تشهد حضرموت في الآونة الأخيرة حملة إعلامية مكثفة، يقودها بعض الأصوات، تستهدف حلف قبائل حضرموت وتحمله مسؤولية أزمة الكهرباء المتفاقمة في العاصمة المؤقتة عدن، هذه الحملة، التي تجاهلت بشكل واضح تحميل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي مسؤولياتهما الدستورية والقانونية، تكشف عن أبعاد سياسية تتجاوز مجرد أزمة الطاقة، وتطرح تساؤلات عميقة حول إدارة الموارد والنفوذ في اليمن .
إن جوهر الأزمة لا يكمن فقط في قرار الحلف بوقف توريد النفط الخام إلى كهرباء عدن، بل يعود إلى سياق أوسع من السياسات الفاشلة التي كرّست الاعتماد غير العادل على ثروات حضرموت، دون أن تنال الأخيرة نصيبها العادل من العائدات أو الخدمات، وحتى عندما تعرضت موانئها النفطية لهجمات الحوثيين، لم نشهد نفس مستوى الغضب الإعلامي الذي نراه اليوم تجاه قرار الحلف .
وفقًا للدستور والقوانين اليمنية، تتحمل الحكومة مسؤولية توفير الخدمات الأساسية، بما فيها الكهرباء، لجميع المحافظات، وليس من المنطقي أن يُلقى هذا العبء على عاتق حضرموت وحدها، فشل الحكومة في إيجاد حلول مستدامة لأزمة الكهرباء، واعتمادها المستمر على النفط القادم من حضرموت، يكشف عن عجز بنيوي في إدارة الموارد، ولم تتخذ السلطات أي خطوات جادة لمواجهة التهديدات الحوثية للموانئ النفطية، رغم تأثيرها المباشر على الإمدادات .
قرار حلف قبائل حضرموت بوقف توريد النفط ليس السبب الحقيقي للأزمة، بل هو نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية جعلت حضرموت تتحمل أعباء تفوق قدرتها دون أي مقابل، لم يكن القرار موجّهًا ضد أي طرف، بل جاء كرد فعل على استمرار نهب الموارد دون تنمية عادلة لحضرموت، ورغم الحملة الإعلامية، لا يزال الحلف قوة سياسية واجتماعية مؤثرة في المعادلة الحضرمية .
بدلاً من الضغط على الحكومة والمجلس الرئاسي لتحمل مسؤولياتهما، تم توجيه الحملة نحو حضرموت، وكأنها المسؤول الأول عن أزمة الكهرباء في عدن، هذا الخطاب يحرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية، ويهدف إلى إبقاء حضرموت تحت ضغط مستمر لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية .
أهداف الحملة الإعلامية ضد حضرموت تتضمن تحويل الغضب الشعبي بعيدًا عن الحكومة وإلقاء اللوم على الحلف، رغم أن الأزمة ناتجة عن فشل سياسات الدولة، وإضعاف موقف حضرموت التفاوضي وإجبارها على العودة إلى تقديم النفط دون أي ضمانات تنموية عادلة، إضافة إلى خلق صراع داخلي بين المحافظات الجنوبية لإضعاف أي مطالبات بإدارة محلية عادلة للموارد .
ما يجري اليوم ليس مجرد خلاف فني حول توريد النفط، بل هو جزء من معركة أكبر حول إدارة الموارد والحقوق السياسية، حضرموت ليست مجرد "خزان نفطي" يتم استنزافه، بل هي قوة سياسية واقتصادية يجب أن يكون لها دور متوازن في تقرير مصيرها، التحدي الحقيقي اليوم هو :
هل ستتمكن القوى الحضرمية من فرض معادلة جديدة تحمي حقوقها، أم أن الضغوط السياسية ستُعيدها إلى مربع الاستنزاف دون مقابل ؟