آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-01:43م

فن


نجوم سوريا أمام تصنيفين: شبيحة ومندسون والمختلف عنهم خائن

الأربعاء - 10 أبريل 2013 - 02:50 م بتوقيت عدن

نجوم سوريا أمام تصنيفين: شبيحة ومندسون والمختلف عنهم خائن
نجوم سوريا

دبي ((عدن الغد)) إيلاف

بعدما وصلت الدراما السورية ونجومها إلى الصفوف الأولى في العالم العربي وبعدما أصبح أبطالها رموزًا شعبية على مدار عشرات السنين، ها هم اليوم تحت مرمى النيران.

 

الفنان الذي من المفترض أنه يعكس صورة الواقع بما يتضمنه من إيجابيات وسلبيات من دون أي تحيز أصبح اليوم بين نارين، فإما مطرقة النظام وإما سندان المعارضة وعليه الإختيار، أما الخيار الثالث الذي كان ملاذ الكثيرين منهم هو ترك الوطن والرحيل والتزام الصمت فأصبحوا اليوم خونة في نظر طرفي الصراع ولكن على الطرف الأخر.

 

أليسوا هؤلاء هم من كانوا ينادون بالحرية ومحاربة الظلم والفساد في أعمالهم؟ ألم يتعرض بعضهم للكثير من المضايقات الأمنية بسبب انحيازهم للشعب المضطهد وقضاياه حتى اضطر بعضهم الى الرحيل القسري وترك الوطن هربًا من جحيم الاستدعاءات الأمنية التي لم تصل الى قادة الأحزاب السياسية المعارضة بالحجم الذي وصلت إليهم؟

 

أم أنهم كانوا يبيعون مواقف فارغة ومبادئ وخطب رنّانة من دون أي تأثير؟ ألم يكونوا يعملون بمباركة من النظام الذي كان يعتبرهم متنفسًا للشعب حتى يظهر بأنه يمتلك قدرًا من الحرية لانتقاده علنًا في كثير من الأعمال التلفزيونية من دون أي مشكلة تواجه هؤلاء الفنانيين؟

 

يهربون من الإعلام بعدما كانوا نجومه

في السنوات الذهبية للدراما السورية كما يسميها البعض كان الفنانون السوريون يملأون الصحف والمجلات والمواقع الفنية وحتى البرامج التلفزيونية بحواراتهم ومواقفهم وتصريحاتهم، ولكن اليوم اختفت كل تلك الأسماء إلا بحوارات خجولة ومقابلات تلفزيونية تُفرض على بعضهم ويهرول إليها أخرون معتقدين بأنهم سيتحولون الى أبطال شعبيين سواء بنظر هذا الطرف أو نقيضه على الجهة المقابلة فما هو السبب لهذا الاختفاء المفاجئ والغياب حتى عن البرامج الفنية التي تبتعد عن السياسة.

 

باسم ياخور الشبيح المندّس

في تصريح خاص لإيلاف أكد الفنان باسم ياخور أن الابتعاد هو الحل للكثير من الفنانيين بسبب الافتقاد الى لغة الحوار أو حتى فهم وظيفة هذا الفنان التي لا تطرحه كزعيم سياسي أو قائد ميداني انما هو فقط فنان يقول رأيه بحرية، فيكتشف بأنه أصبح هدفًا للهجوم من المعارضة اذا كان في صف النظام ويتحوّل تلقائيًا إلى "شبيح"، ويصبح هدفًا للهجوم من النظام إذا كان من المعارضة فيتحوّل الى "مندّس" أم إذا كان في صف الوطن والتزم الحياد واستنكر ما يقوم به الطرفين فإنه يتحول الى "الشبيح المندس" وهذا ما حصل معه شخصيًا.

 

وأكد أن هذه التصرفات تعكس الواقع المرير والإهانة الكبيرة التي يتعرّض لها فنانون لهم تاريخ طويل وقيمة فنية كبيرة مثل الفنان دريد لحام الذي يملك تاريخًا طويلاً من طرح قضايا الوطن منذ عشرات السنين، وخير دليل على ذلك مسرحية "غربة" ومسرحية "كاسك يا وطن" وغيرها من الأعمال التي انتقدت السلطة في زمن لم يكن فيه أي ممن يشتمونه اليوم ويتهمونه بالخيانة.

 

وأشار باسم إلى أن أعمالاً مثل بقعة ضوء، وأيام الولدنة، ومرايا وغيرها من الأعمال الكثيرة التي قادت الكثير من الفنانيين الذين قدّموها الى فرع الأمن والتحقيق معهم، وجدير بهؤلاء أن يُحترم رأيهم ولا يتحوّلون الى مادة دسمة للشتيمة والألفاظ الجارحة على مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية.

 

بعدما كانوا ضحية للنظام هم الآن قرابين المعارضة

الجدير بالذكر بأن هؤلاء الفنانون الذين كانوا ضحية للنظام وتغييبهم قسريًا عن الشاشات أصبحوا اليوم قرابين للمعارضة، فأصبحوا هدفًا لحملات تشويه ممنهجة وفتاوى إهدار دماء ونشر لعناوينهم وأرقامهم الخاصة، ليجدوا أنفسهم مضطرين للرحيل قسريًا، ومنهم من فقدوا حياتهم مثل الفنان الكبير ياسين بقوش الذي كان مغيّبًا عن الساحة الفنية بقرار "من فوق" كما يردّد البعض فاستهدف وقتل ليضيع دمه بين الإتهامات المتبادلة بين قوات النظام وكتائب المعارضة المتمثلة في الجيش الحرّ، ومنهم أيضًا الممثل محمد رافع الذي خطف وقتل بعد اتهامه بأنه يعمل شبيحًا مع ميليشيات النظام بحسب قول خاطفيه وهي التهمة التي نفتها عائلته بالكامل.

 

وعلى الجهة المقابلة هناك فنانون تعرّضوا للسجن والاضطهاد من أجهزة الأمن التابعة للنظام ومنهم الفنانة السورية مي سكاف، والفنان محمد آل رشي ابن النجم عبد الرحمن آل رشي، والممثل الشاب محمد أوسو وغيرهم الذين سجنوا لفترات متفاوتة مع تقارير تفيد بتعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي ولكنهم يتكتمون على ذلك حفاظًا على ما تبقى من صورتهم الفنية، ومن الذين تعرّضوا لحملات التشويه النجمة السورية الكبيرة منى واصف التي تعرّضت لحملة انتقادات واسعة من المناصرين للنظام حتى وصل الأمر الى المطالبة بسحب وسام الإستحقاق الذي قلدها إياه الرئيس السوري بشار الأسد منذ عدة سنوات.

 

اندفاع في المواقف ثم تراجع فاختفاء

ويرجع الكثير من النقاد السبب الذي أدخل الفنانيين الى حقل الألغام الذي هم فيه الآن هو اندفاع الفنانيين أنفسهم الى تبني المواقف والدفاع عن طرف دون الآخر، متخطّين بذلك وظيفتهم الأساسية وهي التزام الحياد طالما أنهم فنانون ووظيفتهم طرح الأخطاء في المجتمع وانتقادها وتسليط الضوء على السلبيات، وقد اندفع بعض هؤلاء الفنانون بصورة كبيرة حتى تحوّلوا الى محللين سياسيين ومدافعين شرسين عن طرف دون الأخر ما سبّب لهم الكثير من المتاعب الذين هم بغنى عنها.

 

ويبدو أن بعض هؤلاء الفنانيين فهموا الدرس، فبعدما كانوا مندفعين بصورة جنونية تراجعوا رويدًا رويدًا حتى اختفوا عن الساحة تمامًا، ومنهم الفنانة سلاف فواخرجي التي كانت مدافعة شرسة عن النظام، والفنان دريد لحام الذي أصبح مُقلاً نوعًا ما في إطلالاته التلفزيونية.

 

وعلى الطرف الأخر اختفت التصريحات النارية من الفنانة أصالة التي بدأت تصلح علاقتها مع لبنان بعدما أعلنت أنها تخاف على حياتها اذا زارته متهمة السلطات بخطف وقتل أكثر من مئة معارض، فتراجعت وأكدت أن البعض غرّروا بها.

 

البعض خسروا شعبيّتهم أو أملاكهم أو حياتهم

وإذا قارنا مدى الربح والخسارة في هذه الدوامة الشائكة، لم نجد أن أيًا من هؤلاء الفنانون حقق المكاسب التي كان يرجوها سواء بحسن نية في طرح فكرة الحوار والحفاظ على الوطن أو بسوء نية عبر تحقيق مكاسب مع هذه الجهة أو تلك والتحوّل الى أبطال شعبيين، ولكن كانت النتيجة عكسية بامتياز.

 

البعض خسروا الكثير من شعبيتهم ومنهم الفنانة السورية رغدة التي أصبحت تصريحاتها مادة للسخرية في مواقع التواصل الإجتماعي، إضافة الى المتاعب التي تسبّبت فيها لعائلتها التي تنحدر من ريف حلب الى أن وصل الأمر ببعضهم الى التبرأ منها ومن مواقفها سواء مُخيرين أم مُجبرين ومنهم والدها العجوز الذي ظهر بشريط فيديو معلنًا دعمه للجيش الحر في ما اتهمت رغدة العصابات المسلحة باختطافه، وفي الحالتين تسبّبت رغدة بالزج بعائلتها في متاعب هي في غنى عنها من الأساس.

 

لم تكن أصالة اوفر حظًا بعدما أعلنت دعمها للثورة وهاجمت النظام بشدّة ولبنان باعتبار الحكومة فيه موالية للنظام ولكن الكثيرين اتهموها بأنها تحاول التسلق على الثورة خصوصًا أنها كانت من المقربين من السلطة في دمشق ولها العديد من الأغاني الخاصة بالرئيس، وكانت تصريحات أصالة متخبطة بحيث أعلنت أكثر من مرة أنه غُرّر بها وأنها لا تفهم من السياسة إلا قشورها ومرّات تهاجم النظام بقسوة كبيرة.

 

أما على الصعيد الأخر، فقد اضطر العديد من الفنانون إلى ترك سوريا قسرًا بعدما ضاق بهم واقع الصراع في سوريا ومنهم الفنان باسم ياخور الذي يعيش بين دبي والقاهرة، والفنان عبد الحكيم قطيفان الذي استقر بالقاهرة، والفنان غسان مسعود الذي قال في تصريحات خاصة لإيلاف بأنه ترك سوريا بعدما أصبحت لغة العنف هي السائدة وأنه يخاف على أولاده من أن يتشربوا الكراهية التي تتفشى في سوريا.

 

والأخطر من ذلك هم الذين خسروا حقهم الطبيعي في الحياة سواء بدفعهم ثمن مواقفهم كما حصل مع الممثل محمد رافع الذي قتل لتأييده للنظام أو الفنان ياسين بقوش الذي دفع حياته لسبب يجهله الجميع فهو فنان محبوب لم يدخل نفسه في أي نوع من الصراعات القائمة في سوريا ولكن القدر اختاره رغمًا عنه ليكون ضمن هذه الأحداث.

 

حتى الصامتون خونة!

ولكن الغريب في الموضوع هو أن حملات التخوين لاحقت الفنانيين الذين التزموا الصمت والحياد ليتم اتهامهم بأنهم بلا موقف وخائنون لبلدهم وما قدّمه لهم، أو خائنون للثورة التي طالما نادوا في أعمالهم بمبادئها وهي رفع الظلم والطغيان ومحاربة الفساد، فكانوا الهدف المشترك الوحيد الذي اتفق عليه المؤيدون والمعارضون ليضعوهم تحت مرمى حملاتهم التشويهية التي لا توفّر سبيلاً في هذه الحرب إلا واستعملوه فيها.

 

ولكن يبقى الواقع المرير الذي يتفق عليه الجميع هو أن الدراما السورية خرجت من المنافسة بعدما كانت تحتل المراكز الأولى بين نظيراتها المصرية والخليجية لتكون الأعمال التي تخرج من رحم هذا الصراع خجولة من حيث تحقيق الحد الأدنى من الوجود.

 

والحقيقة الأخرى بأن نجوم سوريا أصبحوا مشرّدين وضائعين بين القاهرة وبيروت ودبي ينتظرون عروض المنتجين الشحيحة ليتمسّكوا بها بعدما كانوا يرفضون الكثير من الأعمال نتيجة العروض الكثيرة التي يتلقونها، ويبقى واقع الدراما السورية ينازع للبقاء في ظل صراع يأكل الأخضر واليابس في سوريا.