حينما ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي في المشهد السياسي، استبشر كثيرون بولادة كيان سياسي قادر على جمع الكلمة وتوحيد الجهود نحو استعادة الحقوق الجنوبية، كان المجلس في بداياته يمثل أملاً لشعب أنهكته سنوات من التهميش والصراعات، إلا أن هذه الآمال سرعان ما اصطدمت بواقع مليء بالإخفاقات والخيبات .
تجربة المجلس الانتقالي أظهرت غيابًا واضحًا للتخطيط الاستراتيجي والرؤية المتماسكة، بدلاً من تقديم مشروع وطني يضع مصلحة الجنوب فوق كل اعتبار، انشغل المجلس في حسابات سياسية ضيقة ترتكز على الولاءات والمصالح الآنية، هذا النهج أضعف أداءه وأدى إلى تراجع الثقة به، لا سيما في ظل تجاهله لضرورة بناء شراكة حقيقية مع بقية المكونات الجنوبية، وهو ما ساهم في تعميق حالة الانقسام الداخلي وإضعاف الموقف الجنوبي العام .
من أبرز الإشكاليات التي برزت في أداء المجلس الانتقالي، تهميشه للعديد من الشخصيات الجنوبية المناضلة التي كان لها دور محوري في انطلاق الحراك الجنوبي السلمي، هذه الشخصيات التي قدمت التضحيات وتحملت عبء النضال في ظروف صعبة، وجدت نفسها خارج دوائر القرار، في حين مُنحت مناصب قيادية لأسماء تفتقر إلى الخبرة أو الشرعية النضالية، هذا التهميش لم يخلق فقط شعورًا بالإحباط لدى المناضلين، بل ساهم أيضًا في اتساع الهوة بين المجلس وقواعده الشعبية .
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، تفاقمت الأزمات بشكل كبير منذ تصدر المجلس الانتقالي المشهد، الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصحة استمرت في التدهور، فيما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، ورغم الموارد الطبيعية الهائلة التي يمتلكها الجنوب، إلا أن سوء الإدارة وغياب السياسات الاقتصادية الفعالة جعلا هذه الثروات تبدو وكأنها نقمة بدلًا من أن تكون نعمة .
التدخلات الخارجية أثرت هي الأخرى بشكل كبير على أداء المجلس، إذ بدا في كثير من الأحيان أداة لتنفيذ أجندات خارجية على حساب المصالح الوطنية، هذه التبعية قيدت استقلالية القرار السياسي وأضعفت المجلس أمام شعبه، مما زاد من حالة الإحباط العامة .
رغم كل هذه التحديات، فإن تجربة المجلس الانتقالي الجنوبي تحمل دروسًا لا بد من استيعابها لتصحيح المسار، الشراكة السياسية الشاملة التي تضم كافة المكونات الجنوبية دون استثناء هي الطريق الوحيد نحو تحقيق الاستقرار، كما أن إعطاء الأولوية للكفاءات والنخب الوطنية، بعيدًا عن المحاباة والولاءات الضيقة، سيعيد بناء الثقة بين القيادة والشعب .
إن الاعتراف بالأخطاء والجرأة على معالجتها ضرورة لا غنى عنها إذا أراد المجلس أن يكون على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، الجنوب يمتلك كل المقومات التي تجعله نموذجًا للنجاح، لكن ذلك لن يتحقق إلا بقيادة واعية ورؤية سياسية ناضجة تضع مصلحة المواطن في مقدمة الأولويات .
المستقبل ما زال مفتوحًا أمام الجنوب، والتغيير ممكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية لتجاوز حالة الاعتلال السياسي الحالية، القيادة الحكيمة التي تعمل على تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي هي الأمل الذي يجب أن يتمسك به الجميع، بعيدًا عن الإقصاء والتهميش الذي لم يجلب سوى الفشل والانقسام .