آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-08:05م

ملفات وتحقيقات


رحلة البحث عن دبة ماء

الجمعة - 12 أبريل 2013 - 04:53 م بتوقيت عدن

رحلة البحث عن دبة ماء
هنا ندفع ثمن "الكنز الحقيقي" ..حلم ذلك الوطن بداخلنا ..ذلك الذي لن نتنازل عنه مهما أشتدت وعورة رحلتنا للبحث عن ضوء كهرباء أو دبة ماء.

لحج((عدن الغد)) خاص:

 

الشمس تتوسط السماء ترسل أشعتها الحارة جدا ليكتمل مشهد المعاناة لمواطن(س) من الناس يقضي يومه بحثا عن رغيف..وأن وجده اخر النهار بالتأكيد سيأكله على ضوء الشموع أو الفوانيس..أيحلم ذلك البائس بأكثر من تلك رومانسية تفيض بها عليه حكومته!!! ليحمد الله ساعتها ..

 

المواطن (س)  من الناس يتمنى لو لم يولد شخص من الأساس يدعى ((توماس أديسون)) أو على الأرجح تمنى لو ((تشرت)) ذلك الرجل بإحدى محاولاته لإضاءة العالم وقضى نحبه يومها. الفكاهة هنا تمد سيل الدعاوي ((ورد المواطن عند كل صلاة))  لترمي بثقلها على رأس ذلك الرجل المسكين أديسون الذي حاربه العالم بأسره وهو يمد أسلاك المحبة ليضيء قلوب البشر قبل بيوتهم..رجل واحد أضاء الكون..بعد معاناة ممتدة ومحاولات يائسة أثمرت عن أمل جميل..بالتوازي يقابله رجل من الناس هنا على هذه البلاد يعيث الفساد يتجرأ على حلم أديسون فيخرب محطات الكهرباء ويضرب أبراجها..انتهاك صارخ لمسيرة الإنسانية جمعاء ولسنوات طويلة..

 

في الصباح ينهض(س) من الناس ..يوم متعب كسابقه وحده الأمل في الحصول على دبة ماء ما يبقيه على قيد الحياة..في رحلة البحث تلك تقف الكهرباء بالمرصاد  ..أنسى الموضوع يا (س) من الناس ..فلو أن الكهرباء مقطوعة ما فيش أمل تلقى دبة ماء ..إلا لو ابتكرت بفهلوتك وشطارتك طريقة خاصة لتوليد الكهرباء فيتمكن ساعتها ((شفاط)) بيتك من شفط لك ما تيسر من ماء.

 

بالمقابل أنصحك..بوقف الدعاوي واللعنات التي تلقيها على((شفاطين)) حياتك من مسؤوليين ومخربين وحكومة...لا تدعي عليهم كثيرا ..فالرواية تقول: أن الدعوة واللعنة تلف وتلف وتلف وتدور وترجع فوق رأس صاحبها..ولك الآن أن تكتشف سر حياتك البائسة واللعينة.

 

المشكلة أن (س) من الناس يموت بحسرته بينما (ص) من الناس يمارس فهلوته في سرقة أسلاك كهرباء أو أنابيب الماء بطرق غير مشروعة..يتمنى (س) من الناس لو يمتلك الجرأة لذلك فلربما يخفف وطأة حمله  اليومي الثقيل , لكن المشكلة أن (س) من الناس مثالي لدرجة مؤلمة ..فهاهو يلتزم بدفع فواتيره الشهرية من ماء وكهرباء بينما هو يقبع أغلب أيام الشهر في ليالي طويلة جدا من الظلام والقذارة.

 

"الأسى ..نحن له عنوان" هكذا يلهج لسان حال المواطنين وهم يستعدون كل نهار لرحلة البحث عن دبة ماء..تلك الدبة تحمل داخلها سر الحياة...أؤمن وبشدة أن الماء لم يعد لوحده سر وأساس الحياة ..شيء أخر يشاطره تلك المكانة الجوهرية.."الصمود والأمل" للمواطن الكادح..يبدو الأول منكسرا ويبدو الثاني يائسا..لكنهما مستمرين إلى الأمام ليشكلان معا إرادة الحياة التي يحاولون بشتى السبل والطرق أن يسلبونا إياها..هل سيتمكنون..؟؟  مستحيل..!!

 

((دبة الماء)) تلك تبدو كجزيرة الكنز الشهيرة Treasure Island)))) الرواية الشهيرة التي يتصارع فيها القراصنة , يتآمرون , يقتل بعضهم بعضا من أجل ذلك الصندوق.  "خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق" ..هنا خمسة عشر رجلا أو ربما أكثر من هذا الرقم..قد فضحتهم كل التقارير والحقائق ..وهاهم لا يزالون يسلبون المواطن لقمة عيشه وكرامه حياته.

 

في الرواية الشهيرة  يتحالف القراصنة جميعا..ضد القبطان ((بيلي بونز)) الذي يمتلك خريطة كنز القرصان العظيم "فلنت" , يرسلون له ((black spot))  أي تلك العلامة السوداء((وصمة العار)) التي إن وصلت أحدهم يعني ذلك أن نهايته حانت قريبا..في واقعنا اليوم يتحالف الجميع ضد إرادة شعب عظيم سلبوه ببشاعة  أبسط حقوقه من قبس ضوء أو ((دبة)) ماء ..

 

في نفس الرواية يبدو لنا ((جون سيلفر)) طاهي البحر ..ذي الإبتسامة الساحرة والكاريزما القوية ..ربما يتعاطف معه الجميع لإعاقته الجسدية ..تلك الإعاقة و الإبتسامة التي يخفي ورائها روح قرصان يلهث وراء الأرض والكنز..يعمل كل شيء.."التآمر..الانقلابات..القتل" من أجل الوصول إلى غايته..

 

في الواقع..ذات القرصان نهب الأرض والكنز مستعينا بكل الطرق الممكنة والمبتكرة..ومستمرا في بطشه هذا بوجوه وأساليب متجددة..يمضي في رحلته  نحو الكنز والمزيد منه..رحلة لن يباركها الله..فهي تناقض تعاليمه وتغرس لأعوام ممتدة من الظلم والعبودية.

 

((دبة الماء))  هي الكنز هذه الأيام..لن يمل المواطن(س) من الإستمرار في البحث عنه ..أو انتظاره..يغلق (س) من الناس  عينيه كل مساء حالما بالوطن ((الكنز الحقيقي)) ذلك الذي استنزفه القراصنة حولنا لكنهم لن يفلحوا في إستنزافه من الحلم الذي يؤمن به الجميع هنا..

 

ليلة الجمعة..قضى(س) من الناس في حوطة لحج..ليله الطويل ونهاره متصلا في ظلام دامس ذابت شموعه..انطفأ ضوء الفانوس..توقف صوت الماطور فجأة ربما ..أعلن إحتجاجه هو الأخر على فترة عمله الطويلة..قضى ذلك المواطن ..حوالي عشر ساعات في ظلمة شديدة إن أخرج يده فيها لم يكد يراها...ذات القصة للمواطن الغلبان(س) تكررت في عدن ..وفي محافظات أخرى...

 

هنا ندفع ثمن "الكنز الحقيقي"  ..حلم ذلك الوطن بداخلنا ..ذلك الذي لن نتنازل عنه مهما أشتدت وعورة رحلتنا للبحث عن ضوء كهرباء أو دبة ماء.. 

 

 

 

 

من: شيماء باسيد