الحوثيون ينقلبون على وحدوية (عبدربه هادي).. فمن الذي سيشرعن الاحتلال بعده؟

في التاسعة من مساء الإثنين يجلس (مصلح) الرجل الخمسيني مع أسرته في فناء منزله القريب من باب اليمن يتابع بترقب الأحداث التي كان يتوقع أنها ستكون دامية .

شاشة التلفاز الصغيرة التي أمامه , يطل منها مذيع عربي يتحدث عن سقوط قتيلين وسبعة جرحى , حصيلة ساعات من المواجهات التي كانت تسمع على أنها عنيفة.

 الصمت يلف المكان , حينما كان مصلح يتنقل بالريموت كنترول بين القنوات , حينما ظهر مذيع قناة المسيرة منتشياً بأن الجماعة الحوثية قد تحصلت على تسجيلات تكشف حجم المؤامرة التي كان يحيكها هادي ضد اليمن (بلاده) , موجة غضب تجتاح الأسرة التي لم تنتظر سماع المكالمة المسربة , ضد هادي العميل الخائن.

كان مصلح يحاول تهدئة زوجته وأولاده ويطلب منهم  أن ينتظروا ما الذي تم الكشف عنه من مؤامرة هادي على اليمن.

يظهر التسجيل هادي متحدثاً لمدير مكتبه " أهم حاجة عندما تخرج وثيقة الحوار الوطني ويذيعون به كلهم والله با يرجعوا زي الدجاج وبعدين بتحصل تأييد من مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي جميعاً تأيد لمخرجات الحوار ما أحد يقدر يرفع رأسه" .

في المقابل يوافق أحمد عوض بن مبارك طرح الرئيس هادي " عشان كذا موضوع عدد الأقاليم أنه يتثبت في الوثيقة مهم ، لأنه مجلس الأمن با يؤيد نتيجة مخرجات الحوار ، لو أجلنا أي حاجة ما بتكنش موجودة في مخرجات الحوار".

وأكد هادي لمدير مكتبه " أن أي شيء يتأخر يعني ما يخرجشي الآن يعني …. بعدين با تندم عليه".

وقال بن مبارك (وفقاً للتسجيل) " المهم أحنا نخرجها متعددة الأقاليم ونحدد عدد الأقاليم".

ليرد عليه هادي بالقول "هو لا با يكون الجنوب جنوب مهما كان ولا الشمال بيكون الشمال ..هو (يمن جديد) , تنزاح من أفكاره مسألة خيانة هادي لليمن , وبأن الرجل يسعى ليمن جديد ليس فيها لا شمال ولا جنوب , بل يمن جديد بستة أقاليم , وهو ما يعتقد مصلح والغالبية من أبناء اليمن الشمالي أنه مشروع سيحافظ على الوحدة اليمنية المزعومة.

وعلى الرغم من أن شماليين موالين لجماعة الحوثي والرئيس السابق صبوا جام غضبهم على الرئيس هادي , ونعتوه بالخائن العميل , لكن جنوبيين كٌثر لم يعيروا التسجيلات المسربة أي اهتمام , إلا أن هناك من أكد على استمرار خيانة هادي للجنوب وطنه الأم على الرغم من تأكيده في المكالمة المسربة أن أكثر جنوبي من الجنوبيين الذين شاركوا في مؤتمر حوار صنعاء برئاسة ياسين مكاوي.

لأشهر شنت توكل كرمان وهي ناشطة يمنية بارزة هجوماً حاداً على الرئيس هادي واتهمته بالخيانة , لكن عقب المكالمة المسربة غيرت كرمان من رأيها وأكدت عدم خيانة هادي لليمن (بلادها).

القيادية في جماعة الإخوان المسلمين ألفت الدبعي قالت في تغريدة صفحتها بموقع تويتر " أن التسجيلات التي نشرت للرئيس هادي ولمدير مكتبه دليل وطنية ووحدوية هذين الشخصيين وليس العكس".

أما الكاتب والسياسي اليمني مروان الغفوري فقد قال معلقاً على التسجيل المسرب - بحسب زعم قناة المسيرة- "الآن بمقدوري القول إن العملية برمتها، التسجيل ونشره، تمثل انحطاطاً رهيباً للحوثيين, وكالعادة، فهم لم يعرفوا الأخلاق قط , وعلى رأي صديقنا العمراني (خاض صالح ومحسن صراع حياة وموت ولم يلجأ الرجلان لهذه الخسة).

وقال الغفوري : " غير أن أمراً مهماً لفت انتباهي في حديث هادي: كان مؤمناً جداً بفكرة اليمن الجديد، الديمقراطي، والفيدرالي , وفي تقديري أن مشكلة هادي العميقة، كما تظهرها التسجيلات، تجلت في إيمانه بالقوى الخارجية وتجاهله الكلي للمجتمع اليمني , وأيضاً في عقلية الحرب الباردة التي تحكمت بأعصابه وخياله وجلبت لنا وله المصير المشؤوم , وفيما يبدو، كما تقول التسجيلات، كان رجلاً يحب بلده , لكن عقله لم يكن كافياً , ولم تكن حركته على الأرض تعكس حبه الحقيقي لأرضه بل تكشف العجز الرهيب في إمكاناته العقلية، وشحة خياله , سقط في الأخير".

وأضاف : " لكن الحوثيين فعلوا خيراً في الدقائق الأخيرة , فقد أظهروا الرئيس المسخوط وهو يغرق متشبثاً بحلمه الكبير (اليمن الجديد) , وكان حتى ما قبل نشر التسجيل بدقائق مجرد خائن ولص , أما الآن فها هو يغرق، لكن كأحمق بغيض، وليس كخائن".

وأكد الصحافي اليمني نائف حسان " أن المكالمة المسربة خدمت هادي".. موضحاً " أخطأت جماعة الحوثي ببث المكالمة المسجلة بين الرئيس هادي ومدير مكتبه، بن مبارك , قيل لي أن الجماعة عثرت على هذه المكالمة في التلفون الشخصي لبن مبارك، مع ذلك ما كان يجدر بها بثها؛ لأنها بذلك ضاعفت الجريمة التي ارتكبتها: اختطاف بن مبارك، وانتهاك خصوصيته".

وقال : " المكالمة خدمت هادي؛ إذ أظهرته وحدوياً صادقاً (موقفه الوحدوي المعلن متسقاً مع موقفه غير المعلن)".

وقال : " المكالمة أظهرت فقط كم أن هادي مسكين يرحم، ووعيه السياسي بسيط , الرجل من صدقه يراهن بشكل كامل على الخارج , المشكلة هي في بن مبارك، الذي لم يظهر في المكالمة كشخص خفيف فحسب، بل ظهر أيضاً كمحرضاتي لديه استعداد للدس".. مضيفاً " المهم، جماعة الحوثي بتسريبها للمكالمة أساءت لنفسها أكثر من إساءتها لهادي , أتمنى فقط من الجماعة أن يضبطوا جموحهم الصبياني، ولا ينشروا بقية المكالمات التي وجدوها في تلفون بن مبارك، ولا ينشروا أيضاً الوثائق التي عثروا عليها في لا بتوبه الشخصي".

وكشف حسان "أن المشكلة أن بن مبارك لديه برنامج في تلفونه الشخصي يسجل جميع مكالماته, والمشكلة الأكبر أنه مسجل جميع مكالماته مع الرئيس هادي؛ وفقاً للمصادر , يا عيني ومدير المكتب الأهبل! , يعني الرجل خفيف بجد، وليس لديه أي شعور بالمسؤولية. في الأخير، الرئيس هادي دفع، بـ(فضيحة) نشر هذه المكالمة ، ثمن فساد تقديراته وسوء اختياره لبن مبارك , تخيلوا كان هادي يشتي يعين بن مبارك رئيساً للوزراء كارثة".

على المقابل قال الصحافي الجنوبي فتحي بن لزرق : " استمعت إلى المكالمة المسربة التي بثتها قناة (المسيرة) ليلاً بين الرئيس هادي وبين مدير مكتبه (بن مبارك) وظللت لساعات طويلة أراقب كل الردود الجنوبية على صفحات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعية وهنا أود أن أضع رأيي الشخصي في كل ما شاهدته":

- لنفترض بداية الأمر أن التسجيل الصوتي "حقيقي" وأن كل ما دار فيه من حديث كان صحيحاً وغير مزيف

- موقف الرئيس هادي وإدارته من قضية الجنوب وطرح مشروع الأقاليم الستة طرح علناً ولم يطرح بالخفاء أو السر والرجل جاهد وفريقه لسنوات لأجل تثبيت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وهذا مشروعه السياسي وهو حر فيه ، لكن يجب الإقرار بأن الشعب في الجنوب كان يرفض هذه المخرجات منذ أول لحظة لإقرارها ، إذا لسنا بحاجة إلى التذكير بموقف سابق.

- قابل الجنوبيون مشروع الأقلمة بالرفض وأعلنوها صراحة خلال فعاليات مليونية أوصلوا صوتهم عبرها وقالوا نحن لسنا مع مشاريع (الأقلمة) ونرفضها رفضاً مطلقاً أيا كان مصدرها .

- موقف الجنوبيين من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني موقف "رافض" بني على قناعات شعبية سابقة ولا صلة له بالكشف عن مكالمة مسجلة أو غيرها وهو خيار "قوي" وصلب وسابق لكل ما تم الكشف عنه.

- تحاول جماعة "الحوثي" عبر بث هذا التسجيل إحداث حالة من الارتباك في صفوف الجنوبيين وتحويل معركة الجنوبيين من معركة مع القوى السياسية في صنعاء بما فيها تيار منفذي (الأقلمة) إلى معركة جنوبية - جنوبية ومعركة داخل الحراك الجنوبي نفسه وإشغال الجنوبيين بأنفسهم.

- أبسط رد يمكن للجنوبيين رفعه في مواجهة هذه التسجيلات الهاتفية هو تذكير القوى الشمالية كافة بما فيها جماعة (الحوثي) أن موقفنا في الجنوب واضح ومحدد وهو موقف رافض لأي مشاريع سياسية تنتقص من حق الشعب في الجنوب بتقرير مصيره بنفسه .

- ستحاول جماعة الحوثي تحقيق مكاسب سياسية لها عبر هذه التسجيلات وإيجاد حالة من التعاطف معها في الجنوب والرد الجنوبي هنا للحوثي أو لأي قوى سياسية شمالية أخرى السؤال عن مشاريعهم تجاه الجنوب ومطالبة جماعة الحوثي أن تعلن صراحة رؤيتها السياسية لحل قضية الجنوب، والتأكيد إننا سنتعاطف وسنتعاطى مع من يعترف بحقنا في تقرير المصير.

- لا ترتبكوا يا أبناء الجنوب .. خياركم واضح .. طريقكم أوضح .. لا صلة لكم بمشاريع صنعاء لا صلة لكم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني ولا غيره .. هذه عصيدتهم فليمتنوها وهذه بضاعتهم ردت إليهم.

- حذارِ أن يجروكم إلى معارك "جنوبية جنوبية" من أراد من القوى السياسية الشمالية أن ينال حب الناس في الجنوب وتقديرها فعليه الاعتراف بحق الشعب في الجنوب بتقرير مصيره واستقلال دولته وما دون ذلك من المشاريع فهي متساوية – أقلمة – دولة مركزية – إصلاح أوضاع وما سواه".

اما الصحافي ياسر اليافعي فقد قال " لا جديد سياسي في المكالمة المسربة على الإطلاق الرئيس هادي مصر على 6 الأقاليم بأي طريقة وهو من قال اضربوا الرجول ويقصد من يعارض هذا المشروع و "السب" مثله مثل الرصاص مش هو من قال اضربوا الرجول في قناة اليمن ... بل مازال يسعى بكل قوة على 6 الأقاليم وهذا طرح تساؤلات عديدة عن مصلحته من ذلك".

وأكد ان " الأمر المهم هو أن التسجيل الذي بث عبر قناة المسيرة كان بجودة عالية جداً وليس عبر برنامج تسجيل المكالمات المعروف .. لا يعني هذا أن التسجيل مدبلج بل أن الحوثي لديه أجهزة تنصت وأذرع استخباراتية تسجل مكالمات الرئيس هادي والمسؤولين".

وأضاف" تم بث هذه المكالمات في الوقت هذا من أجل أن يستفيد الحوثيون سياسياً ويحرضون الشارع في الجنوب الذي أبدى تعاطف مع بن مبارك والقيادات الجنوبية في صنعاء بعد الأحداث الأخيرة ، حيث يريد أن يظهر لهم أن هؤلاء هم من تدافعون عنهم .. لأنه وقبل بث المكالمة عرضت قناة المسيرة ما قالت أنها خطة أمنية للقضاء على الحراك أبطالها بن مبارك وهادي وأيضاً وفيها كلام هادي الذي يردده دائماً في خطاباته ضد الحراك المطالب بالتحرير والاستقلال وحاول مذيع النشرة أن يكسر التعاطف الجنوبي معهم ويصورهم وحوش فيما يخص قضية الجنوب".

وتابع اليافعي قائلاً " أضف إلى ذلك أنها بثت تقريراً عن تأييد كبير اللجان الشعبية في الجنوب ضد ممارسات الرئيس هادي في صنعاء ..

والتسجيل قديم ويعود إلى مرحلة الصراع على تحديد عدد الأقاليم وبعد هذا حصلت مستجدات كبرى منها اقتحام عمران وصنعاء".

وقال " ما تم تسريبه هي مكالمات متعددة وليست مكالمة واحدة والهدف أيضاً إظهار ابن مبارك بأنه ليس أهل للثقة من خلال تسجيل مكالمات هادي والاحتفاظ بها طوال هذا الوقت في جهازة , المطلوب جنوباً هو كيفية الاستفادة من كل هذه اللخبطة الحاصلة في الشمال والمستجدات لأن الحوثي ليس حباً فينا بث التسجيلات ولكن له أهدافه".

هادي وحدوي بنظر الوحدويين الشماليين , وخائن ويقف ضد مشروع الجنوب وحقه في تقرير مصيره , بنظر الجنوبيين , لا شيء تغير , هادي الذي وصل إلى السلطة أتى عن طريق انتخابات توافقيه رفضها الشعب في الجنوب وقدم في سبيل هذا الرفض العشرات من الشهداء والجرحى.

الشماليون هم من أصروا على انتخابه رئيساً لليمن , قبل أن يتحالف الحوثي مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح والتخطيط للإطاحة به من الحكم.

لكن هادي يبقى في نظر شماليي اليمن الرئيس الوحدوي الذي وقف في صفهم ضد مشروع استقلال دولة الجنوب السابقة التي شارك هادي في حرب فرض الوحدة بالقوة.

وشارك هادي إلى جانب قوات (صالح) في اجتياح الجنوب في منتصف تسعينيات القرن الماضي , رداً على إخراج المنتصر في الحرب الأهلية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي له وللكثير من القادة العسكريين الجنوبيين , الذين أجبرتهم الأطراف التي اختلفت معهم على الحكم في الجنوب على إخراجهم من عدن ونفيهم إلى الشمال.

وعاد جنوبيون منفيون إلى صف الجنوب بعد العام 2006م , الذي شهد إعلان التصالح والتسامح الجنوبي , لكن هادي وصل إلى رئاسة البلد اليمني المضطرب بعد اندلاع ثورة شبابية ضد حكم الرئيس (صالح).

ويتهم جنوبيون الرئيس هادي والكثير من القيادات الجنوبية في صنعاء, بأن بقاءهم في الحكم يعد شرعنة لاحتلال صنعاء لبلادهم , ويرون أن خروج (هادي) من الحكم بادرة أمل في الخلاص من الاحتلال اليمني الجاثم على صدورهم - كما يقولون-.

الحوثيون.. أكملوا الثلاثاء الانقلاب على شرعية الرئيس المشرعن لاحتلال الجنوب والوحدة اليمنية , ووضعوه تحت الإقامة الجبرية.

لكن في المقابل هناك سؤال يجب أن يطرح .. من هو الجنوبي الذي سيشرعن لصنعاء احتلال الجنوب؟

سؤال تجيب عنه الأيام القادمة.

 https://www.facebook.com/salehabuodal