آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: كيف يُعبّر الصراع بحضرموت عن حالة الانقسام العام للملف اليمني؟

الثلاثاء - 10 يناير 2023 - 07:34 ص بتوقيت عدن
تحليل: كيف يُعبّر الصراع بحضرموت عن حالة الانقسام العام للملف اليمني؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يبحث في مؤشرات التصعيد العسكري في حضرموت وتبعاته على الوضع الحالي باليمن.

(عدن الغد) القسم السياسي:

باتت محافظة حضرموت تتصدر المشهد السياسي اليمني بشكل مكثف، ليس منذ اليوم فقط، بل خلال العامين الماضيين، لكن هذا التصدر للأحداث يبدو أنه بدأ يتخذ منحى متطرفا، وبشكل حاد.

والتطرف المقصود هنا يتعلق بالحدة التي تحول عليها الصراع الدائر في حضرموت، والذي أعطاها هذه الصدارة والأهمية نتيجة ما تشهده من أحداث وتطورات سياسية، بدأت تدريجيًا تنجرف نحو التحول إلى صراع مسلح، وفق الكثير من المؤشرات.

فالتصعيد في حضرموت غير خافٍ على أحد بعد ما تصادمت المشاريع السياسية المتناقضة ببعضها البعض هناك، مدفوعة ومدعومة من جهات إقليمية ودولية، عكست حالة الصراع الدولي الذي تخضع تحته حضرموت واليمن عموما.

غير أن الأطراف المتصارعة بمشاريعها السياسية رأت أن ”التصادم الناعم” هذا لن يسفر عن أي نتيجة واضحة لفرض مشروع ما على حساب آخر، وغيّرت أساليبها باللجوء للقوة العسكرية و”الحسم العنيف”، وهو ما صار قريبًا بحسب المعطيات المتواجدة على الأرض في حضرموت.

حيث يبدو هذا التحول من ”الحرب الباردة” إلى ”الحرب المستعرة” واضحًا في لهجة الأطراف المحلية المشحونة، والتي تتلقى توجيهات من أطراف وجهات خارجية متبنية للمشاريع السياسية المتصارعة، الأمر الذي يرشح الأوضاع لأن تكون أكثر سوءًا.

قد تكون جذور الصراع تعود إلى رغبة مكونات جنوبية، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي إلى ضم حضرموت لمشروعه السياسي في الانفصال عن اليمن، وهو مشروع يتبناه الانتقالي منذ تأسيسه قبل نحو ست سنوات، باعتبار حضرموت كانت جزءًا من الدولة الجنوبية ما قبل الوحدة.

> صراع المشاريع بحضرموت

مثلت حضرموت طيلة العقود الماضية نموذجًا للمحافظة المسالمة الوديعة، و”قطعة التورتة” التي يسعى الجميع إلى الاستحواذ عليها، غير أن هذا المثال الوردي صار اليوم بؤرة للصراعات بعد أن تشابكت فيها المشاريع المتناقضة.

فالمجلس الانتقالي الجنوبي يرى أن السبيل لغايته، هي التخلص من كل القوى السياسية والقبلية والعسكرية المتواجدة هناك المؤيدة لمشروع الوحدة، حتى بصورتها الاتحادية، بهدف أن تكون الساحة مهيأة لتحقيق مشروعه ”الممتد من المهرة إلى باب المندب”، وفق أدبيات المجلس، الذي يقاوم بقاء حضرموت برمتها، سواحلها وواديها، تحت حكم ”النظام اليمني” والدولة الموحدة.

وهذا المشروع الذي يقاومه الانتقالي يمثل مشروعًا آخر يجد له نسبة كبيرة من مناصريه، سياسيًا وقبليًا وحتى شعبيًا، وتمثله قوات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي، وواقعيًا فإن تلك القوات تحافظ على تواجد هذا المشروع بحضرموت حتى الآن.

في المقابل، لاقت النزعة الجنوبية التي تبناها المجلس الانتقالي، وأيضا النزعة الوحدوية، رفضًا من قبل مكونات حضرمية وقبلية، ارتأت أن مثل هذه المشاريع قد تجر حضرموت وتعيدها إلى مرحلة سياسية قاتمة عاشتها في ظل حكم أنظمة سياسية ألغت كل معالم الهوية الخاصة للمحافظة.

لهذا ظهرت المطالب بالاستقلالية التامة لحضرموت، سواءً عن اليمن عمومًا، أو عن مشروع الجنوب الذي يقوده المجلس الانتقالي، وبرزت دعاوى تنادي باستعادة دولة حضرموت وسلطناتها التي كانت حاضرة حتى قبيل الاستقلال الوطني من بريطانيا.

وفي الحقيقة، فإن لكل مشروع من تلك المشاريع داعميه داخليًا وخارجيًا، ومن القوى الإقليمية والدولية، تختلف مصالحهم وأجنداتهم تجاه حضرموت، إيجابًا وسلبًا، ولعلهم ضجروا من بقاء الوضع على ما هو عليه، وباتوا يفكرون بتجاوز التراشق الناعم، والانتقال لمرحلة المواجهة.

وهي مرحلة تفضحها الكثير من المؤشرات، التي تؤكد أن حضرموت مقبلة على ”انفجار كبير”، لا يتمنى حدوثه أحد، ما لم يتم نزع فتيله.

> مؤشرات واقعية

الواقع في حضرموت تجاوز حالة الصراع السياسي الفاتر، القائم على التراشق بالتصريحات والتغريدات، أو حتى باللقاءات والاجتماعات، وحجم المظاهرات ”المليونية” -مجازًا- وانتقل إلى مستوى التهديدات والتلويح بحسم الأوضاع عسكريًا.

وثمة مؤشرات بدأت بالتصاعد من قبل كافة الجهات الداخلية والخارجية على السواء، وكل طرف من تلك الأطراف يحاول ويسعى فرض رغبته ومشاريعه السياسية على حساب الطرف الآخر، حتى وإن كان باستخدام الأسلوب العنيف.

فعقب تأكيدات قيادة التحالف العربي بدعم بقاء قوات المنطقة العسكرية في وادي حضرموت، وعدم إخراجها، اعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي هذه التأكيدات بأنها معارضة لاتفاق الرياض، الذي نص عليها صراحةً.

ما دفع مراقبين إلى ترجيح إمكانية لجوء المجلس الانتقالي، مدعومًا من الخارج، إلى طريقة أخرى بعيدة عن المظاهرات السلمية والاحتجاجات الشعبية التي كان يدفع بها إلى مدن وشوارع الوادي، لتعزيز للمطالبة بإخراج القوات الحكومية اليمنية.

وهذه الطريقة يراها الانتقالي مشروعة ومبررة للدفاع عن رغبته ومساعيه السياسية، باعتباره المتكفل والممثل الوحيد لتحقيق رغبة الشعب الجنوبي في استعادة دولته، وهو بالفعل حقق منها الكثير خلال سنوات عمر المجلس التي لم تتجاوز الأعوام الستة.

ومن المؤشرات الأخرى التي ترجح خيارات المواجهة، بقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي ومواجهة التظاهرات الشعبية والسلمية بالقمع، بحسب مناصري الاحتجاجات، كما أن توجيهات المنقطة العسكرية بالتأهب ورفع الجاهزية تزيد من احتمالات المواجهة التي لا يتمناها أحد.

إحدى معطيات المواجهة التي باتت على الأبواب، ما أعلن عنه حلف حضرموت مؤخرًا من موافقة التحالف العربي على تجنيد نحو 10 آلاف شاب حضرمي عسكريًا وأمنيًا؛ وهي عملية تعبوية واضحة؛ تهدف بحسب ما أسماه الحلف ”حماية أراضي حضرموت”، رافضًا في الوقت نفسه استقدام أية قوات عسكرية من خارج المحافظة.

كل تلك المعطيات والمؤشرات تبوح بأن الوضع في حضرموت لا يُسر أحدًا، وأن المحافظة المسالمة باتت تسير على خطى الأحداث والمواجهات الدامية التي شهدتها كل من شبوة، وأبين، وقبلهما عدن؛ نتيجة كل هذه الصراعات التي تبدأ سياسية وتنتهي عسكرية ودموية.

> ما وراء هذا الصراع؟

حالة الصراع التي تنفذها المكونات اليمنية والجنوبية والقبلية المحلية في حضرموت، لا تعبر إلا عن صراعات وانقسامات الأطراف والجهات التي تقف وراء تلك الصراعات.

وهي حقيقة أثبتها مجمل الصراع في اليمن، والحرب الدائرة منذ نحو تسع سنوات، والقائمة على تدخلات خارجية بحتة، أدت باليمن إلى هذا الوضع الإنساني والمأساوي الذي يعيشه، وألقى بظلاله على كل جزء من أجزاء البلاد.

ولعل حضرموت تدور في مدار هذه الصراعات التي لا تمثل فيها القوى المحلية إلا أدوات لقوى خارجية وإقليمية، ولا يستفيد منها إلا المتربصون بالبلاد، والراغبون بإبقاء الوضع على ما هو عليه.

وتشير الوقائع إلى أن الصراع في حضرموت ليس كما يبدو للعيان، بأنه بين قوى ومكونات محلية، ولكنه أكبر من ذلك بكثير، فهو ناتج عن تقاطع مصالح الآخرين، وتعارض أجندات الخارج السياسية والاقتصادية والعسكرية، ضاربين عرض الحائط مصالح اليمنيين.

وحتى وإن بدت القوى المحيطة باليمن متوحدة ومتماسكة، إلا أن خلافاتها وصراعاتها حول اليمن تتكشف من خلال دعم هذا الفصيل أو ذاك ضد الآخر، وربما قد يصل الأمر إلى مرحلة ”تكسير العظام” بين تلك القوى للحصول على أكبر مكاسب ممكنة.

لكن تأثيرات هذه الصراعات الحادة بين الخارج تلقي بظلال قاتمة على الوضع داخل حضرموت خصوصًا واليمن عمومًا، وتنذر بمزيد من الكوارث إذا اندلعت المعارك في حضرموت بين المكونات المحلية، أو في مكان آخر.

> تبعات الصراع العنيف

لا يُبشر بخير أبدًا، ذلك المشهد الذي سينتج عن الصراع والمعارك العنيفة في حال وصول الفرقاء اليمنيين والجنوبيين إليها، ما سيزيد الوضع اضطرابًا في البلاد، وسيلقي بظلاله على مصير الحرب السلام في اليمن.

فالتأثيرات لم تقف عند مستوى الصراع الآني بين المتصارعين، ولكنه سيؤثر سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا، إذا اندلعت المعارك في حضرموت، ولعل التجربة التي مرت بها عدن، أبين، وشبوة والتي تعطلت فيها مؤسسات الدولة وتاه الاستقرار الأمني ووصل لدرجة الفوضى.

وهذا بالفعل ما قد يصيب حضرموت إلى وصلت إليه نُذر الحرب والمعارك المسلحة بين الفرقاء السياسيين، فعلى المستوى السياسي من المؤكد أن شمل المجلس الرئاسي اليمني سيتشظى بمجرد الشرارة الأولى للنزاع المسلح في حضرموت، بل إن الصراع سيكون معبرًا أيضًا عن مدى استقرار وتماسك المجلس من عدمه.

حتى أن البعض راح يتحدث عن مسئولية التركيبة المتناقضة للمجلس عن ما تعيشه حضرموت من صراعات وتنازع المشاريع السياسية المتعارضة مع بعضها البعض، كما أن نشوب أي صراع مسلح سيعجل في إنهاء بقاء المجلس، وسيُضعف أية ثقة كانت قد علقت به.

ولا يتعلق الأمر فقط بالمجلس الرئاسي ولكنه قد يطال أيضا تماسك التحالف العربي ذاته، كونه المسئول عن أي استقرار يجب أن يكون يتم تعزيزه في اليمن، والا تؤثر خلافات التحالف العرب على الأوضاع الداخلية لليمن.

أما عسكريًا فإن الأوضاع ستكون مأساوية للغاية، لأن الأمر لم يتعلق فقط بمواجهة بين قوات الانتقالي مثلا أو قوات المنطقة العسكرية الأولى الحكومية، ولكنه قد يتوسع ليشمل قوات القبائل الحضرمية التي أعلنت مرارًا أنها ترفض استقدام أو دخول أية قوات مسلحة من خارج حضرموت.

ومثل هذا الصراع يُعقد الوضع داخل اليمن، حتى إنه يهدد جهود السلام، ويجعل الأزمة تتشظى إلى أزمات أصغر فأصغر، بدلا من معالجة المشكلة الأساسية للحرب وهي المليشيات الانقلابية الحوثية، التي لن يكون هناك مستفيد من مثل هذا الصراع سواها.