آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-11:35م

أدب وثقافة


في ذكرى رحيل الأسطورة "محمد سعد عبدالله" (( ما بأ بديل.. يا أعز الناس)) - (1)

الأربعاء - 17 أبريل 2013 - 11:51 م بتوقيت عدن

في ذكرى رحيل الأسطورة "محمد سعد عبدالله"  (( ما بأ بديل.. يا أعز الناس))  - (1)
الفنان الأسطورة محمد سعد عبدالله.

لحج ((عدن الغد)) خاص:

 

مذياع قديم في أقصى رف مطبخ ((أم محمد)) وهي إمرأة من حوطة لحج..تعشق ((محمد سعد)) وتحفظ كل أغانيه ..اعتادت وعلى مدى سنوات أن تشغل ذلك المذياع  كل صباح أثناء إنهماكها بالأعمال المنزلية لعلها تسمع ذلك الصوت الذي رافقها طيلة مشوار حياتها فملئها بشجن وأحاسيس متنوعة, هي اعتادت أن تقتنص أغانيه بين الفينة والأخرى تنتظرها بفارغ الصبر عبر أثير الإذاعة من وقت لآخر.

 

((أم محمد)) كغيرها من الناس الذين يرحلون عبر شجن صوته إلى عوالم بعيدة جدا, ينسون عبر تلك الأنغام أسى الواقع , تجبرهم كلماته وعمق معانيها الصادقة على ركوب آلة الزمن مسرعين نحو ذكريات من الزمن الجميل.الإنسان الممتد في روح ذلك اللحجي البسيط الذي فارقنا منذ ((11 عاما)) في صباح السادس عشر من إبريل من العام 2002م, ترك لنا شجنه وحزنه ولوعته ممتدة بداخلنا منذ حينها وأراها ستستمر في إمتدادها عبر الأجيال القادمة التي ستذكره ((كأسطورة))  لن تتكرر من جديد وقد يصبح وفائنا ومحبتنا لها هو ما يبقينا متمسكين بهويتنا وثقافتنا (( الفنية والإنسانية)).

 

ولأن بداية القصة من حوطة لحج الخضيرة وخصوصا من حارتها ((الحاو)) التي وُلد فيها فنانا كبيرا منذ صغره في بيت تشرب الفن أفراده فوالده يعد من أوائل المطربين في لحج(( سعد عبدالله صالح اللحجي)) وكان أخيه((محسن عبدالله صالح اللحجي)) عازفا بالفرقة العسكرية لسلطان لحج. فأنجب الأول الطفل ((محمد)) الذي غدا فارقة في عالم الغناء والطرب وأنجب الثاني الطفل ((أحمد)) المعروف ((أحمد محسن الشلن)) الفنان الجميل سليل أسرة فنية ..لحجية عريقة.

 

في ذكرى الرحيل تجوب في بالي أحاسيس وأشجان كثيرة ممتدة بين مدينتين أحتضنتا ((محمد سعد عبدالله)) وأحتضنهما هو وبشدة في مسيرته الفنية, بين ((عدن )) و ((لحج)) كُتبت تلك الرواية بأروع فصولها..لتؤكد أن لحج مهبط الفن ومصنع المواهب ..وأن الرجل الذي شغل الدنيا وأطرب الناس كان شخصية مستقلة في الأداء..شعرا ولحنا وغناء..فأروع ما شدا به كان من حر كلماته وألحانه مما ميزه كفنان جامع وشامل قلما نجد مثله شبيه..فإحساس الكلمة الصادقة حين يكتبها الشاعر تتحد مع عبقرية اللحن من ذات الرجل لتتصل في الأخير بصوت شجي عميق يوقع في النفس الكثير ..فتكتمل الصورة وبالتأكيد تطلع حلوة كثير.

 

وكأني بذكرى رحيلك المهيب تشيعك عدن من جديد بوجع الكلمات ولهفتها..((مشتاق زاد اشتياقي ساهن ليوم التلاقي)) تشتاقك كثيرا , لا تزال تتذكر لحظات ألمك ومرضك ..جسدك الملقي على سرير في مستشفى الجمهورية,ذلك الوطن وتلك الجمهورية التي تغنيت ببراءة وإيمان شديد بوحدتها .((وحدويين..ولا في مجتمعنا شاذ ولا فينا إنفصالي))..غدرت بك الوحدة..والتهمك الوطن الذي حلمت به ليتركك تصارع آلامك بصمت..ربما وأنت على سرير مرضك تمعن النظر في عمق الكلمات التي تغنيت بها ..يا إلهي كم هي مؤلمة وموجعة على روحك المرهفة..

 

 كرهنا ذلك  النهار الذي رحلت فيه , عدن مدينة ((الضوء)) هاهي تفتقده اليوم ..وهي تغرق في عمق الظلام يومها أحست بموعد غروبك الأخير ..تبعتها لحج وهي تؤكد لك دوما ..(( ما بأ بديل)) لأنك أكيد ((أعز الناس)). تتمنى اليوم لو تعود..تدرك عدن ((المدينة والمدنية)) أن حلمها هذا يبدو ساذجا..عصيا على التحقق تتمنى وجودك بين جنباتها هذه الأيام..لتباغتك بأبياتك الرائعة(( مد لي يا زين يدك)) وتقول ((ماشي علي لوم)) لو أفرطت في حبك وتمسكت بحلمها الساذج الذي لن يتحقق , تتمنى في قرارها  عودتك وتخشى عليك أن تعاني وتتألم..فحال عدن ليس كحالها بالأمس..هنا الحب أصبح عيبا ..والشوق حراما..وهي لا تزال تعاني آلام فراقك وتقول ((ضناني الشوق))..يا محمد سعد..

 

أصبح الناس هنا يهربون نحو هرمك الشامخ ليحتموا تحته من لهيب الشمس الحارقة..أختفى الحب الحقيقي الذي أشجيتنا به ولسنوات..وتجرع الناس البسطاء..قلة الحيلة وغدر الزمان..وفي عيونهم الذي تومض بالحزن وقلوبهم المترعة بالأسى تساؤل وحيرة شديدين تتمنى لو إجابة سريعة تهطل على رؤوسهم لتوقف سيل الدهشة وهم يتسألون: "غريبة يا زمن المخلصين تغدر بهم..وغريبة يا زمن الغدارين تخلص لهم"..

 

من: شيماء باسيد