آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-02:24م

أدب وثقافة


نص شعري قصصي: "شيء ما يشبه الحب" لحبيب سروري

الثلاثاء - 05 مارس 2013 - 05:55 م بتوقيت عدن

نص شعري قصصي: "شيء ما يشبه الحب" لحبيب سروري
الأديب والبروفسور حبيب عبدالرب سروري.

فرنسا ((عدن الغد)) موقع الكاتب:

 

نص شعري قصصي للأديب والبروفسور حبيب عبدالرب سروري من ديوانه" شيء ما يشبه الحب"

 

"لملكة تقاوم الموت"

 

(1)

ثمة، بين وجهك القمحي المبلل بلون الورد الفاتح، وشعرك المكتظ غامض السواد، تضامن سري جلي..

ثمة، في بريق عينيك الشديدتي السواد أيضاً عبقرية طافحة، آسرة جداً وموسيقى لا أجد شبها لإيقاعها إلا في نغمات صوتك السائل العذب..

تعرفين، ونعرف جميعاً أنك شهيدة تقاوم الموت، فراشة تطير فوق أشداق تماسيح، أغنية تصدح أمام قبيلة صماء، ممشوقة تتمخطر في ثكنة حربية..

تعرفين، ونعرف جميعا أنك تسيرين على درب...، وسط ألحان جنائزية كئيبة خطيئتك:

شموخك الناعم، إلهامك الدائم، وظمؤك العنيف للحرية!

ألست وحدك إذن أضحية كلماتك الملهمة وجمالك القاهر وسموك الفطري على طقوس القطيع؟

تعرفين، ونعرف جميعا أنك ملكة بلا تاج!

(2)

ثمة أيتها الملكة المسروقة التاج في الطرف الغربي من عدن وراء جبل قلعة (صيرة) بالتحديد في نقطة تلاقي واجهته الخلفية بالمحيط الهندي رقعة صغيرة أحلم أن نمكث فيها ساعات طوالا نستند إلى إحدى صخورها القريبة جداً من نهايات الأمواج الهادئة الخفيفة.. ينكسر الموج قرب أقدامنا بتواتر لذيذ جداً، وتزيد لذته مع زيادة رتابته وأشيشه اللذين يغسلان فينا كل أدران الإرهاق والتعب.

نراقب أسراب النورس وهي تفر وتكر حولنا تهف وترف تفرح وتمرح في كل أنحاء الرقعة التي نجلس فيها.. تجول أنظارنا طويلا في نصف الفضاء الكوني المترامي أمامنا بين زرقتي السماء والبحر الناصعتين.

في أقصى نهايات أنظارنا نحو اليسار تقع سواحل أستراليا التي نكاد نلمح قطيعا من الكنغر على مقربة منها.. على اليمين يلتوي شرق إفريقي نكاد نسمع ضجيج لغاته الساحلية اللذيذة وفي الأمام لا شيء غير الأفق الناعس الذي تحاول أنظارنا أن تنزلق خلفه ملامسةً كروية الأرض لتهرول باتجاه تخوم السويد ومملكة النرويج.

تجلسين قربي بهامتك الملوكية وشعرك التاجي تفوح منه رائحة بخور عدني عارمة، تتخللها شذرات من عطور فرنسية فاخرة تتسرب من معتقلاتها كلما تنزل أصابعك قليلاً أو عندما تحركين رأسك باتجاه ما..

أحكي أمامك كل سخافات الدنيا وأمتع ما يفرزه عبث حياتنا من فكاهات مرعبة، أضحكك وأضحكك وأضحكك.. أضحكك ساعات طوالا حتى يسيل بريق عينيك عزيزا منهكا من الثمالة.

لعلي لا أبتغي غير إعادة الابتسامة التي غابت عن شفتيك الرقيقتين منذ أمد أو ربما لم تلامسهما أبداً.. لعلي لا أصبو لأكثر من بسمة رضا على ثغرك الجميل، أيتها الملكة المسلوبة أو ربما أبحث عن شيء آخر.. شيء ما يشبه الحب، أو ربما أبحث في نهاية المطاف عن شيء آخر لا أعرفه بعد: أكبر من العشق، أكثر من العشق، أقوى من العشق، أفتك من العشق..

أغيب لحظات بعدها، لأبحث عن شروخ اصطادها للتو الصيادون القادمون بقواربهم نحو المدخل الأمامي لصيرة، حيث يرقص بائعو السمك يفرفصون أمام مفارش مشحونة بألذ شروخ وأسماك الأرض، تفصلهم زنابيل صغيرة.. حجارة يتكئون عليها أحياناً وفوانيس زيتية يزمعون البدء بإيلاعها.. أحمل شروخك للشواء في (موفي) (مخبازة) مجاورة.. أحمل أيضاً.. (ربيساً).. من فتات سمك القرش المقلي، كومة من خبز (الرشوش).. عصير ليمون طازج وهريسة لحجية من الصنف الذي تحبينه.

أفرش كل ذلك أمامك فوق طاولة صغيرة بجوار الصخرة التي نتكئ عليها بعد ان أضع إحدى أغاني فيروز التي تفضلينها في المسجلة المركوزة أسفل طرف الطاولة.

أضع أمامي - إذا سمحتِ لي - وجبة بشوكين المفضلة: بضعة (درازن) من محارات اللبوستر وما إليها من النوع الفاخر، أنوي أن أتناولها بتأن طويل.

تنتهي حينها لحظة الغروب.. تبتعد طيور النورس عن الصخور المجاورة في اتجاهات مجهولة ويبدأ ذلك الظلام الفضي المهيب الذي يغمرني بالإيمان.

(3)

عفواً، اعذريني أيتها الفاتنة الصغيرة!

لعلي غير قادر على تحقيق ذلك الحلم أو حتى مرافقتك إلى مشارف شواطئ صيرة! لأن ثمة عساكر حمر العيون كثيرين بملابس مدنية يجلسون في نفس تلك الرقعة التي اخترتها للاحتفال بك، يحبون التجمع هنالك ولأخذ الصور التذكارية.. غير أنهم لايحبون كثيراً ان تقترب المرأة من تلك الشواطئ.

(4)

ثمة، أيتها الملكة الوردية ذات الشعر الفاحم بعيداً عن (طور الباحة) وحوض الأشراف.. بعيدا عن (سوق الملح) وأطراف (الممدارة).. بعيداً عن الصور التذكارية لعساكر سواحل صيرة.. متنزهات وشوارع وشواطئ تغمرها الألحان البهيجة والشعر والمتعة.. يكتظ بها الجمال والهدوء والحب وتخلو كلية من ضوضاء المعسكر.

ثمة مرافئ مشحونة بالدفء والحرية والسفن الجميلة.