آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-10:58م

ملفات وتحقيقات


الأبعاد الإستراتيجية للسيناريو الدولي وطريقة تنفيذه في المنطقة..(سيناريو خروج هادي نموذجاً )2ـ2

الإثنين - 23 فبراير 2015 - 04:09 م بتوقيت عدن

الأبعاد الإستراتيجية للسيناريو الدولي وطريقة تنفيذه في المنطقة..(سيناريو خروج هادي نموذجاً )2ـ2
تثير طريقة خروج الرئيس اليمني من "الاقامة الجبرية" التي كان يفرضها عليه الحوثيين ومغادرته صنعاء ووصله الى عدن كثير من التحليلات

عدن(عدن الغد) كتب / جمال مطلق:

استكمالاً لما تم التطرق إليه في الحلقة الأولى من خطوات السيناريو المجتزأ من خلال رصد بعض الأحداث فقط أثناء الفترة القريبة السابقة فأنه من الجدير بالإشارة هنا إلى ما يلي :

1. كل خطوة من خطوات ذلك السيناريو كانت هي الأخرى لها سيناريو خاص بها يبرر حدوثها بدقة ووفق حيثيات تم إعدادها مسبقاً أو تم الاستفادة منها بالشكل الذي هي عليه بحيث تخدم عدد من النتائج المطلوب تحقيقها في بعض الأحيان على المدى القريب والبعيد .
2. كانت هناك سيناريوهات أخرى مرافقة تسير بالتوازي من عدة جهات وفي مواقع مختلفة وجهات مختلفة حتى تمهد لتنفيذ ذلك السيناريو المطلوب كجزئية لها ما يليها من أحداث في السيناريو العام فعلى سبيل المثال فقط لم يكن بالإمكان أن يتم تمكين اللجان الشعبية في عدن دون ان يتم تشغيل سيناريو آخر فيه من الاستثارة ما يكفي ليجعل أبناء المناطق الحدودية يهبوا للذود عن مناطقهم بحجج متنوعة تم الترويج لها بشكل مكثف وسريع ومفاجئ بحيث يخلو الجو للجان الشعبية المطلوب استيعابها على وجه التحديد تمهيداً لتنفيذ المهام المناطة بها .
3. كانت بعض الخطوات تجري بشكل يجعل المراقب للأحداث يشعر بأن شروط حدوثها لم تكن ناضجة بالشكل الكافي وثمة إحساس بأن السيناريو تم ضغطه بشكل ملحوظ أثناء التنفيذ نتيجة الحاجة الملحة للتسريع في صناعة بعض الأحداث ومن ذلك لاحظنا السقوط الدراماتيكي للمناطق بالذات ما حدث في عمران وبعده صنعاء ثم قصر الرئاسة .
4. نتيجة طبيعية لإدراك قيادات القوى المتصارعة - رغماً عن انفها - وفق مقتضيات السيناريو المطلوب تسريعه ونتيجة للتوازنات والحسابات المختلفة والمتنوعة فقد تجنبت تلك القوى التنفيذ الكامل للسيناريو وتم الاكتفاء بتنفيذ بعض المشاهد التي تؤدي الغرض فقط مع إعطاء الفرصة لرموز تلك القوى بالبقاء والاستمرار سواء في إطار العملية السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر وتم ذلك بالتنسيق مع من يدير العمليات في المنطقة .
ودون الخوض في كل ملامح السيناريوهات والسيناريوهات المساعدة التي تمت الإشارة إليها في الحلقة الأولى بما فيها سيناريو خروجه من صنعاء وصولاً إلى عدن الذي أثيرت حوله العديد من التساؤلات فأنني هنا أكتفي بما ورد أعلاه واذهب إلى استخلاص النتائج المترتبة عليها في الوقت الراهن حيث أن عودة هادي إلى عدن جعلت الجميع في مأزق كبير لأن خروجه من عاصمة دولة الاحتلال إلى عاصمة الجنوب المحتل – كما يسمي ذلك ناشطو الحراك الجنوبي السلمي - قد احدث التأثيرات على مختلف الأطراف بالإمكان التطرق إلى بعض تلك التأثيرات فيما يلي :
· أربك المعنى السياسي والوطني للشمال والجنوب ومفهوم الاحتلال .
وذلك لأنه عاد إلى عدن بصفته رئيساً للجمهورية اليمنية وليس ذلك فحسب بل وأصبح الإعلام يكرس لقب الرئيس الشرعي وهذا جعله يهيمن على لقب السيد علي سالم البيض الذي كان يقال له كذلك لدى قطاع واسع من ناشطي الحراك السلمي الجنوبي وبعض المكونات تعاطت معه ورحبت به بعبارات التفخيم والاحترام باعتباره رئيساً بدافع من الشعور بإنتماءه للجنوب متناسين أنهم بهذا الشكل إنما يعطونه الاعتراف الكامل بشرعيته التي لم يساهموا في إنتاجها بل أنهم قاطعوا تلك الانتخابات التي كان مرشحها الرئاسي الوحيد . ونتيجة انتماء عدد كبير من أفراد اللجان الشعبية والناشطين في صفوف الحراك من أبناء منطقة هادي أو من المنتفعين منه بشكل أو بأخر فأن الحراك الجنوبي قد تعرض إلى هزة عنيفة في ثبات مفهوم الاحتلال من عدمه وما يترتب على ذلك من قناعات جعلت الشارع الجنوبي يتعرض للتصدع نتيجة عدد من الضربات المتلاحقة لمكوناته المتعددة .

· أعاد خلط الأوراق للقوى السياسية في صنعاء.حيث أدى خروجه الذي بدا مفاجئاً إلى حدوث إرباك كبير في المشهد وأعاد خلط الأوراق السياسية بين القوى السياسية المتحاورة في صنعاء وأوقفت تلك القوى حوارها بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه فيما بينها وذلك للنظر في التطورات التي حدثت وبحث كيفية تجاوزها كتحدي خطير يعيد ترتيب الأمور من جديد ووفق المعطيات الراهنة التي صار لزاماً على الجميع التعامل معها .
· أعاد خلط الأوراق لقوى الحراك الجنوبي التحرري السلمي في عدن .حيث فرضت عودة هادي إلى عدن تحدي خطير احدث هزة عنيفة للمفاهيم التي تبنتها مكونات الحراك الجنوبي التحرري السلمي فلم يستطيع الكثير من الناشطين أن يستوعبوا أن هادي ليس سوى رئيس للدولة التي لا يعترفون بوجودها وإنما هو يكرس سياسة دولة الاحتلال وليس له أن يكون شيئاً غير ذلك لأنه يستمد شرعيته من تلك الصفة ومن دعم واعتراف المجتمع الدولي والإقليمي به وبالتالي فقد عانت بعض المكونات من عدم القدرة على تحديد موقف مناسب من هذا التطور الذي فرض نفسه بإلحاح على المشهد العام في الجنوب كما هو الحال في الشمال .ومع ذلك فأن هذا الحدث قد افرز نضوجاً سياسياً بالمقابل لدى قطاع واسع من المكونات والناشطين الذي أصبحوا أكثر إدراكا وثباتاً على نهجهم الثوري السلمي التحرري .

توجهات هادي المتوقعة في الوقت الراهن :
أما فيما يخص توجهات هادي في المرحلة الراهنة فأنه لن يكون جنوبيا في اتجاهه السياسي العلني حتى لا يحتشد الشمال ضده ويفقد صفته ( الشرعية ) ولن يكون رئيسا لنظام لطالما مارس القمع ضد الحراك الجنوبي فيحتشد الجنوب ضده أو يحدث المزيد من التشظي والتصدع في الشارع الجنوبي سيعيد إلى الأذهان صراعات سبق وان تجاوزها الجنوبيون في مشروعهم العملاق الذي انبثق من بين صفوف الجماهير وهو مشروع التصالح والتسامح والتضامن . ولهذا فأنه بين انتماءه الوطني للجنوب (المحتل ) وانتماءه السياسي للنظام السياسي المتهالك الذي يحكم ويحتل الجنوب سيبقى توفيقيا بالضرورة بصورة ما لن يستطيع من خلالها البقاء في عدن وبالتالي أرى أن وجهته القادمة هي ( تعز) التي تنتظر بشوق لتبرهن على قدرتها وصلاحيتها لأن تلعب دور فاعل في مجرى التحولات الراهنة واللاحقة وربما تكون ملائمة للجميع في هذه الفترة بالذات ومع ما يتم الترتيب له ضمن سيناريو جديد لإعادة رسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة .
الخلاصة والبعد الاستراتيجي للسيناريوهات الدولية :
وعوداً على بدء فأنني أشير هنا إلى ابرز الملامح المشتركة التي تبدو في السيناريو الدولي في المنطقة بشكل عام حيث لوحظ وجود تشابه كبير في الملامح العامة التي يتم تنفيذ بعض الأحداث فيها في أكثر من منطقة من مناطق الصراع الناتج عن سقوط المرجعية الجامعة لأي شعب من الشعوب بل أن تلك المرجعيات الجامعة المتمثلة في سلطة الدولة ما أن تسقط أو يتم خلخلتها وإضعافها فأن النتيجة تكون واحدة في أي مكان في العالم إذ تحدث حراك عام قابل لاستيعاب وإعادة إنتاج أية أزمات أو إشكاليات وطنية داخلية وحينها تغيب المعيارية لتحديد السياسة العامة للدولة وتتعدد المفاهيم وتتنوع دلالاتها فتنتشر العبثية بشكل واضح على كل المستويات المجموعاتية وتنتج حينها الفوضى المطلوب إنتاجها وفق هذه المنهجية لتخلق الفرص المناسبة للتدخل الدولي في إعادة الهيمنة ورسم ملامح الخارطة السياسية للدولة أو للمنطقة بشكل عام وكما تم إنتاج الدولة الوطنية بعد نشوء عصبة الأمم فأنه يتم الآن تنفيذ إنتاج الدول أو الدويلات الصغيرة المفككة على أسس مذهبية وطائفية وهذا ينسجم تماماً مع مشروع الفوضى (الخلاقة) المراد منها تشكيل ملامح الشرق الأوسط الكبير .

م/ جمال مطلق
مدير منتدى مركز مدار للدراسات والبحوث
22/فبراير/2015م .