آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-10:54ص

الشراكة المربكة.. بين ازدواجية الموقف وضياع الهدف

الإثنين - 10 فبراير 2025 - الساعة 01:45 م
ماهر باوزير

بقلم: ماهر باوزير
- ارشيف الكاتب


في المشهد السياسي الجنوبي، تتصاعد التساؤلات حول مسار المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرفع شعار "استعادة الدولة"، بينما يستمر في شراكة سياسية مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والتي طالما وصفها بالفاسدة، هذا التناقض يفتح الباب أمام إشكاليات جوهرية تتعلق بمصداقية المشروع الجنوبي، وحدود المناورة السياسية التي يمكن للمجلس أن يتحرك ضمنها، فهل يمكن تحقيق استقلال الجنوب من داخل منظومة يُتهم أطرافها بالفساد؟ أم أن هذه الشراكة ضرورة سياسية فرضتها التوازنات الإقليمية والدولية ؟ وما الخيارات المتاحة للخروج من هذا المأزق السياسي ؟

يدرك المراقب للمشهد اليمني أن أي كيان سياسي لا يمكنه الجمع بين أدوار متناقضة، حيث لا يمكن للمجلس الانتقالي أن يكون جزءًا من الشرعية ومعارضًا لها في آنٍ واحد، لكن الواقع يعكس وضعًا مختلفًا؛ إذ يواصل الانتقالي انتقاد الحكومة التي يشارك فيها، متهمًا إياها بالفشل والفساد، بينما يتحمل مسؤولية مباشرة في القرارات التي تصدر عنها، إذا كان المجلس يرى أن هذه الحكومة فاسدة، فلماذا لا يعلن فك ارتباطه بها ؟ أم أن استمرار الشراكة خيار فرضته المصالح الإقليمية والدولية ؟ هذه الأسئلة تمثل جوهر الأزمة التي يواجهها المشروع الجنوبي، حيث تبدو الرؤية غير واضحة بين الالتزام بالاتفاقات السياسية وبين الطموحات الاستقلالية .

في تجارب الحركات الاستقلالية حول العالم، لم تنجح أي حركة تحرر وهي تعتمد على الدعم الخارجي أكثر من اعتمادها على إمكانياتها الداخلية، وهنا تبرز إشكالية أخرى، حيث يبدو أن المجلس الانتقالي يعتمد على دعم الأشقاء أكثر من اعتماده على بناء مشروع وطني متكامل، إن أي مسار نحو الاستقلال يجب أن يبدأ بتعزيز المؤسسات، وتحرير القرار الاقتصادي والسياسي من أي تبعية، والعمل على تحقيق الحد الأدنى من الاستقلال الإداري والاقتصادي، بدلًا من البقاء في حالة انتظار لما سيقرره الآخرون .

كرئيس للمجلس الانتقالي، يواجه عيدروس الزُبيدي تحديات معقدة، إذ يقع بين ضغوط التحالفات الإقليمية ومتطلبات الشارع الجنوبي، فهل يستطيع تجاوز هذه الضغوط واتخاذ قرارات أكثر استقلالية، أم أن الظروف الراهنة ستجبره على الاستمرار في هذا الوضع الرمادي ؟ المجلس اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما :

إما أن يكون جزءًا من الحكومة ويتحمل مسؤولياته الكاملة، مع العمل على إصلاحها من الداخل إن كان ذلك ممكنًا، أو أن ينسحب منها بشكل واضح وصريح، ويتبنى مشروعًا سياسيًا قائمًا على بناء مؤسسات جنوبية مستقلة قادرة على إدارة الجنوب، بعيدًا عن التناقضات السياسية .

القضية الجنوبية قضية عادلة، لكنها تحتاج إلى رؤية واضحة وإدارة سياسية لا تتأرجح بين الشراكة والمعارضة، استمرار الخطاب المزدوج سيؤدي إلى فقدان الشارع الجنوبي للثقة في المشروع السياسي القائم، وسيخلق حالة من الإحباط قد تؤثر على مسار القضية في المستقبل، المشهد السياسي الراهن يتطلب قرارات حاسمة تتجاوز المناورة السياسية قصيرة المدى، فإما أن يتم الإعلان عن موقف واضح تجاه الشراكة مع الشرعية، أو أن يستمر هذا الوضع المتذبذب، مما قد يُفقد المشروع الجنوبي زخمَه تدريجيًا، المرحلة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة القيادة الجنوبية على اتخاذ قرارات تتماشى مع تطلعات الشارع، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمراهنات غير المضمونة، فهل نشهد قريبًا وضوحًا في الرؤية والموقف، أم أن الجنوب سيبقى أسيرًا للواقع السياسي القائم ؟