بقلم/ عبدالرحمن علي علي الزبيب
اعلامي مستقل ومستشار قانوني
[email protected]
لكـل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و تكفل الدولة حرية الفـكر والاعراب عن الراي بالقول والكتابة والتصوير..)
ما ورد أعلاه هو نص المــادة(42) من الدستور اليمني النافذ الذي نص صراحة على حق جميع المواطنين حرية الرأي والتعبير وأوجب على الدولة كفالة هذا الحق ولكن ؟
في الواقع الأمر مختلف جداً فنلاحظ وجود علاقة غير مشروعة و عداء غير مبرر بين مؤسسات وسلطات الدولة مع الصحافة والاعلام ويتم التعسف ضد وسائل الاعلام والصحفيين باستخدام القضاء وبشكل وإجراءات مخالفة للقانون والدستور في محاولة لخنق وتضييق هامش الحرية وتقييد وضبط وسائل الاعلام ومنعها من تناول مظلوميات المواطنين البسطاء وكذلك منعها من تناول وكشف وقائع الفساد واختلالات مؤسسات الدولة وتجريم ذلك بشكل مخالف للقانون عبر نيابة ومحكمة الصحافة الذي تم انشاؤها عام 2009م بموجب طلب من نقابة الصحفيين اليمنيين ومطالبة الحقوقيين والقانونيين لحماية الصحفيين وتعزيز حرية الصحافة ولكن؟
في الواقع تحولت نيابة ومحكمة الصحافة من جهة مختصة بإنفاذ التزام مؤسسات الدولة بكفالة حرية الرأي والتعبير وفقا للدستور الى سوط يلاحق الصحفيين وقيد ثقيل يقيد وسائل الاعلام ويمنعها من القيام بدورها.
من المعيب أن يستمر القضاء في ملاحقة الصحفيين ووسائل الاعلام بمبررات غير دستورية ومنها تناول فساد واختلالات مؤسسات الدولة والذي أوضح الدستور أن القضاء هو ملجأ المواطنين لضبط الفساد و انصافهم ووسائل الإعلام والصحافة وسيلة مباشرة وغير مباشرة لكشف الاختلالات والفساد والظلم والاستبداد وفقا لنص المــادة(51) من الدستور اليمني الذي نصت على :
( يحق للمواطن ان يلجا الى القضاء لحماية حقوقه ومصالحة المشروعة وله الحق في تقديم الشكاوى والانتقادات والمقترحات الى اجهزة الدولة ومؤسساتها بصورة مباشرة او غير مباشرة .)
والاعلام ليس إلا وسيلة تكفل للمواطنين ممارستهم حقهم الدستوري .
جميع سلطات ومؤسسات الدولة تتعامل مع الصحفيين ووسائل الاعلام وفق علاقة غير مشروعة مخالفة للدستور والقانون وخصام وصراع لامبرر له .
فجميع سلطات الدولة تتحاشى الظهور الإعلامي في وسائل اعلام خاصة مستقله وتحصر ظهورها الإعلامي في وسائل الاعلام الرسمي الحكومي التابع لها لتتحكم في اجندة ومحاور اللقاءات كونهم موظفين لديها وتتهرب من الظهور في وسائل الاعلام المستقلة خشية ان يتم طرح أسئلة الشعب وهموم ووجع وألم الشعب عليهم لتنغص مزاجهم الحساس.
وهنا أتذكر محاولة احدى وسائل الاعلام المستقلة في اليمن المتخصصة في عرض قضايا ومظلوميات الشعب اليمني وتكشف الفساد والخلل في مؤسسات الدولة وتنتقد بصوت عالي كل ذلك بلاقيود أتذكر محاولة تلك الوسيلة الإعلامية عقد لقاء مع رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام ورئيس التفتيش القضائي ولكنهم رفضوا وتهربوا ومازالوا هاربين من وجه الصحافة لانعرف سبب ذلك الهروب والاختفاء خلف مكاتبهم والبعض تشجع والتزم وعند الحضور توارى خلف أبواب مكتبه الموصدة في وجه الصحافة ووسائل الاعلام لكي لاتنغص مزاجهم الحساس وتطرح لهم هموم ومشاكل ووجع وألم الشعب لو كانوا رجال دولة لطالبوا وسائل الاعلام المستقلة لعقد لقاءات تلفزيونية وصحفية دون اجنده مسبقة ودون صياغة مسبقة للاسئلة ليتم الإجابة عليها بصدق والتجاوب مع هموم ووجع الشعب بالرغم من انهم جميعا وجدوا واعتلوا كراسي السلطة لخدمة الشعب وليس لأجندة أخرى مجهولة وعلى الأقل ماداموا جاءوا لخدمة الشعب فليستمعوا للشعب وهمومه ووجعه وألمه عبر وسائل اعلام مستقلة تنقل الحقيقه دون تزيين مسبق ودون قص ودون مونتاج في حلقات وبرامج مباشرة لمصارحة الشعب ماذا يعملون وماذا سيعملون لخدمة الشعب ان كانوا فعلا جاءوا لخدمته... وهذا يؤكد بأن القضاء ينظر لعلاقته مع الاعلام بانها علاقة غير مشروعه.
البعض في قيادة السلطة القضائية يطالب ويحذرمن تناول وسائل الاعلام والصحافة لقضايا منظورة امام القضاء بمبرر ان ذلك مساس باستقلال القضاء وان القاضي المنظورة امامه القضاء سيقع تحت ضغط مجتمعي بعد تناول الاعلام للقضايا لديه وهذا مبرر غير منطقي وغير قانوني ويخالف الدستور اليمني الذي نص في المــادة(154) على :
( جلسات المحاكم علنية الا اذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام والآداب وفي جميع الاحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية .)
وهذا يوضح أن تخوف قيادة السلطة القضائية من الاعلام والعلاقة غير المشروعة الذي يفترضها غير دستورية وان علنية جلسات المحاكمة يقصد بها حضور جميع المواطنين لتلك الجلسات وحضور جميع وسائل الاعلام ونقل ما يتم فيها دون قص ولامونتاج ببث مباشر حي يكشف الخلل والفساد ان وجد ويوضح حقيقه ما يحصل في أروقه القضاء وللأسف الشديد أن قيادات القضاء مازالت مقتنعة بالعلاقة المشروعة مع الاعلام والصحافة وانه يستوجب الابتعاد عن تلك العلاقة كونها غير مشروعه وفق قناعتهم المخالفة للدستور والقانون .... ومن يخشى خضوع القاضي لما يطرحه الاعلام والصحافة بالمخالفة للحق فهو يشكك في نزاهة واستقلال القضاء الذي لا يخضع لأحد فقط اذا كان هناك خطأ من محكمة او نيابة أو قاضي بإمكان القاضي ان يتراجع عن مخالفته وتعسفه ويخضع للحق والقانون ووسائل الاعلام والصحافة هي فقط تكشف أي خلل وتشجع القضاه على عدم الوقوع في مستنقع الظلم والاستبداد والرجوع للحق والعدالة الناجزة دون مماطلة ولا تهرب ولاتباطؤ.
وهذا كله يؤكد وجوبية اسراع مجلس القضاء الأعلى في اصدار قرار بإلغاء نيابة ومحكمة الصحافة والزام جميع منتسبي القضاء باحترام الاعلام والصحافة صاحبه الجلاله كونها صوت الشعب وضميره وفتح حرية الراي والتعبير دون قيود ولا حدود باعتبارها حق دستوري وقانوني وليس جريمة .
من المعيب ان نطالب وسائل الاعلام العالمية أن تتناول الانتهاكات والمظالم في وطننا واحتياجات شعبنا والاعيان المدنية الذي دمرتها الحرب ومازالت تدمرها وفي نفس الوقت ننصب أعواد المشانق للصحفيين ووسائل الاعلام في اليمن لمنعهم من تناول ونشر مظلوميات البؤساء ومنعهم من كشف فساد واختلالات مؤسسات وسلطات الدولة ويعتبر استمرار نيابة الصحافة والمطبوعات للعمل والتحقيق ومحاكمة الصحفيين ووسائل الاعلام مخالفة للتوجه العام للدولة ومخالف للدستور والقانون الذي كفل حرية الرأي والتعبير.
لايتوقف التحقيق ومحاكمة الصحفيين ووسائل الاعلام في نيابات ومحاكم الصحافة بل جميع النيابات والمحاكم تفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال شكاوى وبلاغات ضد الصحفيين ووسائل الاعلام للتحقيق معهم ومحاكمتهم في محاكم ونيابات أمن الدولة وبشكل تعسفي ومخالف للدستور والقانون ويتناقض مع الدور المفترض لمؤسسات الدولة حماية الصحفيين ووسائل الاعلام وليس التحقيق معهم ومحاكمتهم وهذه الاختلالات الجسيمة في تعامل القضاء مع الصحفيين ووسائل الاعلام في اليمن لا تبرر استمرار عمل نيابات ومحاكم الصحافة كـ خيار أفضل للصحفيين من نيابات و محاكم أمن الدولة فالجميع مخالف للقانون والدستور والمستفيد الوحيد من كل ذلك هم الفاسدين والظالمين المستبدين ليستمروا في فسادهم وظلمهم واستبدادهم دون ازعاج من الصحفيين ووسائل الاعلام بعيدا عن كابوس الشفافية وحرية الصحافة الذي ستنغص تلذذهم في الفساد والظلم والاستبداد وتعكر صفو حياتهم وتكسر معنوياتهم وتجرح كبرياء الفساد والظلم والاستبداد بكلمة حق ضد جميع الفاسدين والظالمين المستبدين ويتحول الوطن الى غابة مظلمة كئيبه طاردة للكوادر ومعيقه للتنمية ويكون المواطن اليمني أما خيارين اما تجرع ويلات الفساد والظلم والاستبداد أو مغادرة الوطن للبحث عن الحرية خارج الغابه.
كشف الفساد واختلالات مؤسسات وسلطات الدولة ونشرها ليست جريمة تبني ومنح مساحات واسعة في وسائل لعرض مظلوميات مواطنين أغلقت في وجوههم جميع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء ليس جريمة ولكن ؟
في قاموس نيابة ومحكمة الصحافة كل تلك الحقوق القانونية والدستورية ممارستها جرائم ومخالفات وفق قاموسهم غير القانوني وغير الدستوري ويتم جرجرة وسائل الاعلام ومذيعيها والصحفيين في قضايا تتناقض مع الدستور والقانون واصدر قرارات اتهام غير قانونية ومحاكمتهم بالمخالفة للدستور والقانون ... في حقوق نص الدستور والقانون عليها لجميع المواطنين وأوجب على الدولة كفالتها بحماية الصحفيين ووسائل الاعلام وليس بتعسفهم والتحقيق معهم
حيث تقوم نيابة الصحافة فور تلقيها شكوى من أي جهة او شخص بقيد الشكوى ومباشرة التحقيق فيها وطلب الصحفي ووسيلة الاعلام للمثول امامها واخصاعهم لتحقيق خارج اطار القانون دون ان تقوم بدراسة الشكوى بشكل محايد ومستقل وتبحث عن قانونية قبولها من عدمه لأن جميع قضايا الصحافة حق دستوري وقانوني نص الدستور على كفالة حرية الراي والتعبير ونص القانون على عدم قبول الدعاوى والشكاوى ضد الصحفيين ووسائل الاعلام اذا لم يرفضوا افساح المجال للشاكي سواء كانت جهة رسمية او خاصة او مواطنين او مسؤولين في الدولة لحقهم في الرد والتوضيح ولا تسأل نيابة الصحافة من يتقدم بشكواه اليها هل تقدم بطلب حق الرد للجهة الإعلامية المشكوبها أم لا ليتم الزامه بالعودة اليها لطلب حق الرد وفي حالة الرفض يتم التحقيق في الشكوى وطلب وسيلة الاعلام لتوضيح سبب رفضها طلب الشاكي حق الرد وفقا للقانون .
هذا ما رسمه قانون الصحافة اليمني وحدده لنيابة الصحافة والجهات ذات العلاقة للتقيد بها عند وصول شكاوى اليها ولكن ؟
نيابة الصحافة للأسف الشديد تتجاوز ذلك وتذبح القانون من الوريد إلى الوريد وتحقق في شكاوى ضد صحفيين وضد وسائل اعلام دون التحقق من تلك القيود القانونيه بل والأخطر من ذلك تحيل ملفات القضايا بقرارات اتهام تخالف الدستور والقانون إلى محكمة الصحافة التي بدورها تكرر نفس خطأ نيابة الصحافة وتواجه وسيلة الاعلام والصحفيين بقرارات الاتهام دون تحققها من توافر شروط الدعوى القانونية ( الدعوى العامة قرار الاتهام المرفوعة من النيابة والدعوى الخاصة المرفوعة من الشاكي) وهل طلب الشاكي سواء كان شخص او جهة حق الرد لوسيلة الاعلام او للصحفي للرد والتوضيح عن ما تم نشره واذا لم يرفق بقرار الاتهام ما يفيد تقديم الشاكي لطلب الرد لوسيلة الاعلام والصحفي وتم رفضها فهنا بإمكان المحكمة السير في الإجراءات ولكن؟
ما يحصل عكس ذلك تماما حيث تعرض وسيلة الاعلام والصحفي على الشاكي حقه في الرد لديها ولكن الشاكي يرفض حق الرد والنيابة والمحكمة تتجاهل كل ذلك ولا تغلق ملف القضية بل تستمر في إجراءاتها وبشكل تعسفي مخالف لقانون الصحافة الذي أوضح ذلك تفصيلا .
وهنا نؤكد أن قانون الصحافة صدر في اليمن عام 1990م عقب الوحدة مباشرة في ظل أجواء غير طبيعية وتخوف السلطات من الاعلام والذي تضمن القانون المذكور قيود متعدده للصحفيين ووسائل الاعلام بالمخالفة للدستور اليمني لضبط إيقاع الصحافة ليكون صوتها منخفض جدا ومخنوق تتحرك في مربع صغير مكبل باثنا عشر قيد ومحضور قانوني نص عليه قانون الصحافة لضمان عدنم ارتفاع صوت الاعلام والصحافة ليصل الى مستوى دق طبول الحرب ضد الفساد واختلالات مؤسسات الدولة ومنعها من تبني وعرض قضايا المظلومين المستضعفين لديها ليستمر كابوس الظلم والفساد يجثم على صدر وطننا الحبيب ويعيق التنمية والتطور الذي لن تتحقق الا في بيئة مشبعة بالنزاهة والشفافية وحرية الصحافة والاعلام بلاقيود ولا حدود لايحدها الا السماء السابعة في الكون ولايقيده قيد تتحرك دون معيق لتكشف عفن الفساد وتكشف الظالمين وتتحدى الجور والاستبداد في ظل حماية دستورية وقانونية وفي ظل كفالة الدولة لتلك الحريات باعتبارها أساس بناء الدولة المدنية الحقيقية الذي تسود فيها العدالة والمساواة والحرية والنزاهة وتتوارى بعيدا عن حدودها الفساد والظلم والاستبداد .
وفي الأخير :
نؤكد على وجوبية تصحيح نظرة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها السلطة القضائية لعلاقتها مع الاعلام والصحافة بأنها علاقة غير مشروعة يستوجب تجنبها والتهرب منها وصنع حواجز متينه تمنع وصولها اليهم وهذه النظرة الخاطئة تؤسس لاستشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء بتكميم افواه الصحفيين ومنعهم من التطرق للفساد واختلالاتها والتحقيق معهم ومحاكمتهم في نيابات ومحاكم الصحافة.
العلاقة بين جميع سلطات ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها السلطة القضائية علاقة مشروعة يستوجب تعميقها وتعزيزها كونها صوت الشعب وضميره ولن يتحقق اصلاح وتنمية وتغيير وبناء الا اذا تعززت العلاقة بين الاعلام والقضاء كونها علاقة مشروعة وفقا للدستور والقانون يحمي القضاء الاعلام والصحفيين لا ينتهكهم ويحاكمهم ويستلزم اصدار مجلس القضاء الأعلى قرار بإلغاء نيابة ومحكمة الصحافة والتعميم على جميع مرافق القضاء بعدم فتح شكاوى او بلاغات وتحقيقها ضد الصحافة والاعلام اذا كفلت حق الرد القانوني واغلاق جميع ملفات القضايا في نيابة ومحكمة الصحافة وغيرها والافراج عن جميع الصحفيين وتعويضهم ومنع تكرار تلك الانتهاكات مرة أخرى وأن يكون ذلك تجربة إيجابية يحتذي بها جميع سلطات الدولة الأخرى التشريعية والتنفيذية وكافة مرافق ومؤسسات الدولة باعتبارها خادمة للشعب والصحافة والاعلام هي ضمير الشعب وقلبه النابض وصوت الشعب الذي لا يعلو صوت فوق صوت الشعب.
ونأمل أن يتجاوز الجميع نظرتهم الخاطئة بأن العلاقة بين الاعلام والقضاء غير مشروعة ووجوبية التصحيح والمعالجة.