آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: كيف تلاشت الدولة بعد ما يزيد على عقدٍ مما سُميّ بـ(ثورة 11 فبراير)؟

السبت - 11 فبراير 2023 - 03:57 م بتوقيت عدن
تحليل: كيف تلاشت الدولة بعد ما يزيد على عقدٍ مما سُميّ بـ(ثورة 11 فبراير)؟
((عدن الغد)) خاص.

تحليل يستقرئ نتائج وأخطاء ذكرى ثورة الـ11 من فبراير 2011..

هل وجد الكثيرون ممن خرجوا وقتها واقعاً أفضل أم أنهم ندموا على تلك الثورة؟

كيف سرقت أحزاب سياسية ثورة الشباب وركبت الموجة لتحقيق مآربها وحساباتها الضيقة؟

كيف أدى المتسلقون دوراً في إيصال الحوثيين للسيطرة على الدولة؟

ذكرى فبراير.. الثورة الناقصة!

(عدن الغد) ماجد الكحلي:

يصادف اليوم، السبت، ذكرى 11 فبراير في اليمن، وسط واقعٍ أشد بؤسًا من ذلك الوضع الذي كانت عليه البلاد عشية هذا اليوم، قبل 12 عاما.

فالدولة اليمنية حينها كانت حاضرة بكل مقوماتها، لكن ما يكابده اليمن اليوم، بعد ما يزيد على عقدٍ مما سُميّ بـ"ثورة 11 فبراير"، يؤكد أن الدولة قد تلاشت أو تكاد.

ورغم أن كثيرين من الشباب اليمني ممن خرج وقتها (2011) كان يُمنّي نفسه بواقعٍ أفضل، إلا أن مجرد مقارنة حال الدولة حينذاك بحالها اليوم، يشهد مدى التناقض الكبير الحاصل بين الوضعين؛ بسبب ما أفرزه 11 فبراير.

نتاجات فبراير

فمليشيات الحوثي، التي تعتبر أحد نتاجات فبراير، ما زالت تعيث في اليمن فسادًا، وتهدد اليمنيين ودول الجوار، بصواريخها الباليستية ومسيّراتها المفخخة.

كما وجدت إيران منفذًا رخوًا في اليمن لتغذية ربيبتها الحوثية، بعد أن تسبب ثورة فبراير/شباط بوصول المليشيات إلى صنعاء والسيطرة على مقاليد الأمور؛ نتيجة الحكومة المترهلة التي انتجها فبراير.

ورغم حرص النظام اليمني السابق على الخروج من المشهد بسلاسة، كما فعلت معظم الأنظمة التي اكتوت بنيران ما عُرف بـ"الربيع العربي"، إلا أن فبراير/شباط وجد من يركب موجته على حساب الأنقياء ممن خرجوا، كما وجد من يُجيّره لتحقيق مآربه وحساباته الضيقة.

أخطاء فبراير

سياسيون يمنيون، وحتى ممن شاركوا في فبراير، كانت لهم وجهات نظر مؤلمة تجاه مآلات فبراير.

فنسبة كبيرة من هؤلاء السياسيين يرون أن ما يطلق عليها "ثورة فبراير" اعتراها الكثير من "الأخطاء الكبيرة"، مؤكدين أن أبرز تلك الأخطاء هو السماح لـ"المتسلقين" بالسيطرة على وجهة فبراير وتغيير مساره.

وأثبتت الأيام التي تلت فبراير أن "المتسلقين"، وعلى رأسهم "الإخوان" حرفوا أهداف فبراير/شباط، واهتموا بمصالحهم الخاصة التي حققوها على حساب أهداف الثورة الحقيقية.

فطنة النظام

ويقارن المحللون السياسيون اليمنيون بين ما اقترفه المتسلقون من أخطاء بحق البلاد، وبين ما حاول نظام الحكم في اليمن تجنيبه للبلاد.

ويقول هؤلاء: "إن النظام الحاكم كان فطنًا ومدركًا لحقيقة الأوضاع المسدودة التي وصلت إليها البلاد، وأدرك معها بعمق أنه لا يوجد ما يدفعه للوقوف في وجه الاحتجاج الشعبي، رغم قدرته على ذلك".

وأضافوا: "لذلك فقد تجاوز النظام كثيرًا من الأحداث، ومن بينها حادث تفجير مسجد الرئاسة الذي كان يمكن أن يُوظفه عنوةً لقمع الاحتجاجات، إلا أنه تماسك وانسحب بهدوء، لعل في القادمين من الشباب الأنقياء من يمكن أن يصلحوا حال البلاد".

 

غير أن الانتهازيين الذين تُبتلى بهم معظم الحركات النقية، انقضوا على "نقاء فبراير" وعلى ما تبقى من دولة، وسلموها على طبقٍ إلى مليشيات الحوثي، باتفاقيات وتفاهامات بينية، وفق وصف السياسيين والمحللين اليمنيين.

غير مكتملة

ثوارٌ كثر يتحدثون عن فبراير، ويشيرون كيف أدى المتسلقون دورًا في إيصال الحوثيين للسيطرة على الدولة، وما قامت به المليشيات من إعادة صياغة معادلات سياسية واجتماعية وتاريخية لفرض مشروعها الطائفي.

غير أن تغوّل الحوثيين كان سببًا في استعادة اليمنيين لوعيهم، وكشف الترتيبات التي جرت بين المليشيات الحوثية ومليشيات الإخوان، والتخادم الذي استمر منذ فبراير 2011، وحتى اليوم في جبهات القتال.

الأمر الذي جعل عددا من ثوار فبراير أنفسهم يصفونها بأنها "ناقصة وغير مكتملة"؛ عطفًا على تمكن الطبقة الانتهازية التي سحبت البساط من تحت الشباب الثائر النقي، واستثمرت باسمه، بل وتاجرت وتسولت.

ثورة وأزمة ونكبة وكارثة

لقد بدأت الثورة كـ"ثورة" ثم أزمة سياسية بفعل انتهازية الإخوان ومع صعودهم للحكم تحولت إلى "نكبة" ثم أصبحت "كارثة" هي الأسوأ عقب الانقلاب الحوثي.

رباعية تلخص مآلات الواقع اليمني منذ 11 فبراير 2011، يوم اندلاع فوضى ما يسمى بـ"الربيع العربي"، إذ فقد خلالها اليمنيون دولتهم، وضاعت أحلامهم وبات البلد في مهب الريح.

كانت الاحتجاجات الشبابية التي اندلعت في صنعاء وتمددت إلى تعز مدفوعة برياح التغير يمكن احتواؤها لكن دخول حزب الإصلاح الإخواني وقادته العسكريين على خط الأزمة عقّد حلها، حيث دفع بالشباب من السلم إلى العنف وأضفى الشرعية للحوثيين للتظاهر بعد أكثر من 6 حروب متتالية في معقلهم الأم صعدة.

فرصة الغدر

قبل نحو 12 عاما، نظر حزب الإصلاح في اليمن (الفرع المحلي لتنظيم الإخوان)، لاحتجاجات الشباب بأنها "الفرصة المواتية" للغدر بنظام سياسي كان قطبه الثاني، فاجتمعت تيارات العنف السياسي، والتطرف الديني من أجل تحقيق ذلك المسعى، واستهداف الدولة اليمنية التي كانت تمتلك قدرا كبيرا من التسامح، مع تلك الحركات.

وأتاح تجمع أعضاء حزب الإصلاح في قلب العاصمة اليمنية، الفرصة لمليشيات الحوثي في التمدد تحت لافتة المطالب الشبابية، وكان ذلك بمثابة إعادة الروح لكائن يلفظ أنفاسه، فبعد أن كانت الحروب الـ6 قد أضعفت الحركة التابعة لإيران بشكل كبير، أعادت إليها تجمعات المطالبين بإسقاط النظام، الروح من جديد.

وأتاح لها الوجود في تجمعات تقدر بالآلاف جلهم من الشباب، في استقطاب عناصر جديدة، لا سيما من أبناء المناطق الشمالية القبلية، وتسويق أهدافها الطائفية بين العديد من المكونات الشبابية.

لم ينتبه الكثيرون للمخاطر التي تشكلها مليشيات الحوثي، بل إنه جرى التسامح معها بعدما أقر حزب الإصلاح الإخواني بخطأ الحروب الـ6، واعترافه بالمطالب الحوثية، باعتبارها مطالب شرعية.

كان موقف حزب الإصلاح من حركة الحوثي بمثابة منحها صكا بشرعية وجودها، ولذا اعتبرها الكثيرون أنها إحدى المكونات اليمنية، بل إن هناك من رأى أنها البديل للنظام القائم في إقرار واضح بتسليم البلد إلى إيران.

طريق الحوثي إلى صنعاء

سلكت مليشيات الحوثي نهج المظاهرات كطريق آخر إلى صنعاء، وهي الطريق ذاتها التي ابتدأها حزب الإصلاح، لدفع الحكومة على تنفيذها، فاتخذت من الشارع خيارا لانتزاع تلك المطالب، لا المؤسسات القانونية، وهي ذات الطريق الفوضوية التي مهدت لإسقاط أركان الدولة.

كما اتبعت مليشيات الحوثي سياسية الخداع في تمرير مشروعها العنيف بشكل هادئ بين أبناء الشعب، مستفيدة من الخبرة التي أمدها بها حزب الله اللبناني من خلال اتباع سياسة رفع المطالب الشعبية، لكسب التعاطف الجماهيري.

ورفعت مليشيات الحوثي من سقف تلك المطالب، وتنوعت ما بين توفير فرص العمل، وتخفيض أسعار المواد الغذائية، إلى مكافحة الفساد، وإتاحة المجال في الحصول على الوظائف العامة للتنافس.

 

كما بدأت في ضخ بيانات حول النفقات والمصروفات الحكومية، مستفيدة من تواجد من ينتمون لما يسمى "بالهاشميين" بالجهاز الإداري للدولة، وتضخيم تلك البيانات، مشفوعة بمطالب محاسبة المتورطين فيها، إلى حد أن البعض اعتبر مليشيات الحوثي كما لو أنها تتحدث باسم الشعب.

وما أن قويت شوكة المليشيات الحوثية حتى قررت اجتياح العاصمة والزحف بمجاميعها المسلحة على صنعاء، وتوالى سقوط المدن اليمنية تباعا، وهي الكارثة التي قتلت الآلاف من الشعب اليمني وجلبت له الأوبئة والجوع وزجت بآلاف الأبرياء في المعتقلات الرهيبة.

ومثلت عمليات القمع الحوثية، فضلا عن تخليها عن تنفيذ المطالب الشعبية التي كانت ترفعها، إضافة إلى وقف صرف المرتبات الحكومية، بمثابة الصدمة لدى العديد من أبناء الشعب الذين انتفضوا على شكل مقاومة شعبية.

وبعد كل تلك السنوات يتحسر اليمنيون اليوم على ضياع بلادهم، واستمرار مليشيات الحوثي في نهج العنف والحرب، ورفض الجنوح للسلم، مستدركين خطأ اللجوء إلى الشارع لهدم الدولة.

ويتساءل مراقبون: هل تحقق ما خرج الشباب من أجله؟ هل الأحلام التي كانت تعانق السحاب، لا تزال، أم أصبحت ركاما تحت التراب؟.

أكثر المستفيدين من هذه النكبة

ورغم أن مليشيات الحوثي كانت أكثر المستفيدين من هذه النكبة التي عصفت بالنظام الجمهوري إلا أنها تجاهلت إحياءها كعادتها وذهبت للتهنئة والاحتفال بالذكرى الـ43 لثورة الخميني الإيرانية، التي تتزامن مع 11 فبراير باليمن وذلك ضمن مساعيها لتكريس التبعية لطهران.

أكاذيب الإخوان مستمرة

أما إخوان اليمن الذين جنوا ثمار 11 فبراير، وتسببوا بنهر من دماء الشباب فأحيوا المناسبة من عقاراتهم واستثماراتهم الخاصة خارج البلد، وبعضهم خرج يلوك خطابات الكذب والوعيد، وخلافا عن شاشات الفضائيات المؤدلجة ومعارك موقع التواصل الاجتماعي المناهضة والمؤيدة، فلم تحيي أي محافظة يمنية محررة ذكرى 11 فبراير/شباط باستثناء فعالية يتيمة أقيمت عشية المناسبة في شارع جمال بقلب مدينة تعز، واحتشد إليها أتباع حزب الإصلاح الإخواني باعتبارها نقطة انطلاق مؤامراتهم "الفبرايرية".

وفيما تعاني تعز ويلات حصار مليشيات الحوثي وبحاجة إلى منقذ لإنهاء مأساتها ذهب الإخوان للاحتفاء في باحة تقع على بعد بضعة كيلومترات من مرمى المدفعية الثقيلة للانقلابيين الذين يعتلون الجبال ويغلقون شرايين الحياة ويقذفون دوريا حمم الموت ضد النساء والأطفال والشيوخ.

نكبة وطن

بات غالبية اليمنيين مدركين بعمق أن ذكرى فبراير لم تكن مناسبة لتصحيح الأخطاء، فهي بالطبع ذكرى للمرارة والألم على أرواح مئات الشباب وعلى بلد طحنته حرب الانقلاب الحوثي وتسببت له بأسوأ كارثة إنسانية في العالم، كما تقول الأمم المتحدة.

ووصف الناشط السياسي عبدالسلام القيسي 11 فبراير بأنها "نكبة وطن لا ثورة"، لأن "الثورات تتسلح بالوعي وتصون الثوابت وتمنح الآمال للأجيال".

وقال القيسي "إذا كانت كل هذه الدماء، والجماجم، والمنازل المهدمة وأرواح القتلى والدموع، للذين في السجون، وللجوعى، والمشردين، لم تدفن فبراير بعد فهناك خلل في الوعي الجمعي الذي يفتقد بوصلة ترشيده نحو الصواب".

كما يفتقد "أولوياته في استعادة البلد الذي سقط، وسقطنا كلنا معه"، إشارة إلى أولويات المعركة مع مليشيات الحوثي التي تتطلب توحيد الصفوف واستعادة اليمن من براثن المشروع الإيراني.

وعدد الناشط السياسي والإعلامي الوجوه الصاعدة التي ركبت على تطلعات الشباب من قيادات الإخوان ثم جلبت لاحقا قيادات الموت الوحشية من صفوف مليشيات الحوثي من صعدة معقلهم الأم إلى صنعاء ثم إلى كل البلاد والمنطقة.

وأضاف "الثوار الحقيقيون هم الذين اعتذروا وهم الذين تؤنبهم ضمائرهم، أولئك خرجوا وفشلوا، وقالوا إن الفشل في حفظ حقيقة الثورة هو جانب من قصورنا نحن".