تقرير/ سعيد المحثوثي:
حين يكون العطاء رسالة، وحين يصبح الخير خريطة تمتد من بحر اليمن إلى سهوله وجباله، يكون هناك رجال نذروا حياتهم ليكونوا جسوراً بين المعاناة والأمل، بين الحاجة والكفاية، بين الظلام والنور، وفي مقدمة هؤلاء يقف الشيخ توفيق محمد حسين، مدير مؤسسة ينابيع الخير الخيرية، لا يعرف للراحة باباً، يزرع الخير حيثما حلّ، لتثمر جهوده حياة كريمة لآلاف الأسر اليمنية التي وجدت في مؤسسته حضناً دافئاً في زمن القسوة، ونوراً في دهاليز الحاجة.
فمنذ تأسيسها عام 2008م، حملت المؤسسة على عاتقها مسؤولية إعادة رسم ملامح الحياة في اليمن، بعيداً عن أوجاع الحرب وأزمات الفقر والنزوح، وكان دورها ونهجها الأكبر بناء حقيقي للإنسان، يضع الأسس المتينة للاستقرار والتمكين، فمشاريعها الممتدة من أقصى الساحل الغربي إلى قلب المدن والقرى المنسية، كانت بيوتاً تحتضن مشردين، ومدارس تنير دروب الأطفال، وسبل عيش تحفظ كرامة الأسر، في رحلة متواصلة لا تعرف التوقف.
وفي أحدث إنجازاتها، سطّرت المؤسسة ملحمة إنسانية جديدة في مدينة المخا، حيث دشنت مشروع قرية الخيرين 5 – المرحوم مطلق العويد، نموذجاً متكاملاً للإعمار والتنمية، يعكس رؤية المؤسسة في تحويل العطاء إلى بصمة مستدامة، وحياة كريمة تمتد أثراً بعد أثر.
- (نموذج متكامل لتمكين المجتمعات)
في مدينة المخا على الساحل الغربي لليمن، كانت الفرحة عنواناً جديداً لمجتمع كان يعاني شظف العيش، حيث افتتحت مؤسسة ينابيع الخير الخيرية، وبدعم كريم من جمعية النجاة الخيرية - الكويت، مشروع قرية الخيرين 5 - المرحوم مطلق العويد، والمشروع رؤية تنموية شاملة، تضع أسس الاستقرار والاعتماد على الذات لسكان المنطقة.
تضم القرية 30 وحدة سكنية متكاملة التجهيز، لكن العطاء لم يتوقف عند توفير المأوى، إنما تعداه ليشمل سبل العيش المستدامة للأسر المستفيدة، وفق احتياجاتها المتنوعة، فمنحت المؤسسة قوارب صيد لمن يعولون أسرهم من البحر، ودراجات نارية لتيسير سبل الرزق، كما وزعت الأغنام لمن يجدون في تربية الماشية مورداً دائماً، وكأن كل ذلك بذور لاقتصاد مصغر، يعيد تشكيل واقع الأسر ويمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ولأن التعليم هو البوابة الكبرى للنهوض، كان لا بد من تأسيس مدرسة حديثة تضم ستة فصول دراسية مجهزة بالكامل، إلى جانب توفير الزي المدرسي والحقائب والكتب للطلاب المستفيدين، حتى لا يحرم الأطفال من حقهم الطبيعي في التعلم بسبب شظف العيشؤ كما لم يغفل المشروع الجانب الروحي والاجتماعي، فتم إنشاء مسجد متكامل بمصلى للنساء، ومغسلة للأموات، ليكون للمجتمع مكان يجتمع فيه على القيم والمبادئ.
وفي ميدان الصحة، جاءت الوحدة الصحية المجهزة بكامل المستلزمات الطبية، لتكون طوق نجاة للكثيرين ممن كانت الرعاية الصحية بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال، ولم يكن الماء والكهرباء استثناء من رؤية المشروع الشمولية، فتم إنشاء شبكة مياه متكاملة، إضافة إلى تركيب أنظمة طاقة شمسية، لضمان استمرار الخدمات وتخفيف المعاناة عن السكان.
- (قرى تنبض بالحياة.. خطوات ثابتة نحو التغيير)
لم يكن هذا المشروع سوى حلقة في سلسلة من الإنجازات التي تصنعها المؤسسة على امتداد اليمن، فقبل المخا كانت قرية الخيرين 9 في منطقة النشيرة بمحافظة أبين شاهداً آخر على هذا العطاء، حيث شهدت المنطقة ميلاد حياة جديدة لعشرات الأسر التي عانت من شظف العيش، فأضاءت لهم المؤسسة طريقاً نحو الاستقرار.
في تلك القرية اختلطت دموع الفرح بأصوات الامتنان، وشهدت الشوارع الجديدة وجوهاً مشرقة، تروي قصصاً عن أيام من المعاناة تحولت إلى ذكرى، وعن ليال حالكة أشرقت عليها شمس الأمل.
- (الحديدة.. الوجهة القادمة لزرع الأمل)
ولأن الحاجة في اليمن متجددة، والعطاء لا يتوقف، تتجه بوصلة المؤسسة نحو محافظة الحديدة، حيث وعدت المؤسسة بتدخلات تضمن الحياة الكريمة لسكان تلك الأرض الطيبة، وكما كانت المخا وأبين من قبل، ستكون الحديدة شاهداً جديداً على قدرة الإنسانية على التغيير، حين تمتزج العزيمة بالعمل، وحين يصبح الخير رسالة تتخطى الحدود والمحن.
- (مسيرة خيرية لا تعرف التوقف)
هذه المشاريع التي أضاءت المخا وأبين، والتي تستعد لرسم الأمل في الحديدة، لم تكن إلا محطات في رحلة طويلة من العطاء، بدأت منذ أن أسست مؤسسة ينابيع الخير الخيرية عام 2008، ولم تتوقف منذ ذلك الحين، فمنذ أول لبنة وضعتها في صرح العمل الإنساني، وهي تمد يدها لكل محتاج، وتغرس بذور الخير في كل أرض عطشى للحياة الكريمة.
لقد كانت قرى الخيرين والمشاريع التعليمية والصحية والتنموية التي نفذتها المؤسسة، شواهد على رسالة سامية لا تنضب، وعلى رؤية تتعدى الإغاثة إلى التمكين والاستدامة، وإن كان ما تحقق في المخا وأبين هو آخر إنجازاتها، فإن خيرها ممتد، وعزيمتها لا تلين، ومشاريعها القادمة ستظل شعلة تضيء دروب الفقراء، لتؤكد أن العطاء حين يكون رسالة لا تحدّه حدود، ولا توقفه الأزمات، وسيظل نهراً جارياً يروي عطش المحتاجين، ويمنحهم غداً يستحقونه.