آخر تحديث :الإثنين-03 فبراير 2025-06:42م
أدب وثقافة

غموض (قصة)

الإثنين - 03 فبراير 2025 - 03:33 م بتوقيت عدن
غموض (قصة)
بقلم / عصام مريسي

الثبج الثاني


يوقف محرك السيارة و يستلقي بظهره على مقعد السيارة متكئ على مسند المقعد وتغفو عينيه وترحل به الذكريات نحو الماضي فيترجل رويدا رويدا وكلما اقترب نحو الحي ارتفعت الأصوات التي تختلط فيها أنغام أوتار ألات العزف مع قرع الطبول ترنيمة أصوات المنشدين تصاحبها مشاركة الحاضرين وفي غرفة داخلية تقف جدته ومن حولها المقربات من نساء العائلة يجهزن العروس ويزيننها بلباس العرس وهي تجهش بالبكاء :

لماذا تجبر وني على هذا الزواج من رجل يكبرني بأكثر من ثلاثين سنة

تجيبها الجدة محاولة اقناعها بثمرة هذا الزواج:

تحيين في عز ورفاهية .. الرجل غني .. تاجر

تحاول الفتاة مخاطبة والدتها ومحاولة اقناعها أن السعادة ليست بالمال:

أمي أريد أن احيا مع من أحب فالسعادة ليست مالا

ترتفع أصوات مزامير السيارات وأبواقها يستفيق من غفوته يحذق النظر يمنة ويسرة فلا شئ غير الظلام يعتدل على المقعد يشد الوشاح حول عنقه يدير مفتاح المحرك تنطلق السيارة في طريق المجهول الممتد الذي يسير فيه تغمره العتمة واللبس نحو تحديد الهدف والنهاية لكنه قد عزم مواصلة السير للوصول والخروج من منعطفات الطريق نحو الوضوح وإزالة هذا الثبج الذي يتخبط فيه عشوائيا بعد أن فقد القدرة على تحديد ما يريد بدقة واتقان فقد تخبطته الأهواء وأشتبه علية الحق والباطل والحقيقة والوهم.

مرة أخرى يبصر في الماضي فيرى أمه الشابة المنكسرة التي أجبرت عن التخلي عن أحلامها في الدراسة الجامعية والزواج بمن تحب والقبول بزواجها من العجوز الغني وهي تسير محطمة الطموح على قرع الدفوف و نغمات الموسيقى المصحوبة بصدى الهواجر والمراويس ( طبول ذات أصوات قرع صاخب) وزغاريد الحاضرات و مباركتهن لها على حظها والفوز بزواجها من رجل ثري وهو يقف بين الحضور ويمد كفيه نحو ثوبها يناشدها:

أمي لا تحزني. .. إني قادم

مازال يصرخ وهو يشد بكلتا يديه ثوبها الأبيض تتمزق أطرافه فتعلق بعض الخيوط بين أصابعه الصغيرة حتى يقع على الأرض وهي تسير غير مبالية وكأنها في موكب جنازة ومن حولها تتساقط النسوة وهي تستمر في مسيرها نحو مصيرها الذي ارتضاه له والديها فلا تملك اعتراض على قراراتهم لكن جموع الرغبة في العيش مع من تحب تملأ نفسها تسير لا تلتفت خلفها ولم تنظر إلى الطفل الباكي ولم ترمقه حتى بنظرة؛ فيشتد صراخه و تسقط قطرات من دمع عينيه حارة توقظه من شروده من أحلام يقظته يقلب كفيه لا شيئ عالق بين أصابعه.

مازال يمسك بمقود السيارة وهو يتحكم في قيادة السيارة في المنعطفات الوعرة رغم ما اصابه من الدوار يمد يده نحو احد جيوبه ليأخذ حبة من الدواء يبتلعها ؛ يستمر في قيادة السيارة متجاوز بعض العقبات .

محرك السيارة يصدر أصواتا متقطعة يتوقف يترجل خارج المقعد يفتح غطاء المحرك يحاول تفقده يحاول مرة أخرى تشغيل المحرك لكن السيارة لا تتحرك يفكر برهة ثم يقرر النزول ومتابعة السير ليكمل الرحلة. الطريق ينحدر نحو الأسفل يمد بصره نحو الأفق المظلم يرى نفسه ملقى على أحد أسرة غرف العناية المركزة وتمتد إلى أجزاء من جسده انابيب توصل اليه الدواء والغذاء يسأل الطبيب:

كيف هو الأن

في دهشة ينظر الطبيب إليه ثم يعاود النظر نحو المريض الذي يعاني الغيبوبة وهو يقول في نفسه:.

هو .. هو. .. ذاته

يعاود إلقاء السؤال:.

كيف. هو الأن .. هل سيفيق من غيبوبته ويخرج من هذه الحالة؟

في ارتباك يجيب الطبيب سريعا:

مقاومته شديدة وفي مثل حالته لوكان أحد أخر لفارق الحياة.

يقطع حديث الطبيب:

هناك أمل في عودته للحياة.

مباشرة يجيب الطبيب:

الله قدير. .. وكما قلت لك عنده رغبة للبقاء والعودة للحياة توقفت كل أجهزته الحيوية ثم عادت مرة أخرى للحياة وباشرت مهامها في إمداد جسمه بما يلزم استمرار الحياة.

يحذق النظر في الأجهزة الطبية المتصله بجسده السوائل تتدفق نحو جسده الذي يستوعبها وشاشات الأجهزة التي ترصد حركات نبض قلبه تشير إلى تحسن في مستوى نبض القلب .

يغادر حجرة العناية المركزة وعلى باب الغرفة يلتقي بوالديه ولأول مره يراهما في حالة من الإنسجام وما أن يضع قدميه على عتبة باب الغرفة حتى يتقدمان نحوه يعانقانه وهما في لهفة و شوق يتحسسان جسده وبصوت واحد يسألان :

كيف أنت الأن.. حمدا لله على سلامتك

يعلق الأب :

لقد شغلتنا عليك أيها الولد الشقي

وكأنه يرى والده لأول مره فلم يرى مثل هذه اللهفة في عينيه من قبل

تمتد أنامل أمه تتحسس كامل جسده وهي تسال:

أنت بخير .. ولدي لا تقلقني عليك .

يسارع الطبيب في استدعاء طواقم الأسعاف لنقل المريض نحو غرفة العمليات ويندفع الوالدان يسألان،:

ماذا حصل يجيب الطبيب:

لقد تدهورت حالته هناك نزيف يحتاج لنقل دم

في عجلة تتقدم الطواقم تجر السرير نحو غرفة العمليات

وهما يمنعان والديه من الدخول نحو غرفة العمليات يبقى الوالدان خارج الغرفة التي يخضع فيها إجراء العملية وهما في حالة من القلق والذعر تمر الساعات والأطباء مازالوا يجرون عملية الإنقاذ للمريض الذي أشتدت عليه الحوادث وكلما نظر الوالدان إلى الساعة ما زال اللمبة الحمراء متقدة تشير إلى أن عملية الإنقاذ مستمرة و أن المريض مازال يقاوم ويبدي رغبة في الإستمرار في الحياة.


عصام مريسي