آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-08:46م

ملفات وتحقيقات


٥١ عاما على جريمة الرفاق بحق ابرز كفاءات البلاد .. جريمة طائرة الدبلوماسيين

الثلاثاء - 30 أبريل 2024 - 10:55 ص بتوقيت عدن

٥١ عاما على جريمة الرفاق بحق ابرز كفاءات البلاد .. جريمة طائرة الدبلوماسيين

القسم السياسي مضافا اليها جزء من مقال للكاتب مروان هائل عبدالمولى ومادة خاصة بالكاتب احمد محمود السلامي

تحل اليوم الذكرى الواحد والخمسون لحادثة تفجير طائرة الدبلوماسيين والتي حدثت لحظة اقلاع طائرة عسكرية من مطار عتق يومها وتحديدا في ال30 من ابريل 1973.

ومثلت هذه الواقعة قمة البشاعة التي ارتكبها التيار المتطرف في الجبهة القومية والذي مارس صنوف وشتى أنواع القتل والتدمير لكل الأطراف الوطنية المعتدلة في جنوب اليمن وذهب بالبلاد يومها الى منزلقات خطيرة ظلت جنوب اليمن تدفع ثمنها حتى اليوم .

حادثة تفجير طائرة الدبلوماسيين اليمنيين في اليمن الديمقراطي (جنوب اليمن سابقاً) في 30 ابريل 1973م كانت من أبشع الجرائم والاغتيالات السياسية التي عرفها الجنوب بعد الاستقلال و جأت بعد سلسلة من التصفيات الجسدية التي طالت الكثير من الكوادر الجنوبية ممن كانوا يُعرفون بالنخبة البعض منهم هاجر واخرين هربوا من بطش المناضلين والبعض الأخر لم يهرب من الجنوب أثناء تلك الفترة السوداء, ولم يهابوا الموت رغم التهديدات التي تلقوها من بعض الذين كانوا يسمون أنفسهم بالمناضلين والثوريين وهم في الأساس من متسلقي جدران ثورة أكتوبر من الجهلة الدمويين , الذين وصلوا إلى مراكز قيادية في جنوب اليمن بفضل سياسة الغدر و التصفية الجسدية للخصم المثقف المتعلم الوطني والقوي سياسياً وعلمياً, او عن طريق إخفائه عن الوجود دون أي اثر يذكر , أو سجن الخصم أو المعارض وتطبيق سياسة الابتزاز معه او نفيه إلى خارج البلاد ومن ضمن تلك المرحلة السوداء من تاريخ الاغتيالات في الجنوب كانت هناك أسماء داخل البلد ترعب الجهلة ممن يسمون أنفسهم ثوار ومناضلين وكان لابد من التخلص من تلك الأسماء دفعة واحدة .

وتم تشكيل قائمة بالأسماء المطلوب تصفيتها عن طريق دعوتها إلى رحلة داخلية على متن طائرة تحت ذريعة التعرف على معالم البلاد , وقد ارتبطت أسماء نخبة الطائرة الدبلوماسية مع بعض الكوادر القليلة النزيهة الأخرى بالسعي لبناء دولة القانون وإصلاح البلاد من الداخل والخارج وفق دراسات ونماذج سبقت اليمن الديمقراطي آنذاك ونجحت وهو ما أخاف تلك العقليات الدموية الجاهلة بنقل تلك التجارب إلى البلاد لتطويرها .

وقررت تصفيتها جماعياً وصدر قرار سري بتصفيتهم وتم ذلك في ابريل 1973 واغتالت يد الغدر قائمة الوطنيين وصفوة المجتمع الجنوبي وحكمائه من الدبلوماسيين والمثقفين والأدباء مثل, محمد صالح عولقي , ونور الدين قاسم وعبد الباري قاسم , وسيف أحمد صالح الضالعي و محمد ناصر محمد, عبد القادر أحمد ناصر ألسلامي و فضل أحمد ناصر ألسلامي ومحمد عبد الولي الأديب اليمني الكبير, قائمة الأسماء تضم (22 ) من الدبلوماسيين والمثقفين مع طاقم الطائرة , نخبة من الكوادر الذين لو كتب لهم العيش لكان حال الجنوب اليوم في مصاف الدول المتقدمة .

> 51 عام ولم تكشف نتائج التحقيق

حتى وان لم يكن هناك تحقيق فني واضح حول انفجار أو تفجير الطائرة DC3 (الداكوتا) التي عرفت بطائرة الدبلوماسيين كان لابد أن تظهر نتائج التحقيق الذي قامت بهِ اللجنة المكلفة آنذاك ليس لنبش الماضي وإذكاء الفتن كما يتصور البعض وإنما لغرض استخلاص الدروس والعبر من الماضي .. لان الحديث عن تلك الطائرة يملأ المواقع والمنتديات الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي فمنهم من يكتب لغرض الشتم والتجريح .. وهذا يدعي انه يعرف كل شئ ..وهذا يُنظِر ويفند الحكايات .. كل هذه العملية تؤدي إلى إضافة روايات وأقوال ملفقة وغير صحيحة ستؤدي إلى طمس الحقائق .

اليوم وبعد مرور 51 عام المطلوب إماطة اللثام عن أسرار الحادث والاعتذار لأُسر الضحايا وجبر الضرر الذي نتج عن فقدان تلك الأسر لأربابها وأبنائها .

حادث الطائرة (الداكوتا) التي كانت متجهة يوم الاثنين 30 ابريل من عتق إلى مطار بحران في محافظة حضرموت لا زال حتى اليوم رغم مرور كل هذه السنوات يكتنفه الغموض فهناك العديد من الأسئلة وكثير من علامات الاستفهام تدور حوله وتنتظر الإجابة هل هو حادث عرضي أو انه حادث مدبر ؟ حتى الدبلوماسيون والمشاركون في المؤتمر الذين كانوا على متن الطائرة الثانية (الانتينوف) و لايزالون أحياء إلى اليوم ، لم يدلوا بشهاداتهم الكاملة للتاريخ والإفصاح عن ما لديهم من معلومات والبعض منهم يرفض التحدث في هذا الموضوع اطلاقاً .

> مؤتمر الدبلوماسيين لماذا ؟!!

مابين 15 و22 ابريل 1973م عقد المؤتمر الأول للدبلوماسيين بمدينة الشعب بعدن ، وتقول وثائق المؤتمر : عقد المؤتمر إنطلاقاً من المبادئ والأهداف الأساسية للسياسية في برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ومقررات المؤتمر العام الخامس للتنظيم السياسي الجبهة القومية وحرصاً على تطوير فعالية ونشاط وزارة الخارجية بما يواكب المنجزات الثورية على الصعيد الداخلي .. إذن عقد المؤتمر كان بقرار سياسي ثوري لأجل ربط أعضاء البعثات الخارجية بما يدور بالداخل خاصة الانجازات الثورية مثل مصادرة الأراضي وإقامة مزارع الدولة والتعاونيات والمشاريع الأخرى ! مع العلم أن معظم السفراء شخصيات لها وزنها الكبير في تأسيس الجبهة القومية وبعضهم كانوا وزراء ووكلاء وزارات ومحافظين بعد الاستقلال ونتيجة لخلافهم في الرأي والموقف مع رموز السلطة الجديدة جرّدوا من مناصبهم و أرسلوا إلى سفاراتنا في الخارج للعمل فيها .

وفي المؤتمر العام الخامس (مارس 1972م) تم الإفصاح عن نهج التنظيم والدولة وهو استمرار الفعل الثوري الديمقراطي ، إذن هدف المؤتمر كان واضح ، وهو إحداث تغيير ثوري (...) في وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية مع العلم أن مؤتمرات من هذا النوع قد عقدت لشتى القطاعات ، المؤتمر التربوي ، مؤتمر التعاونيات والفلاحين ، الرياضيين ، الطلاب الشباب ، الشرطة والجيش ..... الخ .

> أهم ما جاء في قرارات وتوصيات المؤتمر الأول للدبلوماسيين .

قال لي احد الذين شاركوا في المؤتمر إن مشروع قرارات وتوصيات المؤتمر الأول للدبلوماسيين قوبل بجدل كبير واستهجان واضح من قبل معظم المؤتمرون .. ومن المفارقات العجيبة في قرارات وتوصيات المؤتمر أن المؤتمرين طالبوا الجهات المختصة في الدولة بتطهير أنفسهم ، كما ورد بالنص في التوصية رقم (4) : "يوصي المؤتمر بعد أن ناقش مجمل السلبيات السياسية بأن تقوم الجهات المختصة في الدولة بتطهير وزارة الخارجية بديوانها وبعثاتها من تلك العناصر التي تتخذ من الوظيفة الدبلوماسية وسيلة للاسترخاء والانتفاع نظراً لقصورها السياسي وعجزها الإداري ولعدم استيعابها وترجمتها للتطورات الثورية .. أو التي لا تعمل من اجل المصلحة العليا للجماهير اليمنية الفقيرة " . اما التوصية رقم (8) تقول : "بعد أن تكشّفت الأمور عن الضعف في العمل السياسي بين موظفي وزارة الخارجية (الديوان والبعثات ) يؤكد المؤتمر على ضرورة تطعيم الوزارة تمتلك القدرة السياسية ، على أن يبث قي ذلك سريعاً ." المقصود هنا ضعف النشاط التنظيمي (الحزبي) باعتبار أن كادر وزارة الخارجية كان من السياسيين المخضرمين والمجربين والمؤسسين للعمل السياسي والنضالي , والبث السريع هو أن تحل العناصر الجديدة محل تلك القامات السياسية المعروفة , وهذا ما أكدته التوصية رقم (12) التي نصت على ضرورة إيجاد علاقة متينة وايجابية بين وزارة الخارجية ودائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية لتنظيم الجبهة القومية وهو يعني تبعية الوزارة للدائرة من حيث رسم السياسة الخارجية أو اختيار الكادر البشري ومراقبة نشاطهم .

كما أوصى المؤتمر بتشكيل مجلس أعلى لوزارة الخارجية ، من وزير الخارجية وسكرتير دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية لتنظيم الجبهة القومية ووكيل وزارة الخارجية وبعض رؤساء الدوائر والأقسام في الوزارة ، يتولى متابعة التقارير السياسية للبعثات السياسية والقنصلية ووضع القواعد الخاصة بندب الموظفين ومنحهم الألقاب .

فيما يتعلق بالمغتربين عبرت التوصيات عن عدم رضاها عن العمل السياسي بين أوساط الجاليات في الخارج ورأت إعطائه الأهمية البالغة لأنه يعد من المسائل الأساسية والمباشرة من خلال تنظيمها وتربيتها (الجاليات) بالثقافة الوطنية ورصد تحركات الثورة المضادة وسط الجاليات وطالبت التوصيات بإتباع أساليب كفيلة في إقناع الرأسمال الوطني المغترب بالمساهمة الايجابية في تنمية البلد اقتصادياً من خلال فتح صناديق التبرعات للدولة .

> خلاصة القول

في اعتقادي أن مهمة البعثات الدبلوماسية في الخارج كانت صعبة للغاية .. فهناك عشرات الآلاف من المواطنين الذين نزحوا بعد الاستقلال إلى دول الجوار والبلدان العربية والأجنبية .. وقبل شهور من المؤتمر تمت عملية تأميم ممتلكات القطاع الخاص وضربه نهائياً في الوقت الذي تطالب فيه السلطة الوليدة السفراء والبعثات الدبلوماسية بالعمل السياسي الفاعل بين الجاليات في دول المهجر لمنع انخراطهم في التكتلات السياسية في الخارج ، كان الأمر فعلاً صعب ومعقد ، ولكن هذا لا يعني أن قراراً كان قد اتخذ بتصفيتهم ، خاصة أن السلطة السياسية العليا كانت تستطيع إقالتهم بكل بساطة و أريحية ولا من شاف ولا من دري ، ولكن الغموض الذي اكتنف أسباب سقوط الطائرة أو تفجيرها فتح الباب واسعاً أمام التكهنات والتفاصيل الكثيرة والمثيرة والمملة احياناً .. فرضية تفخيخ طائرة الداكوتا ستظل قائمة إلى أن تظهر الحقيقة الكاملة والموثقة التي ستدحض كل الاجتهادات والأقاويل التي سمعناها كثيراً .