إعداد / د. الخضر عبدالله :
الطمع في باب المندب
في الحديث الماضي كشف الرئيس علي ناصر عن الدور المصري في ثورة الجنوب الديمقراطي وروى حول اللقاء الذي جمعه بالرئيس السادات في استراحة القناطر بالقاهرة دام ساعتين ، وأهم الحديث كان حول المؤامرات التي تحاك ضد جنوب اليمن ..وفي هذه الحلقة يتطرق إلى الرئيس ناصر حول انتهاء شهر العسل في العلاقات اليمنية المصرية التي لم تدم طويلا وقال مسترسلا في حديثه :" بعد موت عبد الناصر، ظلت العلاقات اليمنية الجنوبية المصرية تراوح مكانها، ولم تشهد فترة ازدهار إلا بعد حرب أكتوبر عام 1973م، وتحديداً بعد موقف اليمن الديمقراطية من مرور السفن الإسرائيلية في «باب المندب» حيث سمحت للسفن الحربية المصرية بالدخول إلى ميناء عدن والإقامة فيه أثناء الحرب، والتزود بالوقود ومراقبة السفن الحربية الإسرائيلية. ومنذ هذه اللحظة أو قبلها بقليل بدأ اهتمام الرئيس المصري أنور السادات بعدن وبباب المندب، وخصوصاً جزيرة «بريم»، وأبدى استعداده لتطويرها وجلب المياه إليها وتحصينها والاهتمام بها، لما تتمتع به من أهمية استراتيجية. فوجه السادات الدعوة للرئيس سالم ربيع علي لزيارة مصر، فزارها في 5 سبتمبر 1974م والتقيا في الإسكندرية. اهتم السادات بربيع، وبالعلاقات بين مصر واليمن الديمقراطية. وكان هو عَراب العلاقات بين عدن والسعودية، وكان له دور مهمّ في التقارب الذي حدث بين البلدين في أواخر أيام الرئيس ربيع الذي أدى في عام 1976م إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين اليمن الديمقراطية والمملكة العربية السعودية كما أسلفت..
انتهاء شهر العسل
وحول انتهاء العلاقات بين اليمن ومصر استدرك الرئيس ناصر حديثه وقال :" لكن شهر العسل في العلاقات اليمنية المصرية لم يدم طويلاً، فقد قامت أجهزة المخابرات اليمنية الجنوبية بعدة محاولات اغتيال في القاهرة لبعض عناصر المعارضة اليمنية الجنوبية ما أدى إلى تدهور العلاقات وانهيارها تماماً خاصة بعد زيارة السادات المشهورة للقدس في 19 نوفمبر 1977م عندما أدانت اليمن الجنوبية الزيارة، وقطعت علاقاتها بمصر، استجابة لقرارات مؤتمر بغداد، وانضمت إلى جبهة الصمود والتصدي التي تأسست في طرابلس في 5 ديسمبر عام 1977 كردّ فعل على ما اعتبر حلولاً استسلامية نجمت عنها اتفاقيات «كامب ديفيد» والتي عمّدها الرئيس السادات بزيارته للقدس.
شاركت اليمن الديمقراطية بنشاط في جبهة الصمود والتصدي، وفي مؤتمر الشعب العربي العام الذي تأسس في الفترة نفسها من المنظمات الجماهيرية والاجتماعية العربية بما فيها المصرية واللبنانية، فضلاً عن أعضاء جبهة الصمود والتصدي، ولم يكن الرئيس سالم ربيع راضياً عن هذا الموقف، بل يمكن القول إنه كان ضده. لكنني سأؤجل الحديث عن تفاصيل موقفه إلى الحديث عن جبهة الصمود والتصدي في موقع آخر. والمهم، أن التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية عمّت أرجاء اليمن الديمقراطية، رفضاً لاتفاقيات كامب ديفيد، وتضامناً مع القوى الوطنية المصرية.
مصر تطرد 140 طالبا وطالبة
وحول تعمق الأزمة بين حكومة عدن ومصر اردف الرئيس ناصر قائلا :" وبنتيجة هذه السياسة، أقدمت السلطات المصرية على طرد (140) طالباً وطالبة من اليمن الديمقراطية من الذين يدرسون في جامعات مصر. وقد التقيتهم عقب عودتهم إلى عدن، وكنت حينذاك رئيساً للوزراء. وقد أعطيت توجيهاتي للجهات المعنية بتوفير منح دراسية بديلة لهم ليواصلوا دراستهم. وبالفعل، جرى توزيعهم على عدة بلدان، منها سورية والجزائر وليبيا والعراق وإثيوبيا وبريطانيا. والمعروف أن مصر عبر تاريخها كانت تفتح أبواب الدراسة في المعاهد والجامعات والمدارس الثانوية والكليات العسكرية للطلاب اليمنيين والعرب.
خالد محيي الدين و«الكف النظيف "
ويردف الرئيس علي ناصر في حديثه ويقول :" انتقل الصراع بين البلدين من المهاترات والحملات السياسية والإعلامية إلى مرحلة خطيرة. فقد أكد الكاتب الصحفي الأميركي «بوب وود وورد» في كتابه (الحجاب) دور الاستخبارات الأميركية في العملية التخريبية التي هدفت إلى إحراق العاصمة عدن في عام 1982م وقد تم الكشف عن عناصرها قبل تنفيذ جريمتهم، وأكد لي خالد محيي الدين، «نقلاً عن مسؤول مصري كبير» أن «أجهزة» المخابرات المصرية كانت مشاركة في تلك المخططات بالتعاون مع دول عربية وأجنبية في أيام السادات، وقد أوقفها الرئيس حسني مبارك بعد تسلمه السلطة على أثر مصرع الرئيس أنور السادات في عام 1981م.
أكد لي خالد محيي الدين أن الرئيس مبارك أوقف خطة عسكرية مصرية جاهزة أعدت أيام سلفه لإسقاط النظام في عدن. وقال لي إن الرئيس مبارك قال له: إن الرئيس علي ناصر لا يتصل بنا لكنه كذلك لا يهاجمنا، على نقيض بقية الدول العربية التي تتصل بنا وفي الوقت نفسه تهاجمنا!! ونصحني خالد محيي الدين بمدّ جسور العلاقة مع مصر حسني مبارك وسمّاه حينذاك »صاحب الكف النظيف». وكان من رأيه أن مؤسسة الرئاسة في مصر تمثل حالة أفضل من بقية مؤسسات الدولة. وقد جرى هذا الحديث بيني وبينه في عدن أثناء مشاركته في الاحتفالات اليوبيلية للذكرى العشرين لثورة 14 تشرين الأول/أكتوبر المجيدة التي سبق أن تحدثت عنها.
بعد ذلك أخذت العلاقات بين البلدين تعود إلى حالتها الطبيعية تدريجاً، وكخطوة تمهيدية ثم فتح مكتب لشركة الطيران اليمنية الجنوبية «اليمدا» في القاهرة وسمح لطائراتنا بالمرور في الأجواء المصرية والهبوط في مطارها على طريق تطبيع العلاقات، وفي انتظار رفع المقاطعة عن مصر من قبل الجامعة العربية أو من قبل مؤتمر قمة عربي. ( للحديث بقية )