصد الدكتور المقالح منذ تلك الفترة بعض المحاولات التي يقوم بها بعض الشعراء اليمنيين للاقتراب من الشعر الأجنبي بشكل مباشر. فهو يقول "وفي المرحلة الأخيرة عندما بدأ الشعر في هذا القطر يأنس في نفسه القدرة على الانطلاق وبدأ أبناؤه من الشعراء يشعرون بواجب المشاركة في إثراء القصيدة العربية، أقبل القادرون منهم على بعض الترجمات وأخذت اهتماماتهم الأولية تؤتي ثمارها وبدأت من حين إلى آخر تظهر بعض الترجمات الشعرية لقصائد شعراء عالميين أمثال ناظم حكمت ولوركا وماوتسي تونغ وإليوت غيرهم" (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن، ص 393)

وبعد عشر سنوات من نشر كتاب (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن) أصدر الدكتور عبد العزيز المقالح كتابا عن (أوليات النقد الأدبي في اليمن 1939-1948، دار العودة بيروت 1984) تناول فيه بالتحليل محتوى بعض الصحف والمجلات اليمنية التي صدرت في تلك الفترة. ولاحظ أن من أبرز المحاور التي تضمنتها مجلة (فتاة الجزيرة) منذ بداية صدورها في عدن عام 1940: "خواطر وانطباعات عن الأدباء العالميين: شكسبير وإليوت ورودزورث وسومرست موم وليو تولستي وطاغور" ص 67.

ويربط المقالح بدايات النقد الأدبي في جنوب اليمن بالنشاط الترجمي الذي ازدهر في عدن في منتصف القرن الماضي. وبما أن هدفنا هنا يختلف عن هدف الأستاذ عبد العزيز المقالح الذي كان في دراسته يبحث عن أوليات النقد في اليمن، فأننا نرى في تلك المقالات ما يؤكد انفتاح الأدباء اليمنيين في عدن في تلك الفترة على الآداب الأجنبية وهذا ما يؤكده الأستاذ المقالح نفسه في كتابه. فهو بعد أن استعرض مقالة نشرها الناقد عبد الرحيم لقمان في العدد السابع والعشرين من مجلة (فتاة الجزيرة 1941) يستنتج أن تلك المقالة "تؤكد العمق النسبي في ثقافة صاحبها واطلاعه الواسع على الآداب العربية والأجنبية، مما يبشر بظهور مشروع ناقد على قدر كبير من الفهم لضرورة الإبداع والتنظير" ص82.

 

ونتيجة لذلك اضطر الأستاذ عبد العزيز المقالح أن يقف أمام بعض ملامح العناصر المكونة لثقافة الأديب اليمني في جنوب اليمن في تلك الفترة، ورأى أنها "ثقافة أسهمت اللغة الإنجليزية فيها بدور واضح سواء على مستوى الإبداع أو على مستوى توصيف الإبداع. وهي لذلك ثقافة مزيج من التأثر بالأدب الإنجليزي والأدب العربي القديم والحديث. وذلك ما كان يخالف عليه الحال في شمال الوطن حيث كانت الثقافة العربية التقليدية هي حجر الزاوية وإلى حد ما الثقافة العربية المعاصرة". (أوليات النقد الأدبي في اليمن 1939-1948، دار العودة بيروت 1984، ص87)

وفي (الشعر بين الرؤيا والتشكيل، ص213-215) يطرح الدكتور المقالح قضية تأثر الشعراء اليمنيين بالرومانسية مرة أخرى عند تناوله لقضية استيعاب الرومانسية عند الشاعر اليمني لطفي جعفر أمان للمذهب الرومانسي؛ (ص 217) ويكتب: "وقد نهل لطفي أمان من الرومانسيين في الشعر الإنجليزي وقرأ مختارات من ألأدب الإنجليزي القديم والحديث".وبعد عشر سنوات من نشر كتاب (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن) أصدر الدكتور عبد العزيز المقالح كتابا عن (أوليات النقد الأدبي في اليمن 1939-1948، دار العودة بيروت 1984) تناول فيه بالتحليل محتوى بعض الصحف والمجلات اليمنية التي صدرت في تلك الفترة.

ولاحظ أن من أبرز المحاور التي تضمنتها مجلة (فتاة الجزيرة) منذ بداية صدورها في عدن عام 1940: "خواطر وانطباعات عن الأدباء العالميين: شكسبير وإليوت ورودزورث وسومرست موم وليو تولستي وطاغور" ص 67. ويتساءل المقالح عن مدى حجم الأبعاد الترجمية فيما يكتب من نقد أدبي في تلك المجلات والصحف التي كانت تنشر في عدن في الأربعينيات من القرن الماضي قائلا (ص86-87): "منذ بدأت في رصد المعطيات الأولى في النقد الأدبي في جنوب الوطن وجدتني أعاني من حيرة عظيمة تمنعني من الاقتراب من تلك المحاولات النقدية التي تتناول بالتفسير والتحليل أعمال بعض كبار الكتاب والشعراء العالميين أمثال تولستوي وشكسبير ووردزورث وبايرون وكييتس وشلي والأخوات برونتي وطاغور وغيرهم، فهي وإن كانت مكتوبة بأقلام يمنية وتشكل جهدا نقديا في تقييم آداب الأمم الأخرى، إلا أن أسئلة كثيرة تراود الباحث لا عن القيمة النقدية لهذه المحاولات في حد ذاتها، وإنما عن المدى الذي لعبته الترجمة والنقل الحرفي مما قد يجعلها جزءا من حركة الترجمة وليس جزءا من الحركة النقدية اليمنية في بداية تكوينها".

 

 ثانيا: لطفي مترجما:

يعد لطفي من أغزر شعراء عدن في مرحلة ما قبل الاستقلال. و كان (بقايا نغم 1948) باكورة دواوينه، ثم توالت دواوينه " ليالي 1960 وقد "صاغه" باللهجة العدنية"، و"كانت لنا أيام1962)، و(ليل إلى متى1964)، (إليكم يا إخوتي 1969) و(الدرب الأخضر 1970). وقد تحدث الأستاذ علوي عبد الله طاهر، في كتابه (لطفي امان دراسة وتاريخ، مؤسسة دار الكتاب الحديث بيروت1996، ص42)، بشكل مسهب عن الثقافة الإنجليزية التي اكتسبها الشاعر لطفي أمان، قائلا:

"تمكن الشاعر لطفي جعفر أمان من إجادة اللغة الإنجليزية، وعن طريقها ومن خلالها أتيحت له فرصة الاطلاع والتعرف على روائع الأدب الإنجليزي في أصوله ولغته، وهذه الميزة لم تتوفر لكثير من الشعراء الرومانسيين العرب الذين قرأوا جزءا من هذا الأدب مترجما إلى لغتهم، وبعد أفقدته الترجمة قدرا من الروعة والفخامة والإيحاء".

 

ومن المؤكد أن لطفي جعفر أمان قد مارس الترجمة خلال تدريسه لمادة اللغة الإنجليزية في مدارس عدن. ومارس الترجمة أيضا في بعض مقالاته ودراساته التي نشرها في الصحف والمجلات. ففي عام 1960 مثلا، نشر لطفي جعفر أمان في (مجلة المعلم، ع7، يوليو-ديسمبر، ص 26-29)، دراسة نقدية قصيرة بعنوان (الصور في الشعر الغربي)، وضمنها أبعادا ترجمية واسعة، إذ أنه يستشهد فيها بعدد كبير من أبيات الشعر الإنجليزي، التي يقوم بترجمتها، تارة شعرا وتارة نثرا.

 

في بداية الدراسة يورد هذين البيتين دون ذكر قائلهما:

The Weary day turned to her rest

Lingering like an unloved guest

ويترجمها نثرا على النحو الآتي: "وتراخى النهار المنهوك ليخلد للسكون

ثقيلا بطيئا... كضيف بغيض...!!" (د. أحمد الهمذاني، دفاعا عن لطفي جعفر أمان، ص 292)

 

ثم يورد هذه الأبيات:

"A noise like a hidden brook

In the leafy month of June,

That to the sleeping woods all night,

Singing a quit tune".

 

وترجمتهما الآتية:

"صوت... كخرير جدول مغمور

في شهر حزيران المورق

ينغم أحانه الخافتة

على مسمع الغابة النائمة

طوال الليالي..!!". (المرجع نفصه، ص293)

 

ويورد الأبيات الأتية دون الإشارة إلى الشاعر:

Are those her sails that glance in the sun "

Like restless gossamers"

 

ويترجمها نثرا على النحو الآتي:

"أتلك أشرعتها التي ترمق الشمس في وضح النهار كعزف النبات الطافي بلا قرار؟" ص294

ثم يورد لطفي هذا المثال الآخر من الشعر الإنجليزي

"With heavy thump, a lifeless dump

They dropped down one by one".

 

ويترجمه هكذا:

"بهدة ثقيلة ككتلة مجمدة

انطرحوا واحدا ..واحدا..!" 294، الهمذاني ص295.

ويورد لطفي هذين البيتين للشاعر إزرا باوند:

O lip ,curved high

To mind me of some urn full of delight

 

ويترجمهما لطف شعرا على النحو الاتي:

"يا حسنها من شفة تقوست لأعلى

كأنها بلذتي كأس رحيق تملى"

ثم أورد هذه الأبيات الأخرى للشاعر Eliot T.S.

Red Sails"

Wide,

To leeward

Swing on the heavy spar"

 

وترجمهما شعرا هكذا:

"أيتها الأشرعة العريضة الحمراء

تحدو بها في سيرها الرياح والأنواء".

 

"I am one that converse more with the buttock of the night than with the forehead morning"

وقد ترجم الجملة على النحو الآتي: "أنا واحد من الذين يؤثرون أن يخاطبوا أرداف الليل على جبين الصباح". (الهمذاني، ص296)

من خلال التمعن في هذه النماذج من ترجمات لطفي العربية يتبيّن لنا في أن بعضها يدخل في إطار الشعر الحر، بينما يدخل جزء آخر منها في إطار الشعر المنثور. ونذكـّر هنا أن لطفي جعفر أمان، الذي يعد أحد أبرز رواد شعر الرومانسية في اليمن، يعد أيضا أحد أوائل الشعراء اليمنيين الذين اعتمدوا شعر التفعيلة. وقبل ذلك، كان قام بمحاولة مبكرة في كتابة (الشعر المنثور)، لذلك فهو بحق واحد من رواد قصيدة النثر في اليمن.