آخر تحديث :السبت-01 فبراير 2025-11:54ص
أخبار وتقارير

الحوثيون يشعلون جبهات مأرب.. خوفا من تكرار تجربة إدلب

السبت - 01 فبراير 2025 - 09:08 ص بتوقيت عدن
الحوثيون يشعلون جبهات مأرب.. خوفا من تكرار تجربة إدلب
(عدن الغد)متابعات:

لم تكد تتوقف الحرب على غزة في 19 يناير/كانون الثاني الماضي وإعلان جماعة الحوثيين إيقاف عملياتها في البحر الأحمر وخليج عدن، حتى قررت الجماعة إشعال جبهات مأرب جنوب شرقي اليمن، في توجّه منها لاستئناف ما تسميها بمعركة النفس الطويل، والتي تهدف من خلالها إلى الاستيلاء على مدينة. وقامت جماعة الحوثيين بحشد المقاتلين والعتاد العسكري نحو جبهات مأرب وشنت عدداً من الهجمات ونفذت العديد من محاولات التسلل نحو مواقع الجيش التابع للحكومة المعترف بها دولياً بهدف إحداث اختراق يمكّنها من التقدّم نحو مدينة مأرب الغنية بالنفط والغاز.

وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت قوات الجيش عبر الموقع الرسمي للجيش "سبتمبر نت" أن "المليشيات الحوثية قامت باستهداف مواقع الجيش بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون في قطاع المشجح"، تزامناً مع استهدافها بقذائف الطيران المسيّر المفخخ مواقع عسكرية للجيش. وذكر "سبتمبر نت" أن فرق الاستطلاع والاستخبارات التابعة للقوات المسلحة "رصدت تحركات للمليشيات الحوثية" واستمرارها في شق طرقات واستحداث تحصينات ومواقع في جبهات قتالية متفرقة.

وفي مواجهة تحشيد الحوثيين باتجاه جبهات مأرب، لم يتأخر أبناء قبائل مراد وبني عبد وتعدان، وهي من أكبر قبائل مأرب، في عقد لقاء قبلي في 28 يناير الماضي، عبّر المشاركون فيه عن "رفضهم المطلق لأي مفاوضات أو اتفاقات أو تفاهمات مع المليشيات الإرهابية تحول دون تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم، وتتوج نضالاتهم وتضحياتهم بتحرير مديرياتهم وكافة مديريات المحافظة واليمن من قبضة المليشيات الحوثية"، وفقاً للبيان الصادر عن اللقاء.

ويرى مراقبون أن توجّه الحوثيين نحو التصعيد العسكري في جبهات مأرب يأتي في سياق تهرب الجماعة من التزاماتها نحو الداخل، إذ أتى التحشيد العسكري الحوثي في ظل تزايد حالة الاستياء والحنق الشعبي من استمرار الجماعة بالتلاعب بموضوع مرتبات الموظفين التي قامت بإيقاف صرفها منذ سبتمبر/أيلول 2016. وكان البرلمان التابع للجماعة قد أقر في ديسمبر/كانون الأول الماضي قانوناً لمصادرة حقوق الموظفين تحت مسمى "الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين"، والذي يعيد تقسيم موظفي الدولة إلى ثلاث فئات حددها القانون، تستلم الفئة (أ) راتباً كاملاً شهرياً، والفئة (ب) تستلم نصف راتب شهرياً في الحد الأدنى، والفئة (ج) تستلم نصف راتب كل ثلاثة أشهر على الأقل.

وتمثل خريطة النفوذ في مأرب أفضلية لصالح سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، فعلى الرغم من أن الحوثيين يسيطرون على 11 مديرية من مديريات مأرب مقابل ثلاث مديريات تسيطر عليها الحكومة، إلا أن للأخيرة أفضلية السيطرة على مديرية المدينة التي تعد الأكبر من حيث المساحة والسكان، ومديرية الوادي، ومديرية حريب.

وتمتاز المديريات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية بأكثرية سكانية، إذ تحتضن مدينة مأرب حالياً ما يقرب من 4 ملايين نسمة بعد نزوح مئات آلاف الأسر إليها من محافظات الشمال وأبرزها صنعاء وعمران والمحويت وريمة. كما تمتاز المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية باحتوائها على مراكز الثروة المتمثلة بالنفط والغاز والتي تتركز في منطقة صافر المحاذية لمحافظة حضرموت، بالإضافة إلى محطة مأرب الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية، بالتوازي مع النشاط الاقتصادي المتنامي فيها بسبب وجود الكثير من رجال الأعمال فيها الذين نزحوا من مناطق سيطرة الحوثيين. بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية لمأرب، هناك الثقل السياسي الذي باتت تمثله من خلال تمثيلها في أعلى هرم للسلطة الشرعية في البلاد، عبر المحافظ الشيخ سلطان العرادة الذي يشغل أيضاً عضوية مجلس القيادة الرئاسي.

عسكرياً تعد مدينة مأرب المركز الرئيس للقوات المسلحة اليمنية، ففيها وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، ومركز القيادة والسيطرة التابع للمنطقة العسكرية الثالثة، وفيها جيش قوامه يقدر بحوالي 200 ألف فرد، ويتركز هذا الجيش في مديريتي المدينة والوادي، بينما مديرية حريب تحت سيطرة "ألوية العمالقة" التابعة للقوات المشتركة وهي قوات موالية للحكومة الشرعية.

ومنذ يوليو/تموز 2020 تشن جماعة الحوثيين هجمات عسكرية بهدف السيطرة على مدينة مأرب في إطار ما أطلقت عليها معركة النفس الطويل، وذلك من ثلاثة محاور، من محافظة الجوف شمالاً، ومن الجنوب الغربي وتحديداً من المديريات المحاذية لمحافظة البيضاء الواقعة وسط البلاد، والمحور الثالث من مديرية صرواح جنوب غرب مأرب. وتهدف جماعة الحوثيين من معركة مأرب للسيطرة على الثروات المتمثلة بالنفط والغاز، وكذلك تحسين وتقوية موقفها في أي مفاوضات سياسية مقبلة.

ويقول الباحث السياسي في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مراد العريفي، لـ"العربي الجديد"، إن جماعة الحوثيين لن تتراجع عن هدفها بالسيطرة على مأرب، وسيبقى هذا الأمر على رأس أولوياتها سواء في الحرب أو السلم، لكون مأرب تشكل مورداً مالياً بالدرجة الأولى نظراً لكونها مصدراً للنفط والغاز، وثانياً لأنها تمثل التهديد الأول للجماعة بسبب أن كل الذين هجّرهم الحوثيون من العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة لجأوا إلى مأرب، لذلك فإن مأرب تشبه إدلب السورية بالنسبة لنظام بشار الأسد المخلوع.

ويضيف العريفي أن الحوثيين اليوم قد ينظرون إلى أن الظروف الموضوعية قد تكون متوفرة لمعركة خاطفة للسيطرة على مأرب في ظل السياق الإقليمي الحالي، فالجماعة مدفوعة بكونها خرجت منتصرة من معركة البحر الأحمر، وكسبت خلالها خبرة وموارد عسكرية كبيرة على مستوى التجنيد والتسليح. ويلفت إلى أن "السعودية، التي كان غطاؤها الجوي أحد الأسباب الرئيسية التي حالت دون سيطرة الجماعة على مأرب في هجومها الواسع عام 2021، لم تعد الحرب أولويتها في اليمن، بل على العكس تفاوضت بشكل مباشر مع الحوثيين وكانت على وشك أن توقّع معهم اتفاقاً، كما أن الولايات المتحدة لن تكون بأي سياق محلي يمني داخلي في ظل سياسة دونالد ترامب التي تركز على الصين وحرب الواردات التجارية".

ويتابع أن "الأمر الآخر يتعلق بأن الحوثيين يدفعون باتجاه الحرب في جبهات مأرب لأنهم يعلمون أن عودة القتال في اليمن تعني قلقاً للسعودية التي قد تضغط على الحكومة اليمنية لتقديم تنازلات، كما حدث في أزمة البنوك التجارية منتصف العام الماضي، حينما كانت الحكومة قد ضيّقت على الحوثيين، لكن تهديد زعيم الجماعة بقصف الرياض أجبر الأخيرة على ممارسة ضغوطها لتتراجع الحكومة اليمنية". ويشير العريفي إلى أنه "من خلال مراقبة سلوك الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء، يتأكد أن الحرب هي الاستثمار الأهم لها، لأنها تهرب من واجباتها تجاه اليمنيين في مناطق سيطرتها كونها سلطة أمر واقع في الحرب، وحين ترتفع الأصوات المنادية بالرواتب والخدمات يُفجّر الحوثيون الحرب من جديد حتى تسكت هذه الأصوات".

من جهته، يرى الصحافي علي الجرادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تحشيد الحوثيين نحو جبهات مأرب يأتي خطوةً استباقية لمؤشرات تتوقع فيها الجماعة تحركاً عسكرياً من قبل قوات الحكومة المعترف بها دولياً لخوض معركة مصيرية ضد الجماعة من محاور عدة، ابتداءً بمأرب القريبة من صنعاء والساحل باتجاه الحديدة، خصوصاً بعد إعادة تصنيف واشنطن لجماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية".

ويشير إلى أنه "بعد التصنيف الأميركي تصاعدت مخاوف جماعة الحوثي من التقاط الحكومة الشرعية حالة الإجماع الأوروبي والأميركي لضرب الحوثيين، وتدمير مقدراتهم عقب اعتداءاتهم المتكررة على السفن في البحر الأحمر، وتهديدهم للممرات المائية وحركة التجارة الدولية، فهذه المعطيات وغيرها رفعت منسوب المخاوف عند الحوثيين ليتحركوا على الأرض من خلال الدفع بتعزيزات عسكرية إلى جبهات القتال، وحشد المسلحين إلى مديريات صرواح والجوبة وجبل مراد، وتنظيم ما سموها مناورات وعروضاً استعداداً لما تقول الجماعة إنها مواجهة لأي تصعيد عسكري ضدها".

ووفق الجرادي، فإن "مأرب كانت ولا تزال الهدف الاستراتيجي لجماعة الحوثي وتصعيدها العسكري طوال سنوات الحرب، لاعتبارات مهمة وكثيرة اقتصادية وسياسية، فهي مدينة النفط حيث توجد حقول صافر النفطية، الرئة الاقتصادية للبلاد، بالإضافة إلى كونها معقل الشرعية الأخير في مناطق الشمال، والبوابة الشرقية منها إلى المحافظات الجنوبية من البلاد". ويضيف: "عُرف عن الجماعة استغلالها واختلاقها للأزمات بهدف التهرب من الاستحقاقات والالتزامات تجاه الشارع المحتقن بصمت في مناطق سيطرتها، خصوصاً ما يتعلق بصرف مرتبات الموظفين والخدمات العامة، وهذا الملف العالق منذ سنوات ومؤرق للناس ومحرج للجماعة في الوقت نفسه".