آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: دعوات انفصال حضرموت.. هل ستلقى تأييدا شعبيا.. ومن الذي يدعمها؟

الثلاثاء - 03 يناير 2023 - 08:41 ص بتوقيت عدن
تحليل: دعوات انفصال حضرموت.. هل ستلقى تأييدا شعبيا.. ومن الذي يدعمها؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل لوضع الصراع الراهن على حضرموت بين الأطراف الداخلية والخارجية المختلفة.

هل الصراع على حضرموت يعكس حالة الصراع بين أجنحة التحالف؟

كيف تحول الجنوب بشكل عام إلى مسرح للصراع الدائر في اليمن؟

لماذا تصدرت حضرموت مشهد الصراع مؤخرا بشكل مفاجئ؟

كيف سيؤثر الصراع بحضرموت على ملف الحرب في اليمن؟

ما الضرر الذي قد يلحق بالحضارم جراء كل هذا التجاذب؟

الصراع الجديد.

(عدن الغد) القسم السياسي:

يتحدث كثيرون باستغراب عن الأسباب التي دفعت إلى تصدر "حضرموت" لمشهد الصراع مؤخرا في اليمن، وبصورة مفاجئة وغير متوقعة، غير أن التاريخ والواقع معا يجانبان هذا الطرح بشكل واضح.

فحضرموت لم تكن يوما بعيدة عن أي تداخلات وتأثيرات سياسية أو عسكرية تمس اليمن والمنطقة برمتها كما قد يظن البعض، رغم أنها اشتهرت بسلميتها ووداعتها، إلا أن الأحداث الكبرى كانت تضع حضرموت في قلب اهتماماتها دوما.

فلم يكن لدولة جنوب اليمن التي ورثت الاحتلال البريطاني أن تتنازل عن حضرموت خلال مفاوضات الجلاء في جنيف السويسرية أواخر ستينيات القرن الماضي، بين الإنجليز والجبهة القومية، رغم أن حضرموت كانت دولة مستقلة بذاتها وذات سيادة.

غير أن وداعة الحضارم وركون أهل حضرموت إلى السلم كان يغري الآخرين دوما، ويجعل من المحافظة بساحلها وواديها مطمعا للجميع، حتى من الأطراف الخارجية والدول المجاورة لليمن، وهو ما أثبتته أحداث التاريخ خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وهذه الأطماع -سواء المحلية أو الإقليمية- امتدت إلى اليوم، ولم تتوقف عند مرحلة تاريخية معينة، بل إنها تجددت بصور مختلفة، مستغلة ضعف الدولة اليمنية وتراخي قبضتها وسيادتها على أراضيها.

حتى أن هذا الوضع الضعيف للدولة أحيا أحلام الدويلات الحضرمية التي سبقت ضم وإلحاق حضرموت بدولة جنوب اليمن عام 1967، وأعادت إمكانية انفصال واستقلال حضرموت بشكل ذاتي بعيدا عن الجنوب وعن اليمن معا.

> أسباب النزاع على حضرموت

كثيرة هي العوامل والمقومات التي جعلت حضرموت مطمعا لكل الأطراف الداخلية والخارجية المحيطة بها، وهي أسباب سياسية واقتصادية وجغرافية، بالإضافة إلى تركيبتها السكانية المتأقلمة مع أي وافد ومسيطر جديد على المنطقة.

كما إن الطبيعة المدنية في أبناء حضرموت هي من تزيد في حرص المتصارعين على ضمها وإلحاقها بهم، والاستحواذ عليها، خاصة وأن حضرموت تمتلك إرثا سياسيا ومدنيا، من خلال تأسيس دويلات مدنية وعصرية متماسكة ومستقرة استمرت مئات السنين، حتى قبل أن يعرف الجنوب واليمن عموما مفهوم الدولة الحديثة.

هذه الإغراءات جعلت من دولة ما بعد بريطانيا في جنوب اليمن بالتمسك بضم حضرموت، إليها، رغم أن دويلات حضرموت لم تكن ضمن مشروع "اتحاد الجنوب العربي" الذي أسسه الإنجليز لتكريس احتلالهم، وسيطرتهم على المحميات والسلطنات والمشيخات المتشظية.

بالإضافة إلى ذلك، كان المحيط السياسي لحضرموت، في دول الجوار لا يريد لجنوب اليمن أن يتحول إلى دولة مستقلة في خاصرته الجنوبية، خاصة وأنها دولة ذات أيديولوجيا متعارضة ومتناقضة مع أنظمة المنطقة السياسية؛ وهو ما كان سببا وراء محاولات الإقليم لفك ارتباط حضرموت بدولة ما بعد بريطانيا.

وهو ما تجسد في الأحداث والمواجهات العسكرية التي شهدتها مناطق شمال حضرموت مطلع سبعينيات القرن الماضي، والتي امتدت حتى بداية الثمانينيات، وفق ما أثبته مؤرخون وسياسيون عايشوا تلك الفترة الملتهبة.

كما غن البعض يظن أن حضرموت تعاني كثيرا على مستوى الهوية الحضرمية، والانتماء الاجتماعي لأبنائها وأهلها، وهو ما يتعلق بالطبيعة السكانية والتركيبة الديموغرافية لأهالي حضرموت.

فحتى لهجات الحضارم وثقافتهم وعاداتهم هي أقرب لدول الخليج العربي منه إلى مناطق جنوب اليمن، الأمر الذي كان يبرره البعض في مطالبة دول الجوار بحضرموت، والتي تجددت اليوم بشكل لافت، وبطرق مختلفة عما كان سابقا.

وزاد من تلك العوامل وأسباب النزاع على حضرموت ما كشفت عنه التنقيبات النفطية والغازية، والتي بدأت اكتشافاتها الواعدة مطلع الوحدة اليمنية، وتحديدا ما بعد عام 1991، والتي بشرت باحتياطات عملاقة، أضافت سببا جديدا للأطماع المتربصة بحضرموت.

وهذا العامل الأخير، وهو عامل اقتصادي بحت تفاقم كثيرا خلال سنوات عهد النظام السابق لليمن الموحد، والتي بررت بسببها حرب عام 1994، واستمرار تواجد قوات المنطقة العسكرية الأولى (الحكومية) في مناطق وادي وصحراء حضرموت؛ وذلك للسيطرة على الثروات النفطية والغازية، كما يقول معارضو هذا التواجد.

> ارتفاع وتيرة الصراع

كثيرا ما عانت الهوية الحضرمية في تحديد انتمائها لأي محيط مجتمعي، وحتى اليوم تشهد هذه المعضلة مزيدا من التصعيد بعد دعوات الانفصال والمطالبة بدولة مستقلة في حضرموت، لا تنتمي لا إلى اليمن ولا حتى للجنوب.

كما إن هناك في داخل حضرموت من يسعى لإثبات الانتماء للمحيط الخليجي وليس للمحيط اليمني أو الجنوبي، مستدلا بطبيعة التركيبة الديموغرافية، وعادات السكان وقربهم جغرافيا من الإقليم الخليجي.

وهو واقع يمكن ملاحظته بوضوح، وتعاضده سعي أطراف في دول الجوار إلى إيجاد موطئ قدم لها في حضرموت، ومحاولة الوصول إلى مياه بحر العرب عبر حضرموت والمهرة، لتصدير نفطها، بعيدا عن أيادي وتهديدات إيران في مياه الخليج العربي أو "الخليج الفارسي".

وهذا السعي من دول الجوار، ارتبط أيضا بتحركات سياسية وعسكرية على المستوى المحلي من أطراف يمنية وجنوبية عديدة، تحاول هي الأخرى الاستحواذ على حضرموت في خضم خرب السيطرة المستعرة حاليا.

وهذا التصعيد الذي عاشته وتعيشه حضرموت خلال الفترة الراهنة، يؤكد أن هناك من يدير عملية الصراع هذه، ويعمل على صناعة وخلق مشاريع جديدة، نكاية بمشاريع سياسية موجودة سابقا، ولا يوجد أفضل من حضرموت "الوادعة" لتحريك هذه المشاريع.

في المقابل، يعتقد آخرون أن الصراع الجاري في حضرموت اليوم ما هو إلا صدى لخلافات القوى والمكونات المتداخلة مع التحالف العربي ومصالحه في حضرموت والجنوب واليمن عموما، ليس من اليوم، بل منذ أن وطئت قدم التحالف العسكرية في اليمن، بعد عام 2015.

> تأثيرات الصراع على حضرموت

ما يجري في حضرموت، قضية متداخلة ومتشعبة، وتندرج في تحمل مسؤوليتها العديد من الأطراف المحلية والخارجية، وهو ما يجعلها قضيةً معقدةً للغاية، وذات أبعاد دولية حتى وليس فقط إقليمية.

ولعل في الزيارات الأخيرة التي تقوم بها عدد من الجهات الاعتبارية الأمريكية والبريطانية إلى مدن محلية في حضرموت ما يؤكد هذا البُعد في المشكلة الحضرمية، وهو بُعد دولي بامتياز، مرتبط بصراعات القوى في المنطقة، وبتجارة النفط عبر المنافذ البحرية التي تمر بمحافظات ومناطق اليمن.

ومن المؤكد أن هذا البُعد ذو الارتباطات المعقدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، سيؤثر على واقع الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ قرابة تسع سنوات، باعتبار أن ملف الحرب في اليمن، المعقد أصلا، لا تنقصه مزيد من التعقيدات.

والشيء المؤكد أن قضية حضرموت وصراعاتها الراهنة التي برزت إلى السطح خلال العامين الماضيين، تمثل تعقيدا جديدا لملف الحرب في اليمن، ومشكلة إضافية من مشكلات الصراع المتوالية.

وبدلا من التفرغ لحل ومعالجة قضايا الحرب والانقلاب الحوثي وتمرده على الدولة، وخلق توافق في المعسكر المناهض للحوثي، تنحرف البوصلة نحو الانشغال بقضايا ثانوية ونتيجة من نتائج تأخر حسم الحرب، وهذا ما يلقي بظلاله على كافة ارتباطات هذا الصراع بما فيهم الحضارم أنفسهم.

وهو ما تجلى فعلا في صراع المجلس الانتقالي الجنوبي مع القوات الحكومية المتمثلة في المنطقة العسكرية الاولى في وادي حضرموت، والمطالب بإخراجها من المنطقة واستبدالها بقوات تابعة للانتقالي، وكلها تدخل في إطار سياسة الاستحواذ والصراع للسيطرة على حضرموت.

الأمر الذي نتج عنه مآلات عكسية تجسدت في الهروب إلى الأمام من قبل الحضارم، ومطالبهم باستقلال محافظتهم كدولة ذات سيادة، بعد أن انعكس صراع الانتقالي والمنطقة العسكرية الأولى على أبناء حضرموت بشكل مأساوي وأدى إلى انقسام المحافظة.

> المتأثرون بالصراع

من المؤكد أن الحضارم وأبناء هذه المحافظة هم المتأثرون الأكثر تضررا نتيجة هذا الصراع المستمر بين الأطراف الداخلية والخارجية على محافظتهم، وما تجلى في إلحاق الضرر بالمحافظة بشكل واضح.

وذلك بدا واضحا للعيان من خلال حرمان حضرموت من الخدمات العامة والتنمية، وتراجع الاستقرار الخدمي والأمني في المحافظة بشكل لافت خلال السنتين الماضيتين، وهي حصيلة مؤكدة للتجاذبات السياسية والاقتصادية على حضرموت.

وكحصيلة متوقعة لكل هذا الضغط، كان لزاما على الحضارم البحث عن مخرج من كل هذا النزاع الذي تضررت منه محافظتهم كثيرا، فكان الدعوة للانفصال واستعادة دولة حضرموت، وهي دعوات لا ينقصها التأييد الشعبي بل وحتى الرسمي من بعض الشخصيات الحكومية والرسمية.

وبغض النظر عن الجهات التي تدعم دعاوي الانفصال الحضرمي عن الجنوب وعن اليمن، يبقى الأمر أحد المسئوليات التي تسببت بها الصراعات المتتالية على هذه البقعة من البلاد والتي تسمى "حضرموت".

لكن الخطر الكبير الناتج عن مثل هكذا تطورات، هو إمكانية أن تخرج الأمور عن السيطرة، بعد أن تحول جنوب اليمن برمته مسرحا للصراعات وتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية بين المتصارعين.

وبات الجنوب اليوم هو الحلقة الأضعف التي يمكن تقسيمها بسهولة ويسر، اعتمادا على تاريخ طويل مضطرب وغير مستقر، وإرث من الدويلات والمشيخات والسلطنات المتشظية والمتفرقة، وهو ما يسهل على المتربصين البناء على كل هذا الإرث والتاريخ حتى يستطيعوا السيطرة والتحكم.