آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-09:40ص

ملفات وتحقيقات


تحقيق : السلامية .... القرية السالمة

الأربعاء - 21 يناير 2015 - 05:08 م بتوقيت عدن

تحقيق : السلامية .... القرية السالمة
حقول زراعية بقرية السلامية بمحافظة ابين جنوب البلاد

ابين((عدن الغد))خاص:

ربما هي فرصة سانحة تلك التي استجبت فيها لدعوة احد الزملاء لحضور مراسيم زواج اخيه بقرية السلامية التي تُبعد (عشرين كيلومترا جنوب لودر بمحافظة أبين) المديرية التي تتبعها اداريا تلك القرية التي تُعد من التجمعات السكانية الكبيرة بالمديرية .
يقطن هذه القرية قرابة 3000 نسمة ومجمل نشاط سكانها ومصدر دخلهم يتمحور حول الرواتب الشهرية ونشاط الرعي والزراعة ، ويغلب على سكان القرية طابع الشباب فاغلب سكانها من الشباب وصغار السن، رغم ذلك فالظواهر السلبية المنتشرة بين الشباب هذه الأيام تكاد تكون منعدمة بين شبابها ويغلب على شباب تلك القرية حبهم الشديد لمزولة لُعبت كرة القدم التي تعتبر الهواية الأولى لشبابها وهي احدى قرى عزلة زارة بمديرية لودر التابعة لمحافظة ابين جنوب البلاد .

*في الوصول الى السلامية

اتجهنا اليها غرباً من مدينة عدن على بُعد حوالي 185 ك م ، حيث كانت زيارتي الأولى ورغم عناء المسافة وتعب السفر إلا ان حفاوة الاستقبال التي تلقينها من اهل تلك القرية مستبشرين بضيوفهم ازلت ذلك العناء في لحظات واختصرت الوقت لنتعرف على تلك القرية اكثر دون ان نشعر بتعب المسافة للوصول اليهم .

ورغم البساطة التي يتميز بها اهل تلك القرية وعاداتهم الجميلة التي يمارسونها في طقوس الزواج إلا انني وجدت نفسي بحاجة للإطلاع اكثر عن هذه القرية التي بدا لي ان وصول الأعلام اليها من الصعب نوعاً ما لوعرت الطريق الداخلة اليها .

وخلال جلوسي مع بعض اهل تلك القرية وشبابها وجدت ان هذه القرية بقدر ما تتميز من عيش متواضع الا انها تعاني مثل اخواتها المديريات الأخرى بابين من وضع مزري ومحلك تعيشه البلاد بكافة نواحيه ....

لم اذكر ان اية مشاكل واجهتنا في رحلة وصولنا الى قرية السلامية التي استمرت لساعات قصيرة بالسيارة .

غير انني حزنت ان يكون مدخل تلك القرية غير سوي ويعاني من الوعرة في اغلب شوراعه يقول لي من كان برفقتي انهم طالبوا كثيراً بتعبيد الطريق الموصلة الى داخل القرية حيث يعاني السكان فيها الكثير من الصعوبات اثناء ذهابهم وأيابهم من والى السوق لشراء اغراضهم حيث يطرون للوقوف كثيراً لانتظار السيارات الداخلة او الخارجه اليها لتوصيلهم .

ويعانى أهالى السلامية من مشكلات عديدة أبرزها نقص الخدمات الصحية ، وتهالك الطرق ، وعدم وجود أعمدة إنارة داخل القرية، فضلا عن تلوث المياه وانقطاعها المستمر... رغم انها قرية محاذية " لمرآبه " بالوضيع مسقط راس عبد ربه منصور رئيس البلاد الا ان اهلها يشتكون المعاناة لتنتهي رحلتنا منها بهذا الحصاد ؟؟

*تواضع في المعيشة ..

للقرية وضع غير سوي من الناحية الادارية يؤثر على نصيبها من الخدمات ، فالقرية تتبع مديرية مودية ، ولكنها اداريا تتبع مديرية لودر
والسلامية اخر مناطق مديرية لودر قبل ان تدخل الى قرى مديرية الوضيع
ويتميز اهاليها بتواضعهم في المعيشة حتى ان الطبقة الغالبة فيها هم من المعتدلين بعدين عن الترف والغلو في ممارسة طقوس يومياتهم المعتادة التي تبدوا من الصباح الباكر.

ويجتمع اهالي القرية عندما تكون هناك مناسبة فرائحية فيها حيث تجدهم يعملون الى جانب بيت الزواج كخلية نحل واحده ويتبادلون الأدوار التي تشعرك بان اولئك الأهالي من نسيجاً واحد .

ومن عادات تلك القرية ينتشر البعض من اهاليها لممارسة رعي الأغنام وهم الغالبية من سكانها حيث يقومون بذهاب قطيع اغنامهم الى اماكن الرعي وهي حجول مجاورة لمنازلهم الصغيرة التي تجتمع مع بعضها بينما يمارس البعض الأخر زراعة الأرض بالمحاصيل الزراعية وتأتي هذه بالمرتبة الثانية من اهتمام اهل القرية وتتميز اغنامهم بخصوصية تامة في عملية البيع والشراء في الأسواق لحصولها على تربية سليمة ونادرة لا تتوافر الا بهذه القرية .

ونظراً لعدم توفر فرص العمل للشباب في هذه القرية يطر الكثير من شبابها بالالتحاق الى صفوف الجيش وهم يشكلون نسبة 80% بينما تتوزع العشرين الأخرى على من يعمل خارج المدينة عملاً مدنياً او يواصلون التعليم بالجامعات رغم أنهم يقولون أن حظوظاً ضعيفة بانتظارهم في المواصلة ويطرون لمغادرة القرية وترك اهلهم للبحث عن لقمة العيش .

* تدني في التعليم ..

تعاني مديرية السلامية من تدني مستوى التعليم لأبنائها وهو امر محزن ومقلق في ان واحد يراه اهل القرية وعن بحثنا في السبب وراء ذلك .

التقينا بالأخ " أحمد علوي " وهو مدرس بمدرسة القرية الذي اكد لنا ان وضع التعليم بالقرية مزري للغاية حيث لا توجد بهذه القرية والتي تمثل اكبر قرى مديريات لودر من حيث الكثافة السكانية سوى مدرسة واحده فقط ، تجمع بين ابناء وبنات القرية .

وقال المدرس أحمد وهو مدرس مادة العلوم بهذه المدرسة ان المدرسة تعاني من حالة مأسوية حيث ان المبنى لم يعد صالحاً للتعليم و ان سقوف المبنى ايالة للسقوط في أي لحظة ممكنه على رؤؤس الطلاب وقال ان قرية السلامية بحاجة الى مدرسة اخرى الى جانب ترميم هذه المدرسة التي سبق وان تلقينا وعوداً بإعادة ترميمها لكونها تعمل على تدريس مرتاديها من ابناء اهالي القرية من الصف الاول الى الصف السابع كحد اقصى فقط نظراً لعدم الاستيعاب فيها .

وقال ان بعض الطلاب يواجهون مشكلة في مواصلة تعليمهم حيث يطرون للنقل الى مدرسة منطقة امعين وهي المدرسة الاقرب للمنطقة لكن وعورة الطريق و المسافة الطويلة الى هناك تحيل بينهم وبين مواصلة تعليمهم ويطرون لمغادرة المدرسة بسبب ذلك وقال ان نسبة من يواصل التعليم بعد الصف السابع ضئيلة جداً ببين الأولاد اما البنات فيمكن ان نقول ان النسبة صفر % .

*الماء والكهرباء .. معاناة اخرى

ولقرية السلامية مع خدمة الماء والكهرباء معاناة اخرى لا يتجرع مرارتها الا اهالي تلك القرية .

يقول الأخ حسين صالح وهو احد من ابناء تلك القرية ان خدمة الكهرباء توفرت في القرية في شهر اغسطس من العام 2003م وكانت القرية قبلها تعاني من الظلام الدامس عندما يحل المساء نظراً لعدم توفر الكهرباء فيها .

وقال ان الكهرباء في القرية عانت من اهمال حكومي في القرية في تلك الفترة لدرجة لم يكاد الشخص يشاهد شي في العتمة في حال خروجه الى الشارع للذهاب الى البقالة وقال أن القرية عاشت في تلك الأونه عزلة عن العالم حيث لا يعلم اهلها ماذا يجري خلف حدودها .

ورغم الحالة المأسوية للقرية مع الكهرباء يذكر "حسين " أن رجل في القرية من اهالي الخير تصدق بماطور كهربائي لأهالي القرية ولكنه يتقطع على شكل فترات.

ويضيف "حسين صالح " وهو يعمل خارج قريته التي يغيب عنها لفترة طويلة ورغم دخول الكهرباء الحكومية الى القرية الا انها بحاجة الى تسليك صحيح وتوفر اعمدة للإنارة بشوراع القرية او حتى الطريق الداخلة اليها حتى يتمكن الناس من الاستفادة والإحساس الحقيقي بتوفرها .

وعن الماء في القرية يقول اهلها ان هبة المانية مقدمة للحكومة تمكن الأهالي من خلالها بالانتعاش والفرح لتوفر الماء الذي ساعدت بتوفره الهبة المقدمة من الحكومة الألمانية لمشروع الهبه الألمانية بحفر بئر وعملت على توصيله لتسع قرى وتغذيتها بالماء بينها قرية السلامية .

وهو مشروع يقول عنه "رامي علي " وهو من ابناء قرية السلامية حلماً طال انتظاره لكنه حزيناً في نفس الوقت ان المشروع لم يدم طويلاً وأنتهاء بسبب خلافات في المنطقة التي يتواجد بها البئرالذي يغذي تلك المناطق بالماء ليتم واد هذا الحلم الذي لم ينعم به اهالي القرية سوى سنة وبعضة أشهر فقط .

وأستطرد رامي : نعانى من الانقطاع المستمر للمياه فقد تظل مقطوعة عن القرية طوال اليوم ، ولا تصل إلا فى الرابعة فجرا ، ونضطر إلى انتظارها لنلحق بتخزين المياه لأنها لا تستمر أكثر من ساعة واحدة ثم تعاود الانقطاع مرة أخرى ، وأحيانا قد يستمر انقطاعها لأيام متتالية ، وهو ما جعل بعض الأهالى يتجهون إلى تأجير بوز المياه بكلفة باهظة قد لا يستطيع البعض من اهالي القرية توفيرها ، أملا فى التغلب على المشكلة ، لكن دون جدوى .

وتعاني النساء في القرية صعوبة في البحث عن الماء من ابار بعيدة وتحميلها على ظهور الحمير من مسافات بعيدة لغرض الأكتفاء الذاتي من الماء في اليوم الواحد فقط ليستمر هذا الحال يومياً .

ويشرح لنا اخر من اهالي القرية " كان هناك مشروع لإمداد القرية بالماء ساهم الأهالي بانجازه واستمر بالعمل فترة قصيرة قبل ان يتم ايقافه عن العمل من قبل إدارة المشروع نتيجة لخلافات بين إدارة المشروع وملاك الأرض التي تقع عليها الآبار التي تخدم المشروع إلا ان الأهالي مصرون على اعادة المشروع حيث قاموا بسحب مواسير المياه حفاظا عليها من العطب والسرقة ، ثم شكل الأهالي لجنة لمتابعة امر المياه لدى السلطات المحلية ووعدوا بإعادة المشروع من قبل إدارة المحافظة إلا ان تلك الوعود لم تتم واستمر الأهالي بالمتابعة دون يأس

ويأمل الأهالي من الجهات المختصة بسرعة توفر الماء لهذه القرية الذي يشكل انقطاعها عنهم امراً مقلقاً بالنسبة لهم

*انعدام العناية الصحية ..

في تجولي للقرية برفقة احد شبابها ويدعى "عبدالله لزرق" جال في ذهني ان اسأله انني لم اشاهد اثراً لمراكز صحية بالقرية .

ليؤكد لي ان القرية لا يتوفر فيها أي مركز لعناية صحية او تقديم اسعافات اولية لسكانها الأمر الذي يعاني منه السكان بشكل مخيف .

ويشرح " عبدالله لزرق " الوضع ان كثيراً من اهالي القرية لا يستطيعون تلقي العلاج بميحط القرية لكنهم يطرون اذا اصيبوا بمكروه ان ينتقلوا الى المستشفى الوحيد المؤهل لاستقبال المرضى بشكل قد يفي بالغرض ، ولكنه يبعد عن القرية قرابة العشرين كيلومترا عن مدينة لودر التي يوجد بها ذلك المستشفى .

ويستطرد "عبدالله "بشرح المعاناة ان البعض من المرضى من اهالي القرية تعرضوا لفقدان حياتهم نتيجة للمسافة الطويلة التي يقضونها للوصول الى المستشفى .

ويطالب اهالي القرية منذ فترة الجهات المعنية بضرورة توفير وحده صحية تمكنهم من الحصول على الإسعافات الأولية وتلقي العلاج الأولي للحالات الطارئة.

ويقول بعض سكان القرية انها ورغم الكثافة السكانية لأهلها الا انهم يفتقرون الى وحدة صحية كما هو الحال مع بعض القرى الأخرى التي تتوفر بها وحدة صحية .

*تأثر القرية بحرب ابين ...

لم تسلم قرية السلامية كغيرها من مناطق وقرى ابين من تأثيرات حرب ابين المدمرة التي دارت رحاها هناك في العام 2011م وظلت شواهدها قائمة حتى في قرية السلامية .

التقيت بمجموعة من شباب القرية الذين يتجمعون بالمساء بإحدى ضواحي القرية القريبة

الذين قالوا بانهم تضرروا كثيراً بحرب ابين وظلوا محاصرين في قريتهم لفترة طويلة لا يستطيعون الدخول او الخروج منها لحساسية الأوضاع الأمنية في المحافظة بشكل عام .

وأضافوا أن اهالي القرية عاشوا في ظلام حالك نتيجة انقطاع الكهرباء بشكل عام عن معظم مدن ابين الأمر الذي سبب صعوبة في استخدام الأضواء كالتريكات او الكشافات الضوئية في القرية نتيجة اطلاق الجيش المتمركز على سفوح الجبال المجاورة للقرية للرصاص في الأماكن الذي يشاهد منها اصدار للأَضواء .

ويقول الشباب " ان كثيراً من شباب القرية انضموا الى اللجان الشعبية لحماية القرية من العبث الا انها لم تسلم من مدفعيات وصورايخ الطائرات الحربية للجيش الذي يخوض معارك مع عناصر مفترضة من تنيظم القاعدة .

في النهار ذهبنا برفقة عدد من الزملاء من سكان القرية لنرى شواهد الحرب حيث سقوط قذائف المدفعية والكوتشا في مناطق قريبة من منازل المواطنين .

ويضيف "حسين عوض " وهو من كان يرافقنا في رحلتنا الى السلامية ان الكثير من مواطني القرية تضرروا من هذه الحرب مادياً ومعنوياً وان غالبية سكانها هاجر القرية ليفضل النزوح بمحافظات او مناطق اخرى الى هذا اليوم .

ولم يعودوا حتى اللحظة خوفاً من عودة الحرب رغم ان الحرب وضعت ازوراها كما يقول "حسين " .

*في وداع السلامية ..

يومين في رحاب قرية السلامية لم تكن كافية بالنسبة لي لإشباع رغبتي في الجلوس اكثر في هذه القرية المسالمة التي تجبرك بساطة اهلها ولطافتهم في التعامل معك على ان تفضل البقاء من الذهاب الى خارج حدودها المتواضعة .

ربطت احزمتي وفي جُعبتني خلفية من المعلومات التي استطردتها لكم في حصاد زيارتي اليها على امل أنني العودة اليها واللقاء بأهلها الذين سطروا لي حكاية الكرم والضيافة ستظل عالقة في ذهني ما حُييت فهي حقاً نستحق ان نقول بانها السلامية القرية السالمة رغم المعاناة ..

اثناء تجولنا لمشاهدة طبيعة الحياة لأهالي القرية



من:صالح مبارك الجعيدي
تصوير عمارمحمد  بلفخر