آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-08:27م

فن


كيف غيّر مسلسل (عائلة سمبسون) الكرتوني الأمريكي دور التلفاز

الأحد - 21 ديسمبر 2014 - 09:58 م بتوقيت عدن

كيف غيّر مسلسل (عائلة سمبسون) الكرتوني الأمريكي دور التلفاز

((عدن االغد))bbc

يدخل المسلسل التلفزيوني الكرتوني الأمريكي الرائد "عائلة سمبسون" عامه الخامس والعشرين. الصحفي الفني ستيفن دولِنغ يلقي الضوء على أسلوب الفكاهة الثوري الذي قدمه كُتّاب المسلسل.

ما هو الرابط المشترك بين جميع هذه الأعمال الفنية: عائلة فلينتستون، والسيرك الطائر لمونتي بايثون، وبرادي بانتش، وفرقة نادي القلوب الوحيدة لسارجنت بيبر؟ وكذلك أفلام ومسلسلات الرعب التقليدية: كابوس في شارع إلم ستريت، ودكتور سترينج-لوف، و فرقة "الرجل الأزرق" المسرحية، ومسلسل التجسس الساخر في ستينيات القرن الماضي، "كن ذكيا"؟

كان عليك الاهتمام عن كثب بمسلسل "عائلة سمبسون" عبر السنين الخمس والعشرين الأخيرة لكي تلاحظ ما يربطها جميعا. فكل هذه الأعمال الفنية تفتتح في كل حلقة بمشهد تقليدي لأريكة ما، ويعد الاهتمام بالتفاصيل هو أحد أسباب نجاح المسلسل (مما ساعد، جزئياً، على زيادة جمهوره الواسع).

"لقد غير مسلسل الرسوم المتحركة الشهير لمبتكره مات غرونينغ أسلوب التلميحات القوية الساخرة الى شكل من أشكال الفنون. فمنذ بدايته، كان المسلسل يحشد بانتظام تلميحات عابرة عن أمور ثقافية وحضارية رفيعة أو متدنية المستوى،" وفقا لما كتبه دارِن فرانيك في مجلة "إينترتينمينت ويكلي".

بدأ مسلسل "عائلة سمبسون" كنسخة محدّثة من مسلسل سابق بعنوان "عائلة فلينتستون"، وكانت هذه الرسوم المتحركة ومواقفها تُشاهد في أوقات الذروة في فترة الستينيات، فوضعت مقاييس جيدة لعروض فكاهية في إطار العصر الحجري. حتى أن فكرة غرونينغ كانت تمثل إشارة إلى شيء ما تعرّف عليه جمهور المشاهدين منذ نعومة أظفارهم.

في السنين الأولى من عرض مسلسل "عائلة سمبسون" صُوِّرت الرسوم المتحركة بشكل أكثر فجاجة، ولم تكن الأصوات تُفهم بشكل واضح، وكان كاتبو نصوص حلقات المسلسل لا يزالون يبلورون شخصيات العائلة. وكانت هناك إشارات للبحث عن ثقافة البوب في حلقات المسلسل.

إلا أنه في السنة الثالثة (1991-1992) بدأ المسلسل يحقق اهتماما ملحوظا، ما أمكن القول إن هذا المسلسل الساخر قد أصبح الأفضل طوال ذلك العقد.

تلخص الأمر بشكل نموذجي في افتتاحية حلقة "صديق بارت يقع في الحب"، حيث يسرق بارت سمبسون جرّة نقود معدنية صغيرة من والده الذي غلبه النعاس. كان المشهد بأكمله محاكاة ساخرة بهيّة لافتتاحية ستيفن سبيلبيرغ في "سارقو التابوت الضائع" (كان هذا المشهد الأصلي نفسه يجسد حفلات الصباح المتقلبة أيام السبت التي كان سبيلبيرغ يعشقها).

ويتبعها هومر سمبسون بمطاردة ملحمية نازلاً على درجات السلالم بضوضاء صاخبة. ويبقى ذلك المشهد، بعد مرور أكثر من 20 سنة، تجسيدا لإحدى اللحظات العظيمة للمسلسل التي تجعلك تضحك بصوتٍ عال.

ملصقات الرسوم المتحركة

لكل معجب بمسلسل "عائلة سمبسون" ملصقه المفضّل، وبالنسبة لي، كل حلقات السنة السادسة وأولى حلقات السنة السابعة، في حلقات "من أطلق النار على السيد برنز؟". إنها تكريم لمدينة دالاس، وفي نفس الوقت تحوي إشارات إلى "ملوك مامبو" وفيلم "الدوار" لمخرجه هيتشكوك، ونزيل زنزانة هومر، الدكتور كولوسّس.

إلا أن الإشادة الثابتة لمسلسل "عائلة سمبسون" هي أنه أكثر من مجرد كونه مجموعة نكات عن ثقافة البوب الأمريكية، حتى إذا لم يشتمَّ عشاقها العريقون رائحتها العبقة لوقت طويل مضى.

يقول كريستوفر إيرفينغ، مؤرخ وكاتب عن ثقافة البوب "استحوذ مسلسل ’عائلة سمبسون‘ (بتلميحاته الساخرة) على الساحة بكونه عرضاً جيداً. إنه بتلك البساطة: لم يُبنى المسلسل حول المحاكاة الأدبية والساخرة والتلميحات لثقافة البوب، فهو يُعنى بالعلاقات، وهذا ما جعلنا نصدق أفراد عائلة سمبسون ونحبهم."

يعتقد إيرفين أن المسلسل يحتفي أيضاً بما يعرف بثقافة "الهوس" بكل جديد التي يعشقها بوضوح كُتّاب ومؤلفو المسلسل. فبينما يلاحظ معظم الناس الإيحاءات التي يُشار إليها عن أفلام "حرب النجوم"، و"الفك المفترس"، توجد أيضا تلميحات عديدة تخاطب جمهوراً محدداً جداً.

ويضيف إيرفين "يا إلهي، انظر إلى المعجب بقراءة مجلات الرسوم المتحركة؛ من المؤكد أنه يسخر من النمط المتكرر، والمقولب للمهووسين بمجلات الرسوم المتحركة، ولكن المسألة مقبولة لأن هناك الكثيرين من أمثاله في حياتنا الواقعية. إن جانب ’ثقافة الهوس‘ التي يعرضها المسلسل لم يكن ليُكتب لها النجاح لو لا إشراك أناس حقيقيين عند تسجيل أصوات الضيوف وقت إخراج الحلقات."

يعتقد مؤرخ الثقافات البريطاني كريستوفر كوك أن لمسلسل عائلة سمبسون روابط قوية بالماضي وليس فقط بالتلفزيون. ويقول كوك "يمكنك القول إنها بالفعل استراتيجية وضعها فنانو البوب –ريتشارد هاميلتون، وروي ليخنشتاين، وآندي ورهول، على سبيل المثال. ومع ذلك، يبدو لي أنه مسلسل تلفزيوني يحتضن حقاً هذه الفكرة."

ويضيف كوك "كان غرونينغ قد ابتدأ حياته المهنية كرسام كاريكاتير. ربما يكون مُهماً ان غرونينغ أوجد ’عائلة سمبسن‘ لكي يتجاوز بها أعمالاً لأمثال ليخنشتاين."

ويتابع "إلا أني أوصي أيضاً بمشاهدة مسلسل عائلة سمبسون باعتباره أحد أوائل العروض التلفزيونية ما بعد الحداثة التي تم تطويرها لقنوات التلفزة الأمريكية الرئيسية. وقد عرّف أحدهم مفهوم ’ما بعد الحداثة‘ على أنه ’جمال الاقتباسات‘، بمعنى آخر أن تجمع مواداً مختلفة من أعمال موجودة مسبقاً على نحو غير متوقع.

"أما ’المادة الغروية‘ التي تتماسك بها تلك التركيبة مع بعضها البعض فهي التعابير الساخرة، حيث نعلم مصدر التلميحات وكيف تم استبدالها. وأنا أرى الكثير منها في مسلسل عائلة سمبسون."

لجميع الأعمار؟ - الفجوة بين الأجيال

ربما يضرّ المسلسل ببعض من مصداقيته ومجالات تأثيره التي تبدو وكأنها تنحرف باتجاه ميول أولئك المهووسين بأمور محددة، بحسب قول الكاتب التلفزيوني ديفيد ستبس.

ويقول ستبس "تفاخر غرونينغ مرة قائلاً ’عائلة سمبسون هي الثقافة المضادة.‘ أعتقد أن هذا يصدق على مسلسلات السنين الأولى وليس الحديثة منها. كما أعتقد أنها لا تعني أكثر من ذلك. إن الألبوم الموسيقي المفضل على الاطلاق لدى غرونينغ هو ’قناع السلمون المرقط المطابق للأصل‘ (لمؤلفه كابتن بيفهارت)... إلا أني لا أعتقد بأنه سيكون قادراً على التلميح إلى كابتن بيفهارت في حلقات مسلسله. نعم سينجح مع ’سونيك يوث‘."

لكن هل توجد مشكلة متوارثة مع كل هذه التلميحات لثقافة البوب؟ ربما. فالإشارة إلى إعلانات الطفولة وأروقة ألعاب الكمبيوتر وأغاني البوب التي كانت تذاع على الراديو قبل زمن طويل لها تأثير قوي لأنها تنفخ الحياة في ذكريات وافرة.

نعم، إن كان عمرك 21 عاماً وتشاهد الآن حلقة من مسلسل السنوات الأولى من ’عائلة سمبسون‘، فكل تلك التلميحات تصبح سهلة المنال بالبحث عنها عبر موقع غوغل. إلا أن هذا لا يوازي ردود الفعل الحسّية لمشاهدتها.

يوافق ستبس ذلك الرأي مشيراً إلى شخصية عريقة في المسلسل تستند إلى جاك ليمون في فيلم "قبعة غلين روس". هنا، ربما يكون لها أفضل صدى عند أولئك الذين شاهدوا مثل هذه المواد وليس أولئك الذين يبحثون عنها بنشاط.

ويضيف ستبس: "ما يهمني بعض الشيء هو أن الجيل الحالي لا يسبر غور الأفلام القديمة، لذا فلن يفهموا بالضرورة أي إشارة لفيلم للمخرج هيتشكوك لأنهم لم يكبروا على مشاهدتها في قنوات التلفزيون الرئيسية. لقد حُفظت الآن على الأقراص المدمجة أو قنوات الأفلام."

وبينما يعشق المشاهدون الحاليون هذا المسلسل لما يعرفونه عن تلميحاته المعروفة، غير إلا أن ذلك قد يكون معضلة لأولئك الذين يشاهدونها في وقت لاحق. وقد كتب الناقد الفني مات زولّر سيتز على موقع "صالون": "عديدة هي البرامج التلفزيونية الساخرة ما قبل تسعينيات القرن الماضي، مثل ’أنا أحب لوسي‘، وبرنامج آندي غريفيث، وبرنامج ماري تيلور موور، تشيرز‘. إنها لم تظهر وكأنها عتيقة أو بعيدة عن الواقع إلا بعد عقود من عرضها.

وأضاف سيتز "ربما يعود الأمر لكونها لم تلمح إلى ثقافة البوب إلا بالحد الأدنى. بدأت أحدث البرامج الجماهيرية الساخرة بنشر ذلك الاتجاه غير المرغوب وهي لا زالت على الهواء. هل يمكن لبرنامج أن يُطلق تسمية الفكاهي على نفسه إذا توجب عليك أن توضح سبب كونه مضحكاً؟."

إلا أن كوك لا يعتقد أن الفكاهة في نكات مسلسل عائلة سمبسون سوف تتلاشى في وقت قريب. ويقول: "ستكون هناك شهادات في الدكتوراه ووفرة من المرشدين ليساعدوا الناس على فهم مسلسل عائلة سمبسون.

والأكثر جدية من ذلك هو أنه يبدو من المؤكد نجاح ذلك المسلسل في الوصول إلى منزلة رفيعة، فالأجيال القادمة ستريد حل ألغاز حلقات المسلسل وفهم التلميحات المذكورة فيها."