آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-11:35م

ملفات وتحقيقات


دكتور وهْمِي!

الأربعاء - 17 أبريل 2013 - 03:05 م بتوقيت عدن

دكتور وهْمِي!
لماذا تضخمت الشهادة على حساب الكفاءة؟

المجلة

مجتمعاتنا العربية -وبالأخص الخليجية- ساهمت بشكل كبير برواج الشهادات المزوّرة أو الوهمية، وبالذات الدكتوراه.. كيف ولماذا؟ قصة قديمة تبدأ منذ الطفولة عندما ينشأ وهُم يسألونه: ماذا تريد أن تصبح؟ طبيبًا أو مهندسًا أو محاميًا أو دكتورًا أو طيارًا؟ وهذه المهن هي التي يحلم بها الأهالي لأبنائهم.
كنا نسمي الطبيب بالدكتور، ونعتبره يصنع المعجزات، بل إن كثيرًا من الأهالي يعتقد أنه غير قابل للخطأ، أو الانحراف، أو غيرها من الأمور السلبية.

الدكتور هو من تخصص في الدراسات العليا، وعمل أبحاثًا نال بها الشهادة رغم الخلط الحاصل لدينا بينه وبين الطبيب. إنما المحصلة في آخر الأمر هي الهالة القدسية التي يحاط بها هذا الدكتور . فمن جهة بعض التخصصات ليست بذات قيمة البتة، وليس هنالك داعٍ لذكرها، فاللبيب بالإشارة يفهم. وهنالك تخصصات قيمتها تكمن بالرصد والإحصاء والتاريخ أكثر من شيء آخر، وهنالك الأهم وهي التخصصات التي تترقب نتائجها مراكز الأبحاث المهمة في العالم، سواء كانت تهتم بالجانب العلمي والتقني أو بالأدبي النظري.

الدول الخليجية ساهمت بتضخيم أسطورة الدكتور عندما أغدقت بتوليه المناصب الحكومية العليا بحكم هذا الوهم بأنه قادر على البناء والتنمية ومعالجة الأمور أكثر من غيره، وهو منطق غير صحيح.
ولو عادت بنا الذاكرة للعقود الأخيرة لشاهدنا لمعانًا لأشخاص لم يحملوا الدكتوراه وبالعكس، وهذا لا يعني بالمقابل أن البعض من هؤلاء الأكاديميين قد نجحوا في بعض المناصب، ولكن السبب هي الكفاءة الشخصية أكثر منها كونه دكتورًا.

ما علاقة هذا الأمر بالشهادات المزورة ؟ إنه الطموح والرغبة في الوصول إلى المجد والمناصب والثراء الذي يعتقدون أنها ستتحقق بهذه الشهادة المزيفة.
في المملكة لا تعترف وزارة التعليم العالي بهذه الشهادات، ولكن المصيبة تأتي من كونهم يتغلغلون في بعض القطاعات التي لا تطلب منهم ما يثبت صحة الشهادات أو كونه يرفق لقبه مع كل محفل أو مقال أو مناسبة اجتماعية؛ فإنها تفتح له أبوابًا مغلقة.

في الغرب -وعذرًا للمقارنة- فإن الأكاديمي يتجه إلى أحد أمرين، إما الجامعات أو مراكز الأبحاث، وقلما كانت الأحزاب تبحث عن الأكاديميين لتستعين بهم في حملاتها الانتخابية، أو مناصبها الحكومية عدا من هو في الأصل كان متميزًا أو خبيرًا بعيدًا عن مؤهله الأكاديمي.
اللوم الكبير الذي يقع أحيانًا على المسئولين القابعين في مراكز القرار؛ كونهم لا يمارسون تخصصاتهم، بل يديرونها، وهو ما يسبِّب الإخفاقات التي يقع فيها هؤلاء.
في المقابل تخسر الجامعات ومراكز الأبحاث العربية الكثير بتسرب هذه الكفاءات الأكاديمية إلى القطاع الخاص أو الحكومي.

عودًا للشهادات الوهمية أو المزيفة، فإن الاهتمام بمكافحتها قد بدأ مؤخرًا من التشهير إلى منع توظيفهم دون إثباتات قاطعة بالمصادقة، مع الإشارة إلى أن الفضيحة الاجتماعية هي الأقسى والأمر . مؤخرًا استقال كبير حاخامات فرنسا -جيل برنهايم- من منصبه بعد أن اعترف بأنه انتحل مقاطع من كتب، وادعى زورًا حصوله على شهادة عليا في الفلسفة، وهو ما أثار فضيحة هزَّت المجلس الديني اليهودي، وهو الهيئة الرسمية ليهود فرنسا. وقبله أعلنت وزيرة التعليم والبحث العلمي الألمانية -انيتا شيفان- استقالتها من منصبها على خلفية فضيحة تتعلق باحتيالها للحصول على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات.

شيفان التي أكدت نيتها ملاحقة الجامعة قضائيًا، عللت استقالتها بعدم رغبتها في إلحاق أي ضرر بالحكومة والحزب الحاكم.
أما في العالم العربي فلا زلنا بانتظار استقالات بهذا الخصوص، وأظن أن الانتظار سيكون طويلاً ..

* من احمد الحاكمي