قراءة في التسريبات الإعلامية الأخيرة عن تغيير حكومي مرتقب وتعديلات وزارية..
هل الوضع في المحافظات المحررة يحتاج إلى تغيير حكومي لتحسين الأوضاع؟
كيف يمكن لأي تعديلات وزارية تغيير الأوضاع.. أم أن الوضع أصعب من أية تعديلات؟
كيف ستتعامل التعديلات الحكومية مع الملفات الساخنة وترتيب البيت المناوئ للحوثيين؟
هل الوضع الداخلي أعمق وأكبر من أن يعالجه تعديل وزاري؟
ما مصير الدولة ومؤسساتها وخدماتها في ظل استمرار الصراعات بين الفرقاء؟
ما حقيقة التغيير الحكومي؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
كثر الحديث مؤخرا، عبر تسريبات تبنتها وسائل إعلام ومواقع إخبارية، عن احتمالات قرب الاعلان عن تغيير رئاسة جديدة للحكومة اليمنية، بالتوازي مع تعديلات في الحقائب الوزارية؛ بهدف تحسين الوضع الاقتصادي والأمني والعسكري، وردم هوة الخلاف بين الأطراف السياسية المحلية.
وغير خافٍ على أحد التدهور والتردي والآفاق المغلقة والمسدودة التي وصلت إليها الأوضاع في المحافظات المحررة من اليمن، رغم التوافق السياسي والشراكة التي عبر عنها مجلس القيادة الرئاسي.
هذا المجلس الذي تشكل قبل ما يزيد على سبعة أشهر، غير أنه لم ينجح في كبح جماح الخلافات السياسية بين المكونات والقوى اليمنية، المتناقضة في مشاريعها وأهدافها وهو ما انعكس على كل تفاصيل الأوضاع العسكرية والاقتصادية.
ظن اليمنيون أن المجلس الرئاسي سيكون بداية توافق حقيقي، تنجلي به كل أسباب الفرقة والشتات وتتوحد من خلاله جهود وطاقات التيارات والأحزاب المناهضة للحوثيين لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، غير أن الخلافات ما زالت باقية إلى اليوم.
من الطبيعي والصحي أن يكون هناك تعدد سياسي وحزبي بمشاريع متعارضة ومختلفة كوسيلة تسعى لتحقيق غايات تنعكس إيجابيًا على الناس والوطن، لكن ما ليس صحيا ولا طبيعيا أن تتحول هذه الاختلافات إلى غاية بحد ذاتها.
ويبدو أن هذا ما حدث من استمرار الخلافات بين فرقاء العمل السياسي في المناطق المحررة من اليمن، حيث تصاعدت هذه الخلافات ووصلت إلى مستويات أثرت على كافة المناحي الاقتصادية والعسكرية والإعلامية في البلاد.
والناظر اليوم لكافة الأوضاع المنهارة تماما على كول المناطق المحررة وعرضها يؤكد أن الاقتصاد والعملة المحلية في أسوأ حالاتها، والفوضى الأمنية منتشرة في أوسع نطاقاتها، والإعلام منغمس في اتهامات الارتزاق وتأجيج الصراع، والقوات المسلحة تتقاتل فيما بينها بينما يُترك العدو المشترك يهدد الجميع.
كل هذه التركة الضخمة، مستمرة على وضعها هذا منذ سنوات، دون أن تتغير أو تتحسن، وفي الذي تغيرت فيه الحكومات والسلطات المسئولة في المناطق المحررة أو بقيت كما هي دون تغيير، تستمر الأوضاع في التفاقم وتزداد سوءًا عاما تلو الآخر، وتأتي حكومة وتذهب أخرى ويظل الوضع يشهد مزيدا من الانهيار.
> معوقات التغيير
ووسط هذا الكم الهائل من التردي الذي طال كل مجالات الحياة، يتحدث البعض عن تغييرات وزارية وتعديلات مرتقبة في الحكومة اليمنية التي تتقاسمها الأطراف السياسية من شرعية وانتقالي وأحزاب متعددة.
لكن اللافت في الأمر أن الحديث عن تلك التغييرات يحمل في طياته أملا بقدرتها على إحداث تغيير حقيقي في كافة الملفات الساخنة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، والتي لم تتحسن منذ عام 2015.
وفي الحقيقة، فإن التاريخ السياسي اليمني، أو على الأقل خلال سنوات الحرب الماضية، لم يشهد أن أفلحت أية حكومة تم تغييرها بكبح جماح التدهور الذي جاءت من أجل تحسينه، والسبب يرتبط بالعديد من العوامل التي تحول دون تحقيق غايات الحكومات المتعاقبة في تحسين الوضع.
لعل أبرز تلك العوامل أن الفساد في اليمن بات متغولا ومتعملقا بحيث أنه أصبح أكبر من الدولة ذاتها، ومن الصعب جدا، إن لم يكن مستحيلا تجاوزه أو حتى مواجهته، حيث صار هذا الفساد يتحلى بحماية تمنحه أسباب الحياة، ومقاومة أي تغيير.
وهذا ما يجعل التغييرات الحكومية والوزارية مجرد شكليات تذهب وتتغير، وتبقى "مؤسسة الفساد" ثابتة وصامدة منذ عقود، حتى أنها تتسبب بتلويث كل من جاء نظيفا ونزيها وأراد أن يعمل شيئا أو يقاوم الفساد المتغول، وهو ببساطة يدرك حقيقة وضعف إرادة التغيير ويضطر إلى أن يتماهى مع التيار.
من العوامل والمعوقات أيضا، حجم الانهيار الذي وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية وتراجع العملة المحلية وفشل كافة محاولات إنعاشها وإصلاحات إعادته إلى الحياة، بالإضافة إلى تشابك الفوضى الأمنية والعسكرية في البلاد بأجندات ورغبات خارجية تسعى لإبقاء الانفلات الأمني على ما هو عليه.
وفي الواقع، فإن الوضع اليمني تتحكم به أطراف خارجية أكثر منها داخلية، وهذا ما يجعل أي تغيير محكوم عليه بالفشل، إلا إذا ارتضى به اللاعب الخارجي والإقليمي والدولي، وساهم في دعم هذا التغيير حتى يستطيع أن يحقق غاياته التي جاء من أجلها.
وهذا ما يوضح أن التعديلات الوزارية أو تغيير رئاسة الحكومة المرتقب لن يكتب له النجاح في إحداث أي تغيير، لأن المعوقات أكبر بكثير، والواقع أصعب بمنعطفاته ومستجداته المختلفة، كما أن مثل هذه المناصب باتت اليوم مجرد مكاسب لبعض الراغبين بها، بدلا من الرغبة في تحسين وضع الناس.
> توصيف للواقع
السطور السابقة لا تحمل تشاؤما كما يظن البعض، ولا ترتدي نظارات سوداء كما قد تبدو، ولكنها توصيف واقع للمشاكل الجمة التي تواجه الدولة في المناطق المحررة، وتشكل تحديا كبيرا أمام كل السلطات والحكومات التي قد تأتي لحلها، خاصة وأنها مشاكل حرب وليست مشاكل عادية.
بمقدور أية حكومة أن تحل وتعالج الإشكالات تواجهها بلادها، لكن ذلك يحدث في الحالات الطبيعية المستقرة، وليس في حالة الحرب والاقتتال وغياب مؤسسات دولة، ونزاعات بين فصائل مسلحة هنا أو هناك على طول المناطق المحررة.
فالتغيير المرتقب والمناط بأي حكومة جديدة يجب أن يمنح هذه الحكومة الجديدة القدرة على التغيير على الأرض، بينما الوضع ملئ بالمطبات والعقبات والمنعطفات الخطرة، وزاد عليها وجود كيانات متصارعة ومتنوعة فيما بينها.
ولعل أية مهمة تواجه أي حكومة في العالم، هي الاستقرار الاقتصادي والمعيشي لمواطنيها، وأي حكومة محلية في المناطق المحررة لا تسعى إلى رفاهية الناس بقدر توفير الحد الأدنى من أساسيات الحياة، بحكم ظروف الحرب وشحة الموارد.
لكن التحديات الأخرى المتمثلة في التشظي الأمني والعسكري، ومقاومة الاندماج والضم الجاري للقوات المسلحة، والمواجهات الجارية بين قوات هذا الفصيل والآخر، والمطالب بإخراج قوات غير مقبولة من مناطق بعينها واستبدالها بقوات موالية، والتهديدات يتفجر الوضع عسكريا بين المكونات المناوئة للحوثي ينبئ بمزيد من الصعوبة في حالة هذه الملفات الشائكة.
على الجانب الآخر، قد تكون التعديلات المرتقبة، إذا صحت توقعاتها، تهدف إلى إحلال توافق حقيقي ومُرض لجميع المكونات السياسية لتجاوز خلافاتها وإرضائها حتى تسير القافلة إلى بر الأمان أو إلى مرحلة تتوصل فيها الأطراف الإقليمية والدولية إلى تسوية سياسية بين الأطراف المحلية.
وفي هذه الحالة قد تنجح التعديلات وتغييرات الحكومة في تحقيق شيء من الاستقرار السياسي والهدوء تجنبا لأية مواجهات أو مهددات للتوافق الهش الذي جاء به المجلس الرئاسي ولم ينتج عنه أية نتائج اقتصادية أو أمنية حقيقية حتى الآن.
> مصير الدولة
تبدو الدولة اليمنية، وشكلها الذي صمد منذ ستينيات القرن الماضي مهدد بالسقوط إلى هاوية اللا عودة، في حالة تمسك الأطراف السياسية المحلية بمحدداتها ومشاريعها ضيقة الأفق.
وبالتالي فإن هذا السقوط إذا حدث فإنه سيكون متبوعا بسقوط مؤسسات هذه الدولة وما تقدمه من خدمات ما زالت موجودة حتى الآن في حدها الأدنى، ومن شأن أية انتكاسة جديدة أن تودي بهذه الخدمات وتصيبها في مقتل بشكل نهائي.
صحيح أن اليمن صُنفت بأنها دولة فاشلة منذ ما قبل نحو 20 عاما، إلا أن تلك الدولة الفاشلة تجنبت السقوط وحافظت على صفة الدولة بالتوازي مع صفة الفشل المتلازم، لكن سقوط هذه الدولة يعني أنها ستواجه صعوبات في الوقوف مجددا.
وهذه المخاوف حقيقية وواقعية إذا ذهب كل فصيل ومكون واستقل بمطالبه في مواجهة مطالب ورغبات المكونات الأخرى، وهي مسئولية تقع على عاتق القوى الحزبية والسياسية المسلحة وغير المسلحة، فهل من رجل رشيد؟.