آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-12:11ص

أدب وثقافة


رحيل سليمان فياض الأزهري الذي خلع العمامة وصار كاتبا حداثيا

السبت - 28 فبراير 2015 - 08:36 م بتوقيت عدن

رحيل سليمان فياض الأزهري الذي خلع العمامة وصار كاتبا حداثيا
سليمان فياض: عند عتبة الوداع يلوح للعالم الذي كتب له من الظل

القاهرة((عدن الغد)) العرب :

شعاع آخر ينطفئ في سماء الأدب العربي، فبعد صراع طويل مع المرض توفي، الخميس، في القاهرة الكاتب المصري المرموق سليمان فياض عن عمر يناهز 86 عاما. وبرحيل فياض فقدت الساحة الثقافة العربية واحدا من أهم الكتاب العرب، الذي أثرى المكتبة العربية بإبداعاته في القصة والرواية والدراسات اللغوية على مدى نصف قرن، وهو لم يكن كاتبا مهما فقط، ولا حكاء أرخ للحياة الثقافية المصرية فحسب، بل كان علاوة على ذلك مثقفا رفيعا وأحد التنويريين الذين حاولوا تقديم الوجه الصحيح للدين، منذ تخرجه من الأزهر، إذ أصدر كتبا تتناول قضايا الثقافة الإسلامية، إضافة إلى إسهاماته الأدبية نوعا وكما.

ما يزيد عن خمسين عاما، والكاتب والروائي والقاص المصري سليمان فياض حاضرا يقدم جديدا لمفهوم الكتابة العربية بمعناها العميق وكتب الأدب بأجناسه المختلفة، رواية وقصة، وانشغل بالدراسات اللغوية، فقدم العديد منها وقدم للمكتبة العربية في مجال الرواية “أصوات” و”ايام مجاور”، وأصدر العديد من المجموعات القصصية منها “عطشان يا صبايا”، كما ترجمت جلّ أعماله إلى عدة لغات مثل “هو والطوفان”، أحزان حزيران” وغيرهما. لكن يبقي اسم سليمان فياض مقترنا بروايته الأشهر “أصوات”. عن رحيل فياض وردود فعل المثقفين المصريين كان هذا الاستطلاع.

شريف صالح

السلطة الثقافية وحفظ ماء الوجه

الملفت لي في وفاة سليمان فياض تلك الأخبار التي سربها النافذون أن وزير الثقافة قرر علاجه على نفقة الدولة قبيل ساعات من وفاته. وهكذا تأتي “السلطة” متأخرة جدا لحفظ ماء الوجه! فأين كانت طيلة مرضه وشيخوخته؟ عمنا سليمان فياض والذي لم ألتق به لسوء حظي، كان نموذجا للكاتب العصامي الذي يسند ظهره على كلمته لا على حفاوة الأنظمة والأجهزة به. والذي غمر بابتسامته المشرقة أجيالا من الكتاب.

كان يقارع الشباب ويغازل روائع المخلوقات بقلب فتي ويكتب كما لو لم يصادف صفحة بيضاء من قبل
وهو ضمن قلة قليلة جدا من الكتاب أعتبرهم نماذج حقيقية لمفهوم “الكاتب”. الكاتب المحترم المستقل الذي لا يكلّ عن البحث والتجويد ويهب حياته لمشروعه. فلا يتكالب على مناصب ولا عطايا. مثله في ذلك مثل نجيب محفوظ، فهو أيضا من تلك القلة القليلة جدا حيث لم يكتف بالإبداع بل راح يفحص أداة الإبداع ذاتها وهي “اللغة”، ويشبه في ذلك إلى حدّ ما إدوار الخراط من أبناء جيله.

وإن كان فياض استفاد من دراسته الأزهرية الرصينة فتبحر في دراسة اللغة نحوا وصرفا وفعلا وحرفا وأصدر مجموعة من أهم الكتب تجعله عالما لغويا كبيرا وليس فقط أديبا. بل وساهم في بعض مشاريع البرمجة اللغوية ويكفي أن نشير إلى كتابه المهم “النحو العصري” الذي يستحق أن يقرر على جميع طلاب المرحلة الجامعية.

فنحن أمام أديب ولغوي ومؤرخ أيضا أخذ على عاتقه إزاحة التراب عن الصفحات الناصعة للحضارة العربية والإسلامية فاهتم بتسجيل سير علمائها ومبدعيها، وتوّج ذلك بكتابه بالغ الأهمية “الوجه الآخر للخلافة الإسلامية” الذي يهدم أحد الأوهام الكبرى في ثقافتنا بالأدلة التاريخية. ويا ليت في هذا الزمن الداعشي يخرج وزير تعليم شجاع ويقرره على طلاب المرحلة الثانوية. مشروع سليمان فياض كتبه بإخلاص ومحبة، وهو وإن لم تخدمه آلة دعائية ولا سلطة، فإنه سيبقى خالدا ومؤثرا عبر الأجيال.

كاتب صحفي

سمير درويش

أصوات سليمان فياض

 
فياض أعطى للرواية مذاقها
 

تكفي “أصوات” لتخليد اسم سليمان فياض هناك مبدعون يؤصلون وجودهم داخلك بكثرة إنتاجهم الأدبي، لعل عملا أو أكثر يترك أثرا ما، أولئك الدؤوبون مثل نجيب محفوظ الذي يمكث طويلا داخل الفكرة قبل أن يغادرها إلى أخرى.

وهناك من يشعّون فترة ثم يتوقفون أو يتراجعون مثل يوسف إدريس وبهاء طاهر اللذين جاء أفضل ما أنتجاه في بداياتهما الأولى، وهناك من يكتبون عملا واحدا فارقا يخلد في ذاكرة الأجيال، لا تطمسه المحاولات المستمرة لذات الأديب ولغيره، مثل “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، و”فساد الأمكنة” لصبري موسى، و”أصوات” لسليمان فياض. روايات كثيرة أعجبتني في بداياتي، وأخشى إعادة قراءتها كي لا يتغير رأيي فيها، لكنني قرأت “أصوات” في وقت مبكر كذلك، وعدت إليها مرات فلم يخفت بريقها، على بساطتها وصغر حجمها، ذلك أنها رائدة في تبصر العلاقة بين الشرق والغرب وكيف ينظر كل منهما للآخر، كما أن السرد جاء بسيطا ونافذا.

اهتم بالتفاصيل الصغيرة وبالتصاعد الدرامي للحدث وتجسيد الشخصيات، وجاءت الخاتمة صادمة تعرّي قبحنا. كل هذا أعطى للرواية مذاقها، وجعلها واحدة من الروايات العربية المهمة في تاريخ الأدب العربي، وأعطى لسليمان فياض مكانته كأحد رواد كتابة السرد. قرأت بعض مجموعات فياض القصصية، و”أيام مجاور” لكنني لم أقرأ ما كتبه من رصد لحكايات الوسط الثقافي، ربما لأنني لا أحب تلك النوعية من الحكايات، ولا أستمع إليها، وأعرف أن تسعة أعشارها مفتعلة ومنتحلة وغير حقيقية، ولأن عشرات غيره يستطيعون ذلك، وقد فعله بعضهم بالفعل، لكن إبداع رواية مثل “أصوات” في هذا الوقت المبكر من عمر السرد العربي هو الذي يبقى، وهو وحده الذي يخلد اسم كاتبه.

شاعر

صابر رشدي

اسم كبير

مثل كل شيء، دائما ما يكون هناك نجوم، وأسماء كبرى، وعلى الجانب الآخر، مجموعة من المظاليم، يعملون في الظل، من بين هؤلاء الذين ابتعدوا عن الضوء الساطع، مفضلين منطقة العزلة والابتعاد عن الصخب، يأتي اسم الروائي والقاص وعالم اللغويات سليمان فياض.

سليمان فياض استطاع التجديد بشكل كبير في شكل القصة القصيرة، كما كان على درجة عالية من الثقافة والتنوير

 

إنه الحاضر الغائب أو الغائب الحاضر، تلك الحالة المربكة،التي تفرض وجود البعض على الذاكرة، وتغيبه عند استحضار قائمة المبدعين، أتذكر جيدا روايته الشهيرة “أصوات”، التي فرضت نفسها طويلا على الساحة الروائية، تاركة بصمتها، وجعلت كاتبا كبيرا مثل يوسف إدريس يصاب بالدهشة والذهول، ويهاتفه صائحا وصاخبا: “كيف فعلتها يا ابن..؟”. أنا أيضا توقفت عندها كثيرا، أخذتني براعتها في رصد عاداتنا المصرية، وانعكاسها على الآخر الغربي، تقنية الأصوات التي تحتاج كاتبا خبيرا ومتمرسا، على صلة عميقة بتيار الوعي، والمونولوغ، والتداعي الحر، للعم سليمان، أعمال كثيرة، قصص سيرة ذاتية، وغيرها.

كاتب قصصي

مصطفى البلكي

رحيل حكاء منحنا المتعة والفكر

رحيل حكاء منحنا المتعة والفكر عبر سنوات عمره، نجده مختلفا من حيث الجرأة واقتحام عوالم مسكوت عنها. فعلها في أصوات وفي الشرنقة وفي أيام مجاور. التشكيل اللغوي عنده يعد بطلا في أعماله، اللغة الموحية الخالية من البهرجة، لغة تمس النفس، وكأنك تجلس إلى من يجيد صناعة لا يعرفها إلا هو، أبطاله تجدهم من طين تلك الأرض، شكلهم بمهارة فهم يتناثرون حولنا؛ طلبة وفلاحون وعمال وصاحب بقالة وأرملة ومتعلم وجاهل.

كاتب روائي

عبدالنبي فرج

فياض والواقعية السحرية

 
صحفي وخبير لغوي وقاص وروائي ومجدد بارز في السرد
 

اختار سليمان فياض المدرسة الواقعية للتعبير عن رؤيته الإنسانية في قصصه بلغة رفيعة، متقشفة وحادة، خلقها واقع مزر كئيب ينتشر فيه الجهل والتخلف والمرض، والبلادة والعنف خاصة رائعته الروائية أصوات، التي عبر فيها عن التناقض والنفاق والتبلد الذي نعيش فيه دون اهتمام يذكر بالبلاغة، أو الإنشائية، أو الزخارف والحلي، ومن خلال بناء كلاسيكي مرن وسرد سلس عذب.

ولم يتوقف عطاؤه فقط عند الرواية والقصة القصيرة، لقد عمل محرر مكتب وكاتبا في القاهرة بمجلات (الإذاعة والتلفزيون، البوليس، الشهر)، ونائب رئيس تحرير مجلة “إبداع” بالقاهرة بين أعوام 1983-1985، و1992-1993.

كما ساهم في تطوير اللغة من خلال معجم الأفعال العربية المعاصرة، الدليل اللغوي، أنظمة تصريف الأفعال العربية، الأفعال العربية الشاذة، وجموع التكسير. وسيظل سليمان فياض لفترة طويلة مثقفا وتنويريا عظيما.

كاتب روائي

عزة رشاد

كاتب غير تقليدي

رحم الله سليمان فيّاض، عرفته كاتبا غير تقليدي، صاحب مقترحات فكرية وإبداعية، اكتشفتها أولا في روايتي “أصوات”، و”القرين”، وهما روايتان مميزتان رغم قصرهما، ومتقدمتان بالنسبة لزمن صدورهما. ففي “أصوات” مساءلة للذات بخصوص الآخر: هل نعاديه؟ هل نخافه؟ أم نعاديه لأننا نخافه؟

فياض ساهم في تطوير اللغة من خلال معجم الأفعال العربية المعاصرة، الدليل اللغوي، أنظمة تصريف الأفعال العربية، الأفعال العربية الشاذة، وجموع التكسير

 

أم نخافه لأننا نخاف أنفسنا؟ وفي “القرين” يعرض للإنسان المتعدد، وانشطار الذات وتناقضاتها بشكل مكثف ومبسط، دون أن ينسى جماليات الإبداع. كما أن كتابه السيري “أيام مجاور” من أمتع كتب السيرة وأكثرها عمقا، فهو حكاء رفيع المستوى حتى وهو يكتب سيرته، ناهيك عن مساهماته في مجال علم اللغة.

كما أن كتابه “الوجه الآخر للخلافة الإسلامية” يمثل درعا ضد التطرف والرجعية، وربما لو دُرس بجدية وقت صدوره لما وصلنا إلى ما نعانيه اليوم.

أقول وداعا لأستاذ اللغة العربية، رائد الفصل، المجاور لمشايخ الأزهر الذي ناضل -مع نفسه قبل أي شيء آخر- ليشكل وعيا مفارقا، وداعا للمبدع القدير عاشق الكتابة والحرية سليمان فيّاض.