حوار/ أمل عياش
يحتاج اليمن لنوع من المقاومة الفكرية والعمل التنويري في هذه الفترة الاستثنائية التي يعيشها بسبب الحرب وما جلبته من أفكار وتوجهات، وبناء جيل سليم. ونحن اليوم في حضرة واحد من هذه الاعمال التنويرية حيث أصدر الدكتور مبارك سالمين كتاب جديد تحت عنوان "صورة الأخر في الكتب المدرسية اليمنية ". أسئلة كثيرة يوضح اجابتها هذا الإصدار في تناول معمق يمتد من الماضي الى المستقبل عبر تقصي صورة " الأخر" في الكتب المدرسية اليمنية، ومن ثم يقدم توصيات واقتراحات يمكن ان تمثل خارطة طريق لدرء خطر الجمود المؤدي إلى تنميط تصوراتنا تجاه " الأخر
". ما هو المحور الرئيسي الذي اردت في هذا الكتاب ان تحدث فيه تغيير ما؟ + تمحور الكتاب حول موضوع درء خطر الجمود والأفكار الجاهزة والعقائد الجامدة والتنميط الذي يسيطر على تصوراتنا للثقافة العربية والإسلامية التي تأبى أن تكون مرادفا للعنف والإرهاب الثقافة و تؤكد على التسامح والتعايش مع الأخر المختلف في جميع مراحل تطورها. بمعنى أخر فإن هذا الكتابمهحاول ان يتخلص من رعب اسئلة التربية الكثيرة والمتنوعة من خلال الخوض عميقا في ربط عملية التربية بالثقافة عموما والتأكيد على دور المدرسة الرئيسي في النهوض بأعباء هذه العملية . من تقصد بالأخر في هذا الكتاب؟ المقصود بالٱخر في اكتاب استلهمه من مصادر مختلفة ، فقد جاء الٱخر في لسان العرب، بمعنى المغاير أو المختلف كقولك رجل أخر وثوب أخر مثلا. فالٱخر إذن هو المختلف عن غيره .. وبالحديث عن الشرق والغرب ، نستطيع ان نقول بان هناك اختلاف - على الأقل من الناحية الثقافية ..فالآخر عند "أرسطو " المستبعد وهو الغريب الذي لم يتمكن من استخدام وفهم اللغة المشتركة ، والٱخر عند " جورج أورويل" حاكم مستبد البطانية 2004ص 15. والٱخر قد تكون أخرجته لجهة انتسابه الديني والثقافي لمبدأ أو مذهب أو مدرسة فكرية. الٱخر جزء من حياتنا كأفراد وشعوب ودول لا يمكن الغاؤه ..نتداخل معه ونتأثر به ونؤثر فيه ، ذلك لأن إلغاء الٱخر وتهميشه أو حتى تصور ذلك يؤديان إلى الخصومة والنزاع . وبسبب تعدد معاني الٱخر فإننا فيما يخص هذا الكتاب يمكن أن نحدد إجرائيا - ولو بصورة أولية -بأنه : غيرنا ثقافيا ودينيا. ( تعريف اجرائي ) استنادا لما تقدم فإن " صورة الٱخر " وهو المصطلح الرئيس لهذا الكتاب يمكن أن نعرفه كما يلي : الصورة الذهنية أو العقلية التي نخلقها ونرسمها نحن كمجتمع للمختلف عنا دينيا وثقافيا بالدرجة الأولى ،من أهل الثقافات والأديان الأخرى ، المختلف عنا ثقافيا كعرب وكمسلمين ونستثني إجرائيا من ذلك الآخر الشرقي لاعتبارات ثقافية وجغرافيا كما نستثنى الٱخر القريب الذي يقيم معنا في نفس الفضاء الاجتماعي والثقافي والاختلاف معه لا يشكل عناصر جوهرية ، إنما هو اختلاف سياسي أو أيديو لوجي أو جهوي صرف وقد يكون مختلفا حتى في الدين. ولكن في إطار الثقافة العربية الإسلامية نفسها ، لأننا نستهدف الآخر ثقافيا ، والثقافة في معناها الواسع يمكن اعتبارها كمجموعة مظاهر روحية ومادية وتقانية وانفعالية ذات خصوصية ، تطبع مجتمعنا أو مجموعة اجتماعية وهذا لا يشمل الفن والأدب فقط ، بل وأشكال الوجود والحقوق الجوهرية للإنسان وأنظمة القيم والتقاليد والاعتقادات الدينيه .. يوبيه 1987ص 144 . أي ان مسألة الدين يمكن أن تندرج في الإطار الثقافي العام لاي جماعة إنسانية ، ولكنها ليست الأمر الوحيد المختلف عنا ثقافيا فقد نجد في الماضي والحاضر جماعات مختلفة دينيا : مثلا المسيحين في مصر وبلاد الشام لكنها تندرج في نسق ثقافي عام واحد . - كيف نستطيع أن نلخص مضمون الكتاب بكلمات قليلة؟ معرفة مضمون الكتاب من خلال عنوانه .. انه كتاب يناقش صورة الآخر في الكتب المدرسية اليمنية وخاصة كتب مادة التاريخ كما يمكن أن نتعرف على مضمون الكتاب من خلال النتائج التي توصلنا إليها مثل: • الأخر حاضر في كتب مادة التاريخ بكثافة عالية وبصورة نمطية سلبية باعتباره العدو والطامع دائما المستعمر السلبي وهكذا تنشا لدى التلميذ اليمني صورة ذهنية عن الآخر فيها الكثير من التشويش صورة يمكن أن تتبلور في سلوكه تجاه الشعوب الأخرى ، ذلك لأنها لا تسمح له بالموازنة بين صفات وخصائص الٱخر السلبية وصفات وخصائص الٱخر الإيجابية . • الأهداف المتصلة بالقيم والاتجاهات الإيجابية المتعلقة بالثقة بالنفس والتعاون وضرورة الانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات بما يحقق التعارف والتفاهم بين الشعوب ويساعد على التعاون والبناء وتبادل المصالح واحترام الأخرين ..الخ ، إنما هي أهداف وقيم لم يلتفت إليها كثيرا من قبل مؤلفي الكتب المدرسية بل وسعوا الاستخدام خطابا يتناقض معها في بعض الأحيان ،الأمر الذي يؤكد بأن هناك صورة للأخر في مضامين كتب التاريخ سلبية وغامضة عن الٱخر صورة تنبئ عن أننا لسنا في وئام معه
- شدة إلحاح دروس التاريخ بعامة على الشخصية الوطنية أو الاستثناءاو الخصوصية والتركيز على الذات جعل المقررت الدراسية مثقلة ب الأنا وهي من أهم العناصر التي تزرع في النفوس المنهجية القومية والتعصب وبالتالي عدم توقع الاختلاف ، وعدم القبول ب الٱخر بين اوساط التلاميذ الطلاب لأن برامج التعليم المدرسي وخاصة في المواد الاجتماعية تلعب دورٱ كبير في تربية الناشئة على هذه العصبيات منذ الصغر ،ويصعب اقتلاعها . • يكشف لنا الخطاب المدرسي في كثير من الدروس التي ناقشها الكتاب عن فلسفة الإعداد للمناهج ، وعن تصور القائمين عليها للمهارات الثقافية والأخلاقية المبتغاة من الدرس وهي في الغالب مهارات تعتمد التلقين ولا تتضمن النقد والتفكير . •
- غياب ما يتصل بالتأكيد على تطوير مهارات الحس النقدي وملكة التفكير لدى التلاميذ والطلاب في الوحدات الدراسية، كما وردت في الأهداف العامة لمناهج التاريخ للتعليم الأساسي .
وعموما فإنه من المعلوم لدى ذوي الاختصاص أن عملية تصويب الرؤية الثقافية حول " الآخر " –والعكس , وهي تجري في خضم هذه الأحداث والمتغيرات الدولية - تندرج في صميم عملية الإصلاح السياسي والتربوي والثقافي بصورة عامة , ...
و لسنا بحاجة إلى التذكير بأن المدرسة والمناهج والكتب المدرسية الآن؛ هي الواجهة الرئيسية للمؤسسات الثقافية والاجتماعية , ويقع عليها العبء الأكبر ( العبء الاستراتيجي ) في ميدان الإصلاح الثقافي والتربوي , ومن ثم تغيير التصورات السلبية المتبادلة بين الشعوب والأمم ؛ فالمدرسة هي المدخل الأول لصناعة الصورة سلبية كانت أم إيجابية . ولهذا فلابد من التركيز عليها ,ابتداء من فلسفة التربية ومنطلقات المناهج ,وصولاً إلى طرائق التدريس وعمليات التقويم , وبالذات في المواد الاجتماعية .