آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-02:06ص

أدب وثقافة


قصة قصيرة: هلوسة

السبت - 16 مارس 2013 - 06:06 ص بتوقيت عدن

قصة قصيرة: هلوسة

لحج((عدن الغد)) خاص:

 

ذات يوم كان الطابور في حارتي  طويلا لم أرغب في الانضمام إليه رغم إيماني العميق أن الطوابير تعلم الناس النظام والمساوة, إلا أني لا أعرف من شدني من يدي وأرغمني على الانضمام صارخاً في وجهي: هذا هو الطابور الأخير لم أفهم ما معنى الطابور الأخير , ارتمت سريعاً بين أحضان ذاكرتي أيام المدرسة الابتدائية حين  يرن جرس الطابور كل صباح فاهرب سريعاً للاختباء,فيأتي المدير غاضباً حاملاً عصاه بحثاً عن هذه المشاغبة الصغيرة التي تحرض طلاب المدرسة على عدم حضور الطابور الصباحي.

 

يضربني المدير بعصاه وأنا أضحك من كل قلبي على غباء المدير وتفاهته كنت أريد مراراً أن أقول له أن يهتم بوجود مدرسين ومربين حقيقيين بدلاً من الانشغال بضربي كل صباح وبدلاً من الانشغال برص صفوف ذلك الطابور الطويل العريض الذي يشبه هذا الطابور الذي أمامي الآن. لكني كنت لا أجد الكلمات الكبيرة والضخمة لأقولها للمدير كما أني كنت أتلعثم في الكلام كغيري من صغار الحارة المتلعثمين الذين يظلون صامتين خوفاً من ضحك الآخرين واستهزائهم.الشمس حارقة,الشمس غاضبة من سكان الحارة,الشمس ستنفجر بعد قليل هذا ما حاولت أن أقنع به عجوز تقف أمامي في الطابور لكنها لم تكترث لنبؤئتي.كنت الليلة الماضية أقرأ رواية الأديب(جوسف كونراد) لم أفهم من روايته(قلب الظلام) سوى العبارة التي تقول:( الشمس حارقة جداً في أفريقيا) لم أفهم بقية الرواية, كانت هذه العبارة كافية لعكسها على واقع الحارة والطابور الذي انضممت له غصباً عني حاولت اقتباس هذه العبارة,وأصرخ بها في هذا الطابور الممل لكن لم يفهم قصدي أحد.

 

تعبت الانتظار حان وقت الصلاة لم يهرع للصلاة أحد. حان وقت الغذاء لم يأكل أحد. حان وقت القات لكني لم أجد حولي رجلاً يخزن. استغربت هل نحن في رمضان؟؟ لا لا أعتقد كنت سأصوم كالبقية إلا أني كنت أرتشف بين الفينة والأخرى بعض قطرات من الماء.الطابور طويل وقد انتابتني نوبة من الجنان والضجر.أصوات تتعالى من كل مكان رحمت وقتها أذناي المتعبتان من كثر الكلام, تمنيت سكين لأقطعهما حتى ترتاحا من كل الموجات الصوتية التافهة التي تدخلهما صدفةً أو غصباً, رأيت سكين من بعيد لكني كنت أقصرهم في الطابور, أردت هذه السكين وبشدة قررت حينها الموت من أجلها. دفعت من كان أمامي في الطابور لم أكترث بتلك العجوز التي تعثرت ووقعت. كان الهدف تلك السكين ليس من أجل قطع أذناي وحسب وإنما شعور قوي انتابني وقتها بأن هذه السكين فيها خلاصي الوحيد وخلاص هذا الطابور.

 

مع مدافعتي للأمام عرفت ما يدور في أول الطابور, كان أحدهم يخطب في القوم بأن الشمس ستصبح أكثر حرارة عما سبق فعلى الجميع النزول إلى الأنفاق التي تحت الأرض للاختباء وعليكم أخذ ما يكفيكم من الطعام والشراب. هناك جماعة آخرون كانوا يفرقون الغذاء للناس.بدأ لي هذا المشهد مسروقاً من فيلم أمريكي شهير يتحدث عن نهاية العالم. بدأ لي الآن هذا الطابور أكثر منطقية إلا أن الناس في المؤخرة الذين كنت معهم لا يعرفون السبب الحقيقي للوقوف أخشى انسحابهم السريع لمنازلهم قبل استعدادهم للكارثة التي ستصيب الأرض بسبب الشمس. لن أكترث بأحد كان الأجدر بهم أن يعرفوا السبب الحقيقي للطابور قبل الوقوف فيه. لا لن أكترث بهم كل ما أريده الآن هو تلك السكين. أريدها وبشدة أخشى على التفاحة التي في يدي أن تسرق قبل أكلها والتفاح الأخضر مفيد جداً للصحة وفيه مضادات للأكسدة تقي من حرارة الشمس. ماهي إلا لحظات حتى وجدت السكين في يدي. علي أن أقطع تفاحتي سريعاً وأكلها فبل أن يشاركني فيها أحد هؤلاء البؤساء حولي.

 

أكلتها كلها, الآن ستنتشر مضادات الأكسدة داخل جهازي المناعي ستقيني بالطبع من حرارة الشمس لأن الشمس فوق هذا الطابور حارقة جدا..لا أدري كيف سيحتملها جسدي المتعب في الساعات القادمة إلا أن يحين دوري لأخذ حصتي من الغذاء والنزول إلى تحت الأرض,أخ تذكرت الآن أن علي التأكد أولاً من وجود تلك الأنفاق فقد مضى زمن طويل منذ أن ضربت الأرض تلك القنابل الذرية ذلك اليوم أذكر اختبائي تحت الأرض كنت أحمل وقتها تفاحة وسكيناً كهذا اليوم بالضبط, أحدهم أخبرني وقتها بأن التفاح يحتوي على مضادات الأكسدة التي تقي الجلد من تشوهات القنابل الذرية وشظايا الصواريخ.أصبحت الآن أكثر اطمئنانا فسكيني في يدي وتفاحتي في بطني ولم تعد تخيفني الشمس الحارقة!!.  

 

من: شيماء باسيد