آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-07:37م

ملفات وتحقيقات


"سوف نكون مثل دبي" .. أول دراسة اقتصادية أوروبية تناقش الوضع الاقتصادي لدولة جنوب اليمن القادمة

السبت - 24 يناير 2015 - 08:22 م بتوقيت عدن

"سوف نكون مثل دبي" ..  أول دراسة اقتصادية أوروبية تناقش الوضع الاقتصادي لدولة جنوب اليمن القادمة
الموارد النفطية والنقاط الاستراتيجية الحية التي تميز الجنوب عن الشمال كما نشرتها المجلة الألمانية Zenith

زيورخ (عدن الغد) خاص

 


نشرت مجلة ألمانية شهيرة مختصة في الشئون العربية تقريرا هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحركة الجنوبية التحررية التي تطالب في الاستقلال في العام 2007.


التقرير الذي نشرته مجلة "القمة الألمانية Zenith في عددها لشهر يناير 2015 وحمل عنوان "نحن سنكون مثل دبي"  تضمن خرائط وإحصائيات تفصيلية لبعض المواقع الاستراتيجية في الجنوب ، كما شمل دراسة النمو الاقتصادي للمراحل السابقة ، وتطرق إلى ما أسماها الموارد الساحرة التي من الممكن أن يتم الاعتماد عليها كأحد عوامل نجاح دولة جنوبية قادمة سوف تغري السياح الأجانب.

التقرير :

اليمن أحد أفقر دول العالم. الحراك الجنوبي يروّج للاستقلال عن الشمال ، ويعد بأنه مع استقلال جنوب اليمن سيأتي الازدهار. ولكن هل ستكون دولة جنوبية مستقلة قابلة للحياة اقتصاديا بشكل مطلق؟

 

* تقرير آنا ليندا أميرا اوجستن لـ مجلة القمة الألمانية "Zenith"

ترجمه من الألمانية / إياد الشعيبي / زيورخ

 

من مسافة بعيدة يمكنك أن تسمعهم وهم يصرخون " ثورة ثورة يا جنوب" و " ارفع رأسك فوق انت جنوبي عربي حر". في شارع مدرم في حي المعلا بعدن حيث تجمع الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي في أحد أيام هذا صيف هذا العام ، للمطالبة وبصوت عال بدولة جنوب يمن مستقلة حرة.

المطالبة بالاستقلال منذ عدة سنوات لا يعد أمرا جديدا ، ولكنه رؤية سياسة جدية شاملة ومنظمة ، ويبدو الأمر الآن ولأول مرة بأن ذلك سيكون في متناول أيديهم.

على الجانب الآخر من العقبات السياسية يبرز السؤال الأكبر : كيف يمكن النهوض اقتصاديا من أجل جنوب يمن مستقل ؟ هل سوف يكون هذا البلد قابلا للحياة بشكل مطلق؟

لأن اليمن يعد من أفقر البلدان في العالم . الاقتصاد في حالة يرثى لها ، وأكثر من خمسين بالمئة من السكان هم من العاطلين عن العمل. النشاط التجاري نادر.

ومع ذلك – أو ربما لهذا السبب – يعتقد الكثير من الجنوبيين بأنه من دون الشمال سيكونون في وضع أفضل. استقلال الجنوب سوف يؤدي إلى الازدهار، كما يقولون.

قبل كل شيء ، أكثر من ألف كيلو متر من السواحل الطويلة الممتدة عند خليج عدن ستقود إلى هذا المضمار:

في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة التي اتحدت مع الجمهورية العربية اليمنية في العام 1990 ، لعب صيد الأسماك دورا محوريا في النظام الغذائي ، باعتباره أيضا عامل اقتصادي بارز.

ولكن أسعار تجارة السمك قد ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ، لأسباب ليس أقلها افراغ أساطيل الصيد الدولية لسواحل الجنوب من السمك. وللحقيقة فإن هناك بالكاد العديد من المصانع في عدن. الأغلبية تم نهبها أثناء حرب عام 1994 من قبل الجيش أو تفكيكها. ولحل جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية يستغرق الأمر ربما لمعجزة.

أيضا فالنظر إلى الماضي يخدع : الكثير من الجنوبيين يعتقدون بأن الشخص يمكن أن يقيم دولة ، لأنه سبق وأن فعل ذلك من قبل. في الواقع ، وجود جنوب اليمن لم يمض عليه وقتا بعيدا كدولة مستقلة من 1967 إلى العام 1990.

وقد كان مرتبط حينها في ذاك الوقت بالتنقيط المالي من الاتحاد السوفياتي، وفي الستينات  تحصل على هياكل الدولة القائمة من قبل البريطانيين ، الذين غادروا البلاد في العام 1967.

ومع مساعدة من الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية ودول الكتلة الشرقية أنشأ اليمن الجنوبي نظام التأمين ، الذي تضمن الحق في التعليم والرعاية الصحية وكذلك الإعانات الغذائية والسكن.


استقلال الجنوب أفضل

اولئك الذين شهدوا تلك المرحلة ، لا يزالون يحبون أن يتذكروا ، ويشكون مدى السوء الذي أصبحوا فيه.

الشباب الجنوبي أيضا تعرض لعدوى حنين الكبار. هم يحلمون بحياة أفضل ومقتنعون جدا بأن الحياة في جنوب اليمن كانت ستكون تماما كما في دول الخليج ، إذا لم التوحد مع الشمال قبل 24 عاما.

اليوم سيكون من غير الصعب إمكانية بناء دولة رفاه مرة أخرى عقب الحقبة الاشتراكية. لكن من حيث المبدأ فإن جنوب اليمن سيكون عقب الاستقلال في الجانب الاقتصادي أفضل مع ذلك من الشمال.

المنطقة تعتبر حوالي ضعف حجم الشمال ، ويعيش في جنوب البلاد فقط خمس سكان اليمن. إضافة إلى ذلك فقد تم اكتشاف الغاز والنفط في منطقة جنوب اليمن عام 1982.

الاستخراج المكثف للنفط  بدأ أولا عقب الوحدة اليمني عام 1990 ، وقد تحمل النفط الحصة الأكبر في الاقتصاد اليمني.

تتداول العديد من النظريات بخصوص النفط والغاز في اليمن : يقول البعض بأن مصادر النفط سوف تجف بالفعل خلال السنوات المقبلة ، والبعض الآخر لا يزال يتوقع بأن هناك حقول نفط غير مكتشفة في جنوب اليمن. حجم الكمية المضمونة والموجودة يقدر بحوالي ثلاثة مليار برميل.

80 بالمئة من حقول النفط تقع في المحافظات الشرقية حضرموت وشبوة ، ويعني ذلك أنها تقع في أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة.

الازدهار لم يجلب لهذه المناطق سوى القليل. السكان المحليون لا يكادون يستفيدون من الذهب الأسود. يقول المحامي والمدون هيكل با نافع " بأن البنود القانونية التي نصت على أن يكون هناك خمسين بالمئة من موظفي شركات النفط من أبناء المنطقة ، قد تم تجاهله من قبل شركات النفطة الأجنبية وحكومة صنعاء".

الناس في هذه المناطق يفتقدون أيضا إضافة إلى الرعاية الصحية الكهرباء والماء النظيف. بدلا من ذلك فقد ذهبت هذه الشركات لاستقدام الجيش من الشمال لحماية محطات النفط والغاز.

وبحسب تقرير للبرلمان اليمن عام 2014 فإن هذه الشركات النفطية تدفع للجيش اليمني سنويا 238 مليون دولار مقابل توفير الحماية لها. وبفضل انتاج النفط فقد استطاعت أن تطور نفسها شبكة محسوبية كبيرة.

في حضرموت تشكلت منذ فترة تحالف قبلي عقب مصرع الشيخ سعد بن حبريش الحموم واثنين من مرافقيه. حلف قبائل حضرموت طالب عقب ذلك بتسليم القتلة ، وأن يتبنى حماية الشركات النفطية وأن يتم إخراج الجيش خارج مدن حضرموت. الحكومة لم تستجب لهذه المطالب.

في غضون ذلك وبسبب هبة السكان المحليين تم ايقاف انتاج النفط بشكل كامل.

في أكتوبر 2014 وجه الحراك الجنوبي المطالب بالاستقلال للحكومة اليمنية إنذار أخير. طالب خلاله القوات والموظفين الشماليين بالخروج  من الجنوب إضافة إلى التوقف حتى يتم إيراد عائدات النفط والغاز لإيرادات الدولة الجنوبية.

الدعم المالي والمثالي يتلقاه الحراك الجنوبي من قبل المهاجرين الجنوبيين في الخارج. الذي يقومون بتجميعها من العمال المهاجرين وأيضا من النخبة السياسية المنفية ومعظمهم في دول الخليج. المهاجرون يمولون الإعلام الجنوبي والصحف ، بالإضافة إلى تلفزيون عدن لايف ، الذي ينتج في بيروت ويبث على الأقمار الصناعية "ستالايت"  ، ويعمل من أجل بناء هوية جنوبية جامعة.

نقطة الارتساء تكون – بحسب خطط مؤيدي الاستقلال – العاصمة السابقة المستقبلية لجنوب اليمن مدينة عدن .

عدن ، كأحد اكبر الموانئ الطبيعية في العالم كانت في الخمسينات ثاني أهم ترانزيت للبضائع في العالم بعد نيويورك.

الشركة الإماراتية العالمية المشغلة لميناء دبي تبنت مهمة تشغيل ميناء عدن عام 2008 ، لكنها لم تنفذ أي من الوعود الاستثمارية. في نهاية سبتمبر 2012 تم انهاء العقد معها من قبل الحكومة اليمنية.

اليوم الوضع هادئ في الميناء ، الذي سيكون له إمكانيات اقتصادية كبيرة. لكن المستثمرون يترددون إما بسبب افتقاد الحماية القانونية في البلد ومن جانب آخر بسبب الوضع الأمني الصعبة في المنطقة.

خليج عدن يحتل العناوين الرئيسية غالبا باعتباره كنقطة ربط مع الإرهاب بين تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب أو القراصنة الصوماليين.

الوضع السياسي غير الآمن في البلاد يعزز هذا التصور السلبي العام. بحيث أصبحت الموانئ المتنافسة في صلالة بسلطنة عمان وجيبوتي المواقع الأكثر ربحا.


مقومات جنوبية هائلة

بسبب العنف المتكرر في اليمن لا تزال هناك مقومات سياحية غير مستغلة. في هذه الحالة أشياء مذهلة لتقديمها. ليس فقط التراث العالمي في سقطرى والتراث العالمي في شبام وقلاع الطين في حضرموت ولكن أيضا هناك صحراء سياحية تمتد من شبوة إلى الضالع ، وهناك  أميال من الشواطئ الرملية التي سوف تجتذب السياح.

عدن تقدم مزيجا ساحرا من الهندسة المعمارية من حقبة الاستعمار البريطانية والحقبة الاشتراكية. وبالطبع قوارب التزلج البحري التي امتنعت المدينة عن ممارستها لأسباب تتعلق بالسلامة منذ سنوات.

جزيرة سقطرى وضعت اسمها كأحد الأماكن السياحية السرية.

نشطاء الحركة الجنوبية يسعون في المقام الأول في الماضي ، لإيجاد حجج من أجل المستقبل الاقتصادي.

خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في عام 2013  و 2014 جمعت بعد فارغ الصبر بيانات أظهرت حجم الشركات والمصانع التي تم تدميرها في جنوب اليمن بعد عام 1994 ، وحجم الأعداد من الموظفين الجنوبيين الذي تم إرسالهم للتقاعد القسري.

الحركة الجنوبية تعتمد في حججها لإمكانية  قيام دولة جنوبية اقتصادية عاملة على الهياكل الاقتصادية الموجودة آنذاك التي تم إتلافها وتدميرها من قبل النخب في الشمال.


عقبات

ومع ذلك لا يمتلك الحراك وسائل تمكنه من إجراء إحصاءات اقتصادية دقيقة يمكن أن تظهر ما إذا كان الاستقلال سوف يقود إلى تحسن الظروف المعيشية للشعب في جنوب اليمن.

الإحصاءات التي نشرتها وكالات حكومية لا يمكن التعويل عليها ، وبشكل عام يجب التعامل معها بحذر. لكن يبقى النشطاء لديهم الاعتقاد بأن الجنوب بعد الاستقلال سوف يتجه نحو الأفضل اقتصاديا.

ولكن أبعد من ذلك فالجنوب ليس متجانسا بشكل كلي : بعضو اللوبيات وخاصة من حضرموت يتحدثون عن انفصال عن الشمال ، ولكن أيضا من الجزء الغربي من الجنوب.

الأمر نفسه ينطبق بين حضرموت والمنطقة المحاذية لعمان "المهرة". نشطاء الحراك الجنوبي يسعون للتأكيد على أنهم يعتزمون بأن ثروات جنوب اليمن سوف تتوزع بشكل عادل في إطار نظام فيدرالي.

مع هذا النهج ، يتوجب على الرؤى المختلفة للمستقبل أن يوفق بينها بتجانس.

هناك نموذج مماثل ، على الرغم من طرحه من قبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في فبراير 2014 قضى بهيكلة اليمن إلى ست مناطق اتحادية اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال ، لكن ذلك تم رفضه من قبل الأغلبية في الجنوب.

هناك دول أيضا تم إلغاء شراكة وحدتها ، دون أن تكون قادرة على الوقوف لوحدها على أقادمها على اسس راسخة. السؤال الحالي بالنسبة للحراك الجنوبي هو : هل من اعتراف دولي ممكن. الجدول الزمني للاستقلال لا يزال غامض: هل يحتاج لاعتراف غالبية الدول ؟ أو مجرد فرض الهيمنة بالقوة ؟

طلب السيادة للدولة هو مجرد خرافة في القانون الدولي لا يزال يشير لها  الحراك الجنوبي . لأن الجنوب أدخل في وحدة طوعية مع الشمال ، وكذلك يملك الحق السياسي في الانسحاب منها.

 

تغير الموقف الخليجي

منذ ظهور الحركة الزيدية الشيعية الحوثية التي تحتل الشمال منذ سبتمبر الماضي بحكم الأمر الواقع في صنعاء وبعد المدن ، يبدو أن الوضع لدى دول الخليج بدأ يتغير فيما يتعلق بقضية جنوب اليمن.

قال عبد العزيز الصقر رئيس مركز الخليج للأبحاث في مؤتمر لصناع القرار الأمريكان والعرب في واشنطن في أكتوبر  2014 "بأن دول الخليج يمكن أن تساعد جنوب اليمن في مشروع استقلاله وتدعمه كي تنقذ جزء من اليمن على الأقل من الانهيار".

ويضيف الصقر " وفي جنوب اليمن يتركز معظم الجزء الأكبر من النفط اليمني وأحد أهم الموانئ العاملة ، بالإضافة إلى كون الجنوب يشترك في بـ 1200 كيلومتر من الحدود مع المملكة العربية السعودية".

 

في اليمن هناك غياب في الشرعية الداخلية . الدولة تفتقر إلى القدرة على توفير بعض الخدمات لمواطنيها. ولذلك يمكن سماع التشكيك في عدن ، حول كيف بإمكان دولة اتحادية ان تدير ست مناطق ، وهي لم تكن قادرة على إدارتها بحكومة مركزية.

نشطاء الحركة الجنوبية يقولون بأن 90 بالمئة من الجنوبيين يؤيدون استقلال الجنوب اليمن. الجماهير الجنوبية  في احتجاج 14 أكتوبر أكدوا على الأقل بأن الكثير من الناس يقفون خلف الحراك الجنوبي ويرفضون الوحدة مع الشمال.


غياب رؤية

لكن هذا لا يغير من المشكلة ، بأن الحراك الجنوبي نفسه يتكون من العديد من الفصائل التي حتى الان لا تملك رؤية واحدة للوصول لتحقيق قيام الدولة ، فضلا عن أن الأفكار تتضارب بشأن كيف يتعين بناء دولة جنوب اليمن التي من شأنها حماية حياة آمنة واقتصادية للمواطنين.

 

الإنذار النهائي للحكومة النهائية انتهى في الثلاثين من نوفمبر 2014 ، في هذا اليوم يحتفل الحراك الجنوبي في الذكرى 47 لاستقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني.

الاستقلال الثاني لم يتم كما أمل الكثير من النشطاء الجنوبيين في هذا اليوم. السبب :  الخلاف بين النخب الجنوبية القديمة !!


* آنا ليندا اميرا جونستين : باحثة مشاركة ودكتوراة في جامعة فيليبس ماربورغ ، ومركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط CNMS


* خارطة النمو الاقتصادي في دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي قبل 1990 وبعده ، كما نشرتها المجلة