آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

ملفات وتحقيقات


تحقيق : ستعودون عما قريب، وستعود عدن.. مواطن عدني يحكي تفاصيل حياة أهل كريتر في ظل الحرب

الأحد - 24 مايو 2015 - 10:50 م بتوقيت عدن

تحقيق : ستعودون عما قريب، وستعود عدن.. مواطن عدني يحكي تفاصيل حياة أهل كريتر في ظل الحرب
مباني مدمرة بكريتر عقب تعرضها للقصف قبل اسابيع

عدن(عدن الغد) خاص:

كتب / مازن شريف

انتقلت وعائلتي قسرا من كريتر إلى المنصورة, من الحواري العتيقة والبيوت الصغيرة المتلاصقة, إلى عمارة حديثة موحشة في شارع واسع موحش أيضا في مدينة تكاد لاتشبه عدن كثيرا, كلمة نازح اشتهرت كثيرا في أوساطنا, نقولها مازحين أحيانا, وأحيانا كثيرة من كبد وهم, شئنا أم أبينا, نحن نزحنا ولكل أسبابه, ولكل عذره, ولكل قوة احتمال, عني أنا فقد نزحت لأني لم أكن لاحتمل رؤية عائلتي تعاني سوء الحال في كريتر, وأيضا لسبب تطوعي, في كريتر سأنعزل ولن أستطيع تقديم شيء يذكر مقارنة بما استطعت عمله منذ نزوحي.

 لكن الحنين يجذبني دوما نحو حضن الأرض التي ولدت وترعرعت فيها, حضن كريتر الدافئ بدفء شمسها وشمسانها, قررت العودة المؤقتة, ورأيت خلال عودتي ما يستحق أن تقرأوه, سأحاول ما استطعت أن استجمع قواي الأدبية, وعضلاتي البلاغية, علّي أستطيع نقل بعض صور المآسي.

 

‫‏الطريق_إلى_كريتر

إشاعات كثيرة تصلني, يقولون أن الحوثيين بعد سيطرتهم على كريتر, يسمحون بدخول السكان, ولكنهم يمنعون خروج الشباب للاحتماء بهم كدروع بشرية, يقولون أيضا أنهم يطلبون البطاقات الشخصية ويبحثون في كشوفات, وأنه من المحتمل أن يكون اسمي ضمن المطلوبين, يقولون ويقولون, وكل ما علي فعله أن أترك أقاويلهم جانبا وأمضي قدما, في ساعة حنين شديد, ركبت الباص الذي يقل الركاب إلى كريتر, دفعت أجرة النقل 500 ريال, يا للهول, قبل الحرب كان سعر نقل الراكب 120 ريال. في بدء الطريق كان علينا تجاوز 4 نقاط للمقاومة, ومن ثم سلكنا خط العريش.

 

‫‏حوار

بعد جولة سوزوكي بدأت عدن تظهر في الأفق, الحرب زادتها رصانة ووقار, بدت ملامحها أكثر جدية ونضوجا, اختلطت عفويتها ببعض الحزن, كالعادة تبدو جذابة وجميلة. تأملتها كثيراً, وجّهت عيني صوبها, هي لاحظت ذلك, وبادلتني التأمل, حملقنا ببعضنا طويلاً, خلال تبادل النظرات, أخبرتها بأني اشتقت لها ولشمسان جداً, هي اشتاقت لي أيضا, لكنها لم تبح لي بشوقها, لازال بها بعض حنق, لست أمزح, لقد تحاورنا طويلا, لا اتذكر جل الحوار, لكني أتذكر أن بنهايته, لمعت عيناي حزنا وتعباً, أما ‫عدن فقد رفعت حاجبيها كبرة وأنفة, لازالت عنيدة وبها من العزة ما يمنعها من إظهار حزنها, بالعدني نصفها بكلمة "قنِفة", حتى القنافة تليق بها.

 

‫‏خورمكسر

للوصول إلى كريتر كان علينا أن نمر بخط ساحل أبين, كان علينا أن نمر بكمية دمار رهيبة, الدمار يبتدئ من فلل منطقة العريش, ومن ثم فندق سن شاين الذي تحطم بشكل كبير من جهته الخلفية, جولة الرحاب وجولة العاقل, السير ما بين الجولتين يهرمك ثلاثون سنة, كم هو كئيب وحزين منظر العمائر المحترقة, والمنازل المدمرة, الزجاجات المتناثرة, السيارات المتفحمة, والفلل المحطمة, كم هو حزين أن تشاهد عدن وقد عبث بها العابثون, ولعب بجمالها الحاقدون, كم هو مقزز مشاهدة تلك القرود الهمجية تتبجح عليك بلكنتها الشمالية المقيتة, كم كبرت سنين خلال السير ما بين الجولتين, كم كان الوقت طويلا ومملا ما بين الجولتين, كم بكيت بلا دموع, كم قهرت وتقهقرت وحزنت وتألمت, لم تسلم عمارة ولا مبنى على طول ذلك الخط, كل شيء جميل ناله جانب من قبح حقدهم. كل جميل دمروه, آآآآآآه كبيرة تأوهتها في قلبي, كم تمنيت لو أني استطعت أن أصرخ بها, احتجت للصراخ, لكن حتى الصراخ لم استطعه. يقولون في الجنة ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من النعيم, في عدن ما لم يكن لعقل أن يتخيله, مالم يكن لعين أن تحتمله, من دمار ومعاناة, لم أكن يوما لأتخيل أن يصيب مدينتي هذا الكم الهائل من الدمار, وأن يصيب أهلها وسكانها هذا الكم من المعاناة, والتشرد والعوز.

 

‫‏كريتر

نقطة للحوثيين على مدخل كريتر, متكئون وبجانبهم ترمس به الماء البارد, يافطة تقابلهم بها صرختهم, نظر نحوي أحد الحوثة , ابتسمت له ابتسامة لئيمة, هي أكثر ابتساماتي لؤما , وقلت له : "الله يلعنك" كان بعيدا كفاية لكي لا يسمعني, ككل النقاط المنتشرة على طول الطريق, قاموا بتفتيش الباص والركاب ومحتوياتهم, قبل تحرك الباص نطق الحوثي عبارته الشهيرة "أي خدمات يا رجال؟" ونطقت أنا ردي المعتاد "ارحلوا من البلاد", واصل سائق الباص تقدمه بعد أن أملى عليهم الكثير من المجاملات الزائفة, وعلى مسافة مترات منهم لعنهم وسبهم وذمهم, كعادة معظم السائقين.

 

العودة لحضن كريتر كان كطفل سلبوه من أمه, وها هو يعود لحضنها, لدفئها, لعبقها, لحنانها, ملأتني كريتر بحرارتها التي ألجمت بها شوقي وحنيني, لكريتر دفء خاص وعبق مميز وشعور ينتابك غريب بمجرد ملامستك لثراها, ثراها الذي ازداد تميزا وتفردا وغلاة بعد أن تشبع بدماء أبنائها الأحرار, ملأت عيناي بمنظر شمسان المنتصب بشموخ وعزة وكبرياء, شمسان الذي لم ولن ينحني أبدا, شمسان الذي اعتدت أن أسلم عليه كل يوم, سلمت عليه بحرارة وأبلغته سلام كل أبناء كريتر, من تركوها قسراً, واساني ببعض الكلمات, قال لي لابأس, ستعودون عما قريب, وستعود عدن.

في السابق "قبل اسبوعين من الآن" كان آخر ظهور للحوثيين ينتهي عند مؤسسة المياه وبرج التأمينات, لكنهم اليوم يظهرون ويتسكعون في كل كريتر, سأحاول حصر أشهر المباني والأماكن التي اقتحموها, لقد اقتحموا البنك الأهلي اليمني, واقتحموا المتحف الحربي , وكذلك مبنى المكتبة الوطنية, شرطة كريتر, البنك المركزي اليمني, مسجد الشنقيطي أصبح لوكندة لهم, مقر حزب الإصلاح, مبنى رامبو, وأماكن أخرى, يتسكعون في الشوارع ويتمركزون ببعض النقاط في المدينة العتيقة, تجولت كثيرا في المدينة الخالية من معظم سكانها, شاهدت معاناة بقية العالقين فيها, كريتر وحسب آخر الإحصائيات بها 20 ألف أسرة, نزحت معظم الأسر, لم يتبقى إلا 20% من الأسر بالإضافة لعدد من الشباب الصامدون لحماية الأحياء ومنازلهم, العالقون من الأسر يعانون معاناة شديدة لا يمكن لأحد لم يعشها أن يتخيلها وإليكم بعض النقاط التي توضح وضع كريتر ومعاناة سكانها الباقين فيها:

 

‫#‏كهرباء

الكهرباء منقطعة انقطاع تام عن كريتر منذ 29 أبريل, وكريتر أكثر مناطق عدن حرارة, كريتر المدينة المبنية على فوهة بركان خامد, ومنه اتخذت اسمها crater وتعني "فوهة البركان", ونحن في شهر مايو أي في عز الصيف, الحرارة والرطوبة هناك لا تحتمل, رأيت أطفالا أجسادهم حمراء بها جراح وبقع دم صغيرة, من الحر والرطوبة, المواطنون يسمعون يوميا أن الكهرباء ستعود "غدا" ولكن غدا لناظره بعيد, بعيد جداً...

لقد تضرر الكابل الرئيسي الذي يغذي كريتر والمعلا والتواهي وخورمكسر بالكهرباء, تضررا شديدا, وتجري محاولات إصلاحه, لكن اصلاح الكابل الرئيسي لا يعني عودة الكهرباء بالضرورة, فأثناء تجولك في المدينة العتيقة "كريتر" ستشاهد العديد من الأسلاك وأعمدة الكهرباء قد تدمرت وأحرقت وتضررت بشكل كبير يوحي بأن الكهرباء لن تعود قريبا, وستطول معاناة المواطنين.

بعض الأسر تمتلك مولدات لتوليد الكهرباء تعمل بالديزل أو البترول, لكن البترول والديزل معدوم وسعره في السوق السوداء مرتفع جدا, بعض الأسر القليلة المقتدرة تستطيع توفير الوقود لمولداتها, تعود الكهرباء لمنازلهم بضعة ساعات, تقوم هذه الأسر مشكورة بشحن لمبات ومراوح بقية سكان الحي, في كريتر معظم الناس يسيرون وبيديهم "تورشليت" وفي البيوت تشتعل الفتائل المعمولة من الزيت والقطن. المراوح التقليدية المصنوعة من سعف النخيل, والكراتين تساعد ربات المنازل أيضا. بسبب انقطاع الكهرباء, يعيش بقية سكان كريتر العالقون حياة بدائية وصعبة جدا, بعد صلاة المغرب تتحول المدينة لمدينة أشباح, هدوء عارم, ظلام دامس, إلا بعض اللون الأصفر يشع من بعض النوافذ التي لازال سكانها عالقون, الحركة شبه معدومة يتخيل لك أن هناك حظر تجوال في المدينة, ينام السكان كما كان ينام أجدادهم, الساعة التاسعة والكل رقود, وفي الصباح الباكر, يوقظهم الحر.

 

‫#‏اتصالات

جميع وسائل الاتصالات والتكنولوجيا مقطوعة عن كريتر, لا توجد وسيلة واحدة للاتصال والتواصل, الخطوط الأرضية مفصولة تماما, شبكة الانترنت مفصولة هي أيضا, شبكات اتصال الجوال جميعها مفصولة عدى شبكة يمن موبايل تتواجد في مربعات بسيطة من المدينة, فتجد من يريد الاتصال يذهب لمنطقة الخساف, هناك بضعة مترات مربعة اذا وقفت عليها يعود لجوالك مؤشر الشبكة, هذا إن كان جوالك مشحون البطارية, أما الانترنت فهناك أسرة أو أسرتين ممن لديهم مولدات كهرباء يمتلكون أيضا خدمة البرق, وهي شبكة انترنت متجولة, من خلالها يتواصلون مع العالم الخارجي.

 

‫#‏ماء_بارد

هل تعلم أن الماء البارد هو أعظم أمنيات المواطنين العالقين في كريتر؟! يتمنون رشفة ماء بارد, يحلمون بمشاهدة علبة المياه الصحية والعرق يتصبب منها, يتسابقون إذا ما أتى إليهم زائر وبيده قطعة برَد.

انقطاع الكهرباء هو السبب الأساس لأزمة الماء البارد, قبل بضعة أيام كانت المدينة تعاني من حصار محكم, لم يكن يدخلها ماء الشرب الصالح ولا قطع البرد, هذه الأيام الحركة مسموحة من وإلى كريتر, يستقل البعض سيارات ذاهبة للشيخ عثمان, يشترون البرَد ويبيعونه على المواطنين العالقين في كريتر بأسعار خيالية, قطعة البرد التي كانت بمائتين ريال تباع في كريتر بألف ريال, السعر جنوني وسط احتياج الناس الشديد وعدم استلامهم لمرتباتهم وانقطاع أعمالهم, ولكنهم يشترون قطع البرد التي أصبحت كقطع الذهب, في سوق الطويل وجولة زكو وكذلك جولة الفل, ظهرت تجارة جديدة, شباب وأطفال يقفون وأمامهم ترمس ماء كبير, معبئ بماء الحنفية وبقطع من البرَد, يبيعون كأس الماء على السكان, الكأس بخمسون ريال, وعلبة الماء البارد "ماء حنفية" بمائة ريال, الناس مرغمة أن تشتري, لتروي عطشها.

 

‫#‏خضار

انتعش سوق الخضار قليلا, قبل أسبوعين كان الحصار شديدا على كريتر حتى الخضار لم يكن يسمح بدخولها, أما هذه الأيام فالخضار متوفرة ولكن سعرها أضعاف السعر الطبيعي, الجوع يجبر الناس على الشراء, وسط انعدام الرقابة وغلاء أسعار المواصلات يضطر البائعون لرفع السعر هم أيضا.

 

‫#‏سمك_دجاج

متوفرين أيضا, ولكن أشك بمقدرة الأسر على شراء السمك والدجاج, قام الحوثيون بسرقة احد تجار الدجاج المجمد, أرادوا أن يوزعوا ما سرقوه على الأسر ولكن معظم الأسر العدنية رفضت وامتنعت عن استلام أي معونات منهم, بعض المهمشين اخذوا, وحسب قولهم أن الدجاج غير صالح للأكل وسبب لهم آلام بالبطن.

 

‫#‏روتي

من المحاسن الوحيدة التي يمكن ذكرها للحوثيين, هو أنهم يقومون بتوفير مادة الديزل للأفران, يوفرون الدقيق أيضا وبالتالي عاودت الأفران عملها وتبيع الروتي للمواطنين بسعر زهيد 5 ريال.

 

‫#‏مؤن

لم تصل أي معونات غذائية للعالقين في كريتر, يتحجج القائمون على هذه المعونات بصعوبة دخول كريتر, مع أن الدخول والخروج أصبح سهلا وطبيعيا "إلى حد ما", لذلك يعاني المواطنون من نقص الغذاء وضروريات الحياة, كما يعانون من شحة المادة فهم منذ أشهر لم يتسلموا مرتباتهم, بعض فاعلي الخير يقومون بتوزيع مواد غذائية على قدر استطاعتهم.

 

‫#‏صحة

تعاني المدينة من تدهور الوضع الصحي بشكل مخيف, معظم المراكز الطبية إما مغلقة أو خالية من الأدوية وكذلك من الأطباء بسبب النزوح, مجمع القطيع مغلق مع أن الوضع أصبح آمنا هناك, ومجمع الميدان يعمل من غير كهرباء وغالبا ما يرفض علاج المرضى, مركز شعب العيدروس التطوعي وكذلك عيادة خالد التطوعية هما أكثر الأماكن عملا وكفاحا في الجانب الطبي, لكنهم يعانون أشد المعاناة, فالصيدليات خالية والكهرباء غير متوفرة والمولدات بلا وقود, والوضع مزري بشكل لا يمكن وصفه.

 

‫#‏وباء

وباء حمى الضنك متفش في المدينة, حالات إصابات كثيرة بالإضافة لحالات وفيات, وحسب إفادة المهتمين بالوضع الصحي في كريتر, فلا توجد أي جهود حكومية أو من قبل المنظمات الدولية لمحاربة والحد من وباء حمى الضنك, كما أن المغذيات والسوائل التي يحتاجها مريض الضنك لا تدخل كريتر.

إلى جانب انتشار حمى الضنك ينتشر في المدينة العتيقة مرض الملاريا, وسط انعدام تام لجرعته العلاجية في كريتر, يضطر المريض للخروج من كريتر لتلقي العلاج.

 

‫#‏الوضع_البيئي

حدث ولا حرج, المدينة غارقة بمياه الصرف الصحي, والقمامات متكدسة بكثرة في الأحياء السكنية, لا توجد أي جهود لنقل القمامات خارج المدينة, كل ما يقوم به المواطنون هو إحراق القمامة, وينتج عن ذلك دخان غير صحي يزيد من سوء الوضع البيئي, الذباب والبعوض منتشر بكثرة وناقل للأمراض والأوبئة, وهو ما يزيد من معاناة العالقين هناك.

 

‫#‏كبار_السن

خلال يوم من الجولات والاستطلاع قابلت ثلاث حالات في كريتر تبكي العين وتؤلم القلب, أحدهم كبير في السن لا أهل له ولا مأوى, ينام منذ زمن في ركن شارع, يتصدق عليه الخيرون بالطعام والعناية, لكنه مرض بقدمه ونقلوه للمراكز الصحية في المدينة, يقول مشرفوا المراكز انه بحاجة لنقل لخارج المدينة, لم يستطع أحد نقله, بقي في الشارع والجراح تملأ قدميه, والذباب يملأهما, في منظر حزين ومبكي, يمر المارون ولا يستطيعون عمل شيء, ذات القصة وباختلاف بسيط تتكرر مرتين في منطقة القطيع, عجوز مريضة مقعدة لا أولاد لها ولا أهل سوى أخوها المسن, مريضة وبحاجة للنقل لخارج المدينة, ولكن من سيهتم بها وأين سيتم وضعها لا نعلم؟؟؟ وعجوز آخر بنفس حالتها واحتياجها, حبست دموعي, لكن لم استطع حبس قهري وقلة حيلتي وعجزي, ثلاثة أرواح بحاجة للمساعدة العاجلة, لكن الأرواح في بلدي أرخص مما نتخيل.

 

‫#‏معالم و ‫#‏آثار

كريتر هي المدينة القديمة العتيقة وبها معالم أثرية ومبان قديمة بطراز متميز وفريد, لم تسلم المعالم الأثرية والثقافية من التدمير وكذلك المنازل القديمة العتيقة, المتحف الحربي مكسور الباب ومكسور النوافذ, به شظايا كثيرة وتشوهات عديدة, يجلس الحوثيون على بوابته, أخبرتهم بأن المتحف بحاجة لإغلاق وحماية وعدوني أنهم سيحمونه, المكتبة الوطنية "مكتبة باذيب" بها الآلاف من الكتب القديمة والأرشيف الثقافي الريادي للمدينة, المكتبة تهشمت واجهتها الزجاجية, ودمار بأجزاء من المبنى, تعرضت لضربات مدفعية وتخزقت الجدران, مبنى الضرائب القديم والجميل والذي كان مدرسة داخلية لليهود تعرض أيضا للدمار بشكل بسيط, منارة عدن التاريخية أصابتها شظية, السوق المركزي القديم تعرضت واجهته لقذيفة, والعديد من البيوت والنوافذ القديمة تعرضت للتدمير.

 

‫#‏مغادرة

مكثت في كريتر يوما واحدا, 24 ساعة, نمت في حضنها تلك الليلة, احتضنتها بشدة, بكيت كثيرا على حضنها, وعدتها بأني سأعود مرارا وتكراراً, سأتفقدها وسأساعد العالقين فيها ما استطعت, استيقظت صباحا, وبما تبقى معي من نقود فاعلي الخير اشتريت بعض المؤن الغذائية وبمساعدة أصدقائي وزعناها على خمسين أسرة من العالقين, أثناء التوزيع استطعت دخول بعض البيوت, حاورت بعضهم, التمست المعاناة عن كثب, بعضهم يرفض الخروج لأنه ليس له خيار ينزح إليه, البعض لديهم أقارب خارج كريتر ولكنهم يفضلون البقاء والعيش أو الموت فيها, بعض الأسر نفذ غاز الطبخ لديهم, ولا يجدون شيئا يطبخون به, بعض الأسر ليس لديهم عائل, جميعهم نسوة وأطفال, والبعض كبار بالسن ولا أحد يهتم بهم غير شباب الحي, حملت همومهم ووعدتهم بأني سأعود مجددا ومعي مساعدات أكبر, وعدتهم بأني سأوصل أنينهم لمن يهتم, علي أنجح في ذلك..

 

بعد صلاة الجمعة, غادرت أمي, سيدتي وونيستي, غادرت كريتر, وكلي ألم وقلبي متشبع بالهم والآه, حاملا على ظهري أكوام من المعاناة, نقلت معي القليل من الأغراض المهمة, والكثير الكثير من الهموم والأوجاع, على متن سيارة اصدقائي, سرنا بنقاط الحوثيين, شاهدت الدمار الذي حل بخط ساحل أبين مجددا, تألمت أكثر, وبكيت بلا دموع أكثر, كان الطريق طويلا رغم قصره, والزمن يمر ببطء, في ذلك الطريق تتعمد عقارب الساعة السير ببطئ, تتثاقل عمدا مع سبق الاصرار والترصد, كل ثانية تمر يوخزك قلبك آلاف المرات ألما وكمدا, وعندما لم أستطع التحمل, أغمضت عيناي وتظاهرت بالنوم على كتف صديقي الذي عاد للتو من الغربة, تعمدت ارخاء رأسي على كتفه, تخيلت نفسي فلاش يو اس بي, نقلت جزءا من همومي إليه, وصلت للشقة حيث محل نزوحنا وأنا منهك جدا, خيّل لوالدتي أني كنت أحمل حجارا وذلك سبب انهاكي الشديد, لم اخبرها أن ما شاهدته من معاناة الناس, ومن دمار عدن هو اشد ثقلا وصعوبة من حمل الأحجار.

 

‫#‏رسالة

لكل المنظمات الدولية, للجهات الإغاثية, للجهات الحكومية, لحكومة الرياض, لفاعلي الخير, للمغتربين, كريتر بحاجة ماسة لتدخل إغاثي سريع وعاجل, مؤن غذائية وأدوية ومستلزمات طبية, سيارات اسعاف لنقل المرضى, وسيارات لنقل البرَد والماء البارد, وللكثير من المساعدات, فماذا أنتم فاعلون؟.

 

رئيس مؤسسة عدن أجين الثقافية مصمم جرافيك ومصور متطوع منذ بدء الحرب