آخر تحديث :الجمعة-21 فبراير 2025-03:42ص
أخبار وتقارير

تحليل سياسي خاص : التعديل الوزاري في حكومة بن مبارك ليس حلاً

الأربعاء - 19 فبراير 2025 - 11:36 ص بتوقيت عدن
تحليل سياسي خاص : التعديل الوزاري في حكومة بن مبارك ليس حلاً
تحليل سياسي – القسم السياسي في صحيفة عدن الغد

في ظل الترقب المستمر لإعلان تعديل وزاري جديد في حكومة أحمد عوض بن مبارك، تتزايد التساؤلات حول جدوى هذا التغيير، وما إذا كان سيحمل في طياته أي إصلاح حقيقي أو مجرد إعادة تدوير للوجوه السياسية في إطار نفس المعادلة الفاشلة. خلال السنوات الماضية، أثبتت تجربة المحاصصة السياسية في الحكومة الشرعية أنها وصفة مثالية لشلل الحكومة وتعطيل عملها، حيث تحولت كل وزارة إلى كيان مستقل خاضع للجهة السياسية التي جاءت منها، مما أفقد رئيس الوزراء القدرة على فرض رؤيته أو تنفيذ سياسات موحدة. في ظل هذا الوضع، يصبح الحديث عن تعديل وزاري محاولة لتغيير الشكل دون المساس بجوهر المشكلة، وهي نظام المحاصصة السياسية الذي دمر أداء الحكومة وجعلها عاجزة عن مواجهة التحديات الحقيقية.

عبر هذا التحليل السياسي يحاول القسم السياسي في صحيفة عدن الغد الوقوف على فرص نجاح هذا التعديل المرتقب ومخاطره.

يرى مراقبون أن المشكلة الرئيسية التي تواجه حكومة الشرعية ليست في الأشخاص الذين يتولون الحقائب الوزارية، بل في الطريقة التي يتم بها تشكيل الحكومة، حيث يتم توزيع الوزارات وفق محاصصة سياسية تجعل كل وزارة تتبع الكيان السياسي الذي حصل عليها، وليس لرئيس الحكومة أي سلطة فعلية على أداء الوزراء أو سياساتهم. هذا الوضع أدى إلى حالة من التفكك داخل الحكومة، حيث لا توجد رؤية موحدة، ولا تنسيق فعال بين الوزارات، بل كل طرف يعمل وفق أجندته الخاصة، وهو ما يعكس غياب مفهوم الحكومة ككيان إداري متكامل قادر على تنفيذ سياسات وطنية موحدة.

محاصصة مدمرة

المحاصصة السياسية تسببت في أن يصبح كل وزير منفصلًا تمامًا عن المنظومة الحكومية، حيث يستمد قوته من الجهة السياسية التي جاءت به، وليس من رئيس الحكومة، مما يجعله غير ملزم بتوجيهاته أو برؤية الحكومة ككل. ونتيجة لذلك، أصبحت الحكومة تعمل كمجموعة جزر متنافرة، بدلاً من أن تكون فريقًا موحدًا يسعى لتحقيق أهداف واضحة.


يرى محللون أن ما تعانيه الحكومة اليمنية من شلل إداري بسبب المحاصصة السياسية يشبه إلى حد كبير التجربة اللبنانية، حيث أدى نظام تقاسم السلطة بين القوى السياسية والطائفية إلى إضعاف مؤسسات الدولة، وجعل الحكومة غير قادرة على تنفيذ أي إصلاحات جوهرية. في لبنان، تحول كل وزير إلى ممثل لفصيله السياسي داخل الحكومة، مما جعلها عاجزة عن اتخاذ أي قرارات كبرى دون الدخول في صراعات سياسية معقدة. اليوم، تتجه مناطق الشرعية في اليمن إلى وضع مشابه، حيث أصبحت القرارات الحكومية محكومة بتوازنات القوى السياسية بدلًا من المصالح الوطنية، وهو ما يعرقل أي محاولة للإصلاح أو التغيير الحقيقي. إذا استمرت هذه الديناميكية، فإن الحكومة الشرعية قد تجد نفسها في مواجهة أزمة شبيهة بالأزمة اللبنانية، حيث يصبح اتخاذ أي قرار مصيري أمرًا شبه مستحيل بسبب التجاذبات السياسية بين مكوناتها.

صراع داخلي

إضافة إلى أزمة المحاصصة، تواجه الحكومة الشرعية صراعًا سياسيًا داخليًا يعمّق من أزمتها ويجعلها أكثر ضعفًا. في الوقت الذي يُفترض أن تعمل فيه الحكومة على معالجة الأوضاع الاقتصادية والخدمية، تنشغل مكوناتها في معارك داخلية وصراع على النفوذ، مما يجعلها غير قادرة على التركيز على مهامها الأساسية. هذا الصراع بين القوى السياسية داخل الحكومة يضعف ثقة الشارع بها، ويجعل المواطنين يرونها مجرد ساحة صراع بين أطراف متنافسة بدلًا من أن تكون كيانًا يسعى لخدمتهم.


يرى مراقبون أن استمرار هذه الخلافات داخل الحكومة قد يؤدي في النهاية إلى تفككها وانهيارها تمامًا، خاصة إذا استمر كل طرف في استخدام وزارته لتحقيق مكاسب سياسية بدلًا من العمل لخدمة البلاد. وفي ظل هذا الوضع، فإن أي تعديل وزاري لن يكون أكثر من محاولة يائسة لإعادة ترتيب القوى داخل الحكومة دون تقديم أي حلول حقيقية للأزمات المتفاقمة.

مستفيدون من خارج الملعب

في الوقت الذي تعيش فيه الحكومة الشرعية حالة من الانقسام والتفكك، تستغل جماعة الحوثي هذا الوضع لصالحها، حيث تروج لفكرة أن الشرعية عاجزة عن إدارة البلاد، مما يعزز من موقفها السياسي في أي مفاوضات مستقبلية. الحوثيون، رغم الخلافات الداخلية التي يواجهونها، يتمتعون بقيادة مركزية موحدة، وهو ما يمنحهم أفضلية على الحكومة الشرعية التي تعاني من التشتت والانقسامات. استمرار الصراع داخل الحكومة، وفشلها في تقديم حلول عملية للأزمات الاقتصادية والخدمية، يمنح الحوثيين الفرصة لتحقيق المزيد من المكاسب، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي. في ظل هذا الوضع، يصبح من الضروري إعادة هيكلة الحكومة بشكل جذري، بدلًا من الاكتفاء بتعديلات وزارية شكلية لن تغير من الواقع شيئًا.


يرى محللون أن الحل الوحيد لإنهاء هذا الجمود الحكومي هو إنهاء نظام المحاصصة السياسية وتشكيل حكومة سياسية موحدة يتحمل مسؤوليتها طرف سياسي واحد. وجود حكومة من مكون سياسي واحد يعني أن هناك جهة محددة يمكن محاسبتها على أدائها، بدلًا من الوضع الحالي الذي يسمح لكل طرف بإلقاء اللوم على الآخرين عند فشل الحكومة في أداء مهامها. حكومة سياسية موحدة ستتمتع بقدرة أكبر على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات دون الخوف من الصراعات الداخلية، كما أنها ستتمكن من تقديم رؤية واضحة يمكن تقييمها بناءً على الإنجازات الفعلية، وليس وفق التوازنات السياسية بين الأطراف المتصارعة.


في ظل الترقب للتعديل الوزاري القادم، تبدو كل المؤشرات غير مبشرة بأي تغيير حقيقي. إذا تم التغيير وفق نفس النهج القائم على المحاصصة السياسية، فإن النتيجة ستكون استمرار حالة الشلل الحكومي والتدهور في الأداء، مما يعني مزيدًا من الانهيار الاقتصادي والخدمي، ومزيدًا من فقدان الثقة في الحكومة الشرعية. اليمن اليوم بحاجة إلى إرادة سياسية قوية لتغيير قواعد اللعبة، وإنهاء نظام المحاصصة الذي أثبت فشله الذريع. بدون ذلك، فإن التعديلات الوزارية ستبقى مجرد إعادة توزيع للمناصب، دون أي انعكاس إيجابي على حياة المواطنين الذين يعانون من تدهور الخدمات وانهيار العملة واستمرار الصراع السياسي والعسكري. وفي نهاية المطاف، فإن المستفيد الوحيد من هذا الوضع هو جماعة الحوثي، التي تستغل كل نقطة ضعف في الحكومة لصالحها، بينما تستمر الشرعية في الدوران في حلقة مفرغة من الأزمات والصراعات الداخلية.