دومًا أخبر أصدقائي في بعضِ المجالسِ الأدبية، أنَّ من أهم الأغاني الوطنية التي يعرفها أبناء اليمن، كتبها شعراء من تهامة، لكنهم يجهلونَ ذلك، وأحيانًا لا يهتمونَ بمن يقفُ خلف الإبداع، يختفي الشاعر على حساب صاحب الصوت الحسن، وفي حالات قليلة يحضر الاثنان يدًا بيد، كما هو الحال بين كاظم ونزار، وأم كلثوم ومن كتبوا لها.
أمَّا في الحالةِ اليمنية، تكمن المشكلة في تغييب قوم وإظهار آخرين، فتجد الحديث يتركز علىٰ بعضِ الشعراء دونَ غيرهم، وهذه آفة متجذرة قوقعت الإبداع اليمني وحصرته في أشخاصٍ بأعيانهم، و لم تتمكن من تجاوزهم.
مثلًا،
°أغنية «أنا يمني» للشَّاعر التهامي الكبير إبراهيم صادق، الذي كان ضمن بعثة الأربعين الشهيرة التي كتبَ عنها ووثقها «كيفن روزر»، وترجمها عبد الوهاب المقالح، والكتاب جدير بالمطالعة.
سارت الأغنية مسار الريح، وباتت مما يحفظه الإنسان اليمني منذ صغره، لكن القليل جدًا من يعرف كاتبها المنسي الشاعر الثائر إبراهيم صادق، صاحب ديوان «عودة بلقيس».
°الأغنية الوطنية الأخرى، للشَّاعر التهامي أبو القصب شلال، وهي إحدىٰ الأغاني الوطنية الخالدة التي تعيشُ في وجدان اليمني، وما عُرفت كعدل إلا بها، وبقي أبو القصب في الظل منسيًا في سياقِ التغيبب!
يقول في مطلع قصيدته:
بـلادي اُحيــيك فلتــسلمي
وما عشتُ يا اُمِ لن تُظلمي
دمي يا بلادي وما في يدي
فداءٌ يحيــيكِ ملء الفــــمِ
ولا أعرفُ أغنية وطنيةً تفعل في متلقيها فعل السِّحر مثل هذه، إذ تثير في داخلك ثورة، وعنفوان، وتصيبك بشيء من كبرياء اليمني عبر القرون المنصرمة.. وستبقى متوهجة إلى أزمان متطاولة، يتوارثها أبناء اليمن جيلًا بعد جيل. يرددون دومًا:
بلادي ويا قبلة الثــائرين
ويا منبع النور لن تُقحمي
بالعودةِ إلى شعراء تهامة،
في جعبتي الكثير عنِ الظلم الذي تعرضَ له بعضهم، من قبل وزارات الثقافة المتتابعة، والهيئات الأدبية التي لا تلتفت إلا لذوي القربىٰ، المصابة بداء الشللية، والمدح الفارغ، والمحاباة الباردة التي لا علاقة لها بالصنعةِ الأدبية.
ولولا دِينٌ وحياءٌ لقلتُ بقلمي هكذا كما يقولُ الهدلق، فكشفتُ عن وجوهٍ تُصدَّر في المجالس، وعندما تقفُ علىٰ حقيقتهم وبضاعتهم، تراهم أقلّ شأنًا، ولا حظَّ لهم في تلكَ الهالة التي صنعت حولهم؛ لكنه الداء المستمر..!
#تهامة
خالد بريه